الحاجة أمُّ الحيلة

الحاجة أمُّ الحيلة

افتتاحية الأزمنة

الأربعاء، ٧ يوليو ٢٠٢١

سواد الشعب العربي لم يصل حتى اللحظة إلى مساحة الأنوار واستعادة ثقته بنظامه الاجتماعي والاقتصادي المسؤول عنهما السياسي والديني، لأن ظلمات الماضي مازالت مهيمنة على حضوره إلى درجة كبيرة، ولا يمكن له أن يصل أو يختصر المسافات من دون أن يخوض المماحكات الفكرية التي تمنحه حرية يقابل بها حرية الآخر الذي سبقه إليها، والتي تجذب إليها سواد الشعب الذي استسهل واقع الغير بدلاً من أن يتمسك بواقعه، ويعمل على تطويره، هذا الواقع الذي لا يؤمن بالتجديد، ولا يدري أنه في حالة انحطاط مستمر.
كما أشرت أوضح أن التناقضات كبيرة بين التراث العربي الإسلامي بشكل خاص، وتراث الحداثة الذي تقدم به الكثير من شعوب الأرض، وبالتالي هذا أوجد هوة بين ثقافتنا وثقافات الشعوب الأخرى، وإذا كان الهدف الرئيس للثقافة يكمن في الإسهام في رفع مستوى الإنسان فكرياً واجتماعياً من خلال تعميق قدراته الإنسانية، هذا الذي سبقنا إليه العديد من الشعوب، فأظهر اتساع المسافة فيما بين شعبنا والشعوب الأخرى، هناك من حاول إيجاد حل بطرح الخلط الفكري أو ما أطلق عليه التلاقح الفكري، والذي لم ينجح بسبب سيطرة العقل الماضوي على الحداثة، وفي الوقت ذاته وحتى اللحظة، لم نجد حلاً جذرياً لإعادة بناء الشخصية العربية المنافسة لشخوص الأمم الأخرى، أو على الأقل وقوفها في مستوى يليق باسمها، لأنهم متمسكون بجمر الذكريات المسكون في صحراء عقولهم التي يحنون إليها، وحالهم حال المرء الذي لا يموت كلياً مؤمناً بثقافة الهيم والبحث فقط، كما أنه لا يريد في الوقت ذاته أن يحيا بالشكل الصح، الذي يصحح به الخطأ، لذلك نجده تائهاً بين الدينية والعلمية، وبما أن سواد الشعب متعلق بالشريعة الإسلامية، فعلى القائمين عليه أن يفهموا الناس بأن هذه الشريعة ليست مذهباً أو طائفة واحدة، بل هي مجموعة مذاهب وطوائف، وأن من يرد درسها وتفهمها وتطبيقها فعليه أن يأخذها بمجموعها، وأن يختار ما هو مناسب لذات الشريعة ولحاجات الناس والمجتمع ومقتضيات الدولة وإدراك وجود شرائع أخرى.
ترافق الشريعة الإسلامية ضرورة حتمية تؤمن بها الحياة، فكيف لا نؤمن؟ وكي تتم استعادة الثقة في اللغة الروحية ينبغي فتح باب الاجتهاد، لأن النقل والتقليد هما السائدان، ولم يعد هذا يناسب التحضر والحداثة والتطور، سؤال أغلق به هذه الفكرة، كيف قبلت الديانات الأخرى طوائفها ومذاهبها التي تشابهت طوائف ومذاهب المسلمين معها، وأكثر من ذلك استقت منها؟
إن العلم يجعل الحياة أكثر امتلاءً ومساحة وأماناً، وبه يتضاءل الفقر، وتضعف الآلام، وتتطور الشعوب والأمم، لأنه الوقاية مما ذكرت، والحصانة من القادم السلبي، وإذا كان لا بد من العلاج منه فإنه يتمّ به، أي بالعلم، وبسببه تتعافى الأمم وترتقي وتتقدم، وممارسة الحياة بالعلم ينضج العقل أكثر، ويفرح القلب ويقويه، وإذا كان ما قيل في قليل الخمر بأنه يفرح قليلاً وكثيره يفرح كثيراً، فإن كثير العلم يغني الحياة ويزهو بها، بل ينعشها، لتنعكس على مجموع أحيائها جمالاً وإبداعاً وتألقاً.
دعونا نسأل بعضنا: ما موقف فكرنا العربي في المدنية الحديثة وعلومها وتطبيقاتها؟ أليس العلم وليد المنطق، والمنطق يدفعنا للعمل هذا الذي لا يرفضه إلا الجاهل؟ أليس هو سبب الرفاهية ورغد العيش وجماله؟ وفي الوقت ذاته، ألا يكون ميسراً للفهم ومحصناً للعلاقات الاجتماعية والأممية؟ أليس بفقدانه يسود التكاسل, ويقع التواكل؟ فتأكل الناس بعضها، وتنتهك حرمات بعضها، وتعمل على تدمير وجودها، إن أهم ميزة للعلم إنتاجه للمدنية ووسائطها التي ساعدت الإنسان على تفكيك عقد الحياة واختزال الزمن قرَّب البعيد، وبه اتسع العقل، وصغر الكون، لأنه سكنه.
من الواضح أن النشاط العلمي يتوقف على قيمة وقوة النشاط الفكري، لأن أي تطور منشؤه الفكر الذي يوظف حواس الجسم البشري، جاعلاً منهما وحدة كاملة، ليظهر منهما قادمٌ جديدٌ، هذا الحال يشبه تحطيم الإنسان للصخرة من أجل إخراج التمثال، فهل تكون الحاجة أُمُّ الحيلة، والحيلة اختراع وإبداع ووسيلة؟ هل مازال شعبنا يحتاج إلى هذا لوصوله إلى الأمام، مسؤولية من؟ هي برسمكم.
د. نبيل طعمة