الروح والجسد

الروح والجسد

افتتاحية الأزمنة

الأربعاء، ١٢ مايو ٢٠٢١

مشكلة كل فيلسوف يبحث عن علاقة النفس الإنسانية بالعالم المادي، لأن سواد المهتمين والمختصين يتوقفون عند حدود المادة ضمن زمنه الحاضر يفتش، وذلك لصعوبة سبر الأغوار السحيقة أو إجهاد الوصول إلى القمم الشاهقة.
 يتساءل الكثير من الناس عن ضعف الفلسفة الإنسانية وندرة وجود الفلاسفة في وقتنا الراهن التي تهتم بالإنسانية، مؤكد أن السبب سيطرة المادة على الفكر، ورغم أن البلاد تتنازعها موجات دينية أنجزت حروباً كانت بالوكالة، تلاعب بها الفكر المادي الخارجي والداخلي، وابتزها روحياً ومادياً إلى أقصى مدى، من هنا أجدني أميل إلى تبسيط العلاقة القائمة تحت عنواننا، فكلما ازداد المرء بساطة ازداد كمالاً، لأن معنى البساطة الاندماج في الحق، وهذا في حد ذاته دعوة لنهضة الفكر وزحزحته عن كسله، وكثير من الناس اعتادوا العيش على هوامش أحلامهم، وأهملوا البحث والتقصي عن وفي الحقائق التي توصلهم إلى الأجمل من أحلامهم، وبالتفكير والتأمل والتحاور نصل إلى أن الجاهل والمستهتر يشوهان كل فكرة تستحق البحث والتطوير.
هذا العنوان الذي اخترته بغاية الاتجاه إلى العمل الذي أعتبره منفى سعيداً، فيه نتعلم أول دروس الصبر على النتائج التي تذكي في الإنسان نشاطاً فريداً، وتبعث في النفوس الفتوة والشباب الدائمين اللذين يجمعان بين الذكرى والحماسة، وفيهما نتطلع إلى الحياة القائمة من فلسفة الروح والجسد، فنعجب بالجمال، ونفتن بالضائع الذي يجب أن نهتم بماهيته، لذلك أجد أن عقولنا الشاردة هي سبب تخلفنا، وهذا الشرود الذي يحجب جمال البناء والنشوة يجعلنا كسالى خاملين وظيفيين، على الرغم من كثرة حركتنا، إلا أن عيوننا مغمضة عما حولنا.
الروح والجسد يسكنان بعضهما، فهما حقيقة النفس التي تكون خلف القناع، العظماء أصحاب القرار والقادة مع المبدعين والمفكرين والفلاسفة متصالحون مع أنفسهم رغم صعوبة قراءتهم، أما ضئيلو الشأن فهم حزم من مسارات متناقضة، إما المغمورون فغالباً ما يظهرون على حقيقتهم، وليس بهم من حاجة إلى خلق شخصية تحميهم، أو تمارس تأثيراً فيهم، لذلك يكون عنواننا وحدة وجود، والوجود حياة تشتاق إلى التحضّر والمدنية اللذين يحملان نعمةً للمجتمع الذي يغدو في حركته أقرب إلى الهندسة الكونية الكاملة التي تبث من خطراتها النسيم المنعش لكل روح تتفهم معانيها، فإذا حصل وصل إلى مراتب الحب التي تؤدي إلى الإبداع، وحين يفقد الإنسان الحب فإنه يذهب إلى التديُّن الذي يفصله عن فهم الفلسفة، وبالتالي يجعل بينه وبين روحه هوة لا واصل لها.
 هل يمكن فصل الروح عن الجسد؟ أم إنهما معاً هوية الإنسان وتكوين مجتمع وصورة الدولة؟ وأعود لأسأل: أي نوع من الناس يكون إذا كان روحاً مطلقة أو جسداً فقط؟ وهل يمكن للعقل المتمركز بينهما أن يميل إلى هذا أو ذاك؟ وأيضاً إذا آمن الإنسان بالعقل بعيداً عن ربطه بالروح والجسد إلى أين يصير؟ وإن كل ما أذكره يحمل غاية الوصول لفهم الغرض من وجود هذا الإنسان، فإذا أدركه عرف الكيفية التي يمارس حياته بالشكل الذي يليق بها، فإذا فعل أنصفته عدالة بعض البشر المؤثر، رغماً أنها تأخذ بريئاً بوزر غيره، وتفلت مجرماً من إسار العقاب، وهذا يشير إلى أن حلم الإنسان الأزلي أن يبلغ الوئام، وأن يحيا دون ضغائن بسلام، وما تدفعه البشرية نتاج عدم تصالحها مع ذاتها وعلى الحروب والأمراض، لو دفعت جزءاً يسيراً منه للسلام لكان عيش الإنسان كما هو متخيل في الجنان، ولكنه يبقى إنساناً حاملاً العقد والطمع والجشع، ويبقى السلام حلماً له مهما وصل من عزٍّ وجاه، وهذا لا يتحقق إلا عندما تتآلق وتتصالح الروح مع الجسد، ومن دون ذلك تظهر علائم المأساة على مسيرته الحياتية التي تنمو بالكفاح والعناء، وبهما يتم القضاء على الفشل، وهذه العلاقة وضرورات نماء الحياة العقلية التي توسع دوائر العلم وتطبيقاته على الشؤون الحياتية ومتى تحققت.
وهنا أختم بأن ما أدور حوله يدخل في منظومة المعتقدات الزائفة، ربما يحمل طابع الحقيقة التي صدقها الناس بمرور السنين، لكنهم بمشاعرهم ما زالوا يبحثون عنها.  

د. نبيل طعمة