القبلة الكاذبة

القبلة الكاذبة

افتتاحية الأزمنة

الأربعاء، ١٧ مارس ٢٠٢١

وحقل الدم وكفن السيد المسيح، لو مضت الحياة بالناس هادئة رتيبة، وأضفت عليهم جميعاً هباتها المألوفة لتغيرت معالمها، وانطبعت مصائر الأحياء بألوان متقاربة، ولكنها حين تعطي هنا وتسلب هناك، وتقدم للبعض الحب والأمن، بينما تضع في طريق الآخرين الحواجز والعقبات، إنما تجري على منطقها وتحقق غايتها، وعلى صخرة هذا الصراع الدائم بين الإنسان والإنسان، يصورونه من نفاقهم على أنه صراع على الرب الإله الذي يقتلون وينهبون ويكذبون باسمه، يذهب الكثيرون حطاماً بينما ينتصر الرب للمخلصين وللعبقرية المؤمنة من ضرام معارك البشرية على الشهوة والقيم الروحية الحقّة وعلى الأخلاق.
جاء في إنجيل القديس متى «ثم سبحوا وخرجوا إلى جبل الزيتون، وجاء معهم يسوع إلى ضيعة جشيماني» وقال لتلاميذه: قوموا لننطلق فهوذا قد قرب الذي يسلمني… وفيما هو يتكلم، إذا جاء يهوذا أحد الاثني عشر، ومعه جمعٌ كثيرٌ بسيوف وعصي من رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب، والذي أسلمه أعطاهم علامة قائلاً: الذي أقبله هو هو فامسكوه، وللوقت دنا إلى يسوع، وقال له: السلام يا معلم، وقبّله، وقال له يسوع: يا صاحب، لأي شيء جئت؟ حينئذ جاؤوا وألقوا أيديهم على يسوع وأمسكوه، وإذا واحد ممن كانوا مع يسوع، مدَّ يده، واستلّ سيفه وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه.
وجاء بعد ذلك: فأوثقوه ومضوا به ودفعوه إلى بيلاطس البنطي الوالي، حينئذ لما رأى يهوذا الذي أسلمه أنه قضى عليه، تندم ورد الثلاثين من الفضة إلى رؤساء الكهنة والشيوخ، قائلاً: إني قد أخطأت إذ أسلمت دماً ذكياً فقال له: ماذا علينا؟ أنت أبصر، فطرح الفضة في الهيكل ومضى مخنقاً نفسه، فأخذ رؤساء الكهنة الفضة، وقالوا: لا يحل أن نجعلها في بيت التقدمة، لأنها ثمن دم، فتشاوروا وابتاعوا بها حقل الفخار، وقدموا مقبرة للغرباء .. ولذلك دُعي الحقل حقل الدم إلى اليوم.
هذا ما جاء في أحد الأناجيل الأربعة عن خيانة يهوذا لسيده، وصار الناس يقولون عن القبلة الكاذبة التي تخفي وراءها الغدر والخيانة، إنها «قبلة يهوذا» التي استحضرتها عندما كنت أزور إحدى الكنائس في روما، ولفت نظري تمثال رائع للمثال والرسام والمهندس المعماري «جاكوميتي» المعنون «بقبلة يهوذا».
أما عن كفن السيد المسيح المحفوظ في كاتدرائية سان جان بإيطاليا والمسكون عليه وكأنه رسم أبدي عجائبي، هذا الكفن المقدس الذي كفن به تلامذة السيد المسيح معلمهم حين دفنوه بعد صلبه مازال باقياً على الدهر، حيث يقال: إن طول قماشه أربعة أمتار وستة وثلاثون سنتيمتراً، وعرضه متر وعشرة سنتميترات، والذي أثيرت حول حقيقته عبر العصور، مجادلات ومناقشات كثيرة، تراوحت بين الإيمان به والجحود نظراً لتنقله بين أماكن عديدة ووصوله بشكل نهائي وثباته في إيطاليا، حيث حرص تلامذة المسيح وخلفاؤهم على كتمان أمر كفن المسيح، كيلا يقع في يد مضطهديهم، إلى أن كان القرن السابع، فطفقوا يجاهرون بسره، ليكتب عنه في إحدى رسائله القديس «بروليون» أسقف سرقسطة، وشهد بوجوده في أورشليم سنة 650م الأسقف أركولف الذي رآه وقبله، وفي القرن الثامن شهد بوجوده الراهب المؤرخ الإنكليزي القديس «بليد» المحترم والقديس يوحنا الدمشقي.
فالذي نراه ونتابعه في هذا الوقت العصيب الذي تمر به البشرية جمعاء حروب تقليدية وبيولوجيا وسوبرانية تكنولوجيا واعتداءات على الحقوق وانتهاكات فاضحة للمقدسات الروحية، خيانات وابتزازات علنية أرهقت الشعوب.
ما أحوجنا إلى إرادة الرب الذي هو نقيض كل ذلك، فهو يدعو للمحبة والإيثار وعدم الخيانة وارتقاء الإنسان وابتعاده عن دنسه، أين البشرية اليوم من إرادة الرب؟ وهل تعمل لما قدمه لها أو أن تكون على شاكلته والاقتداء بإيحائيته.
نتوقف هنا، فما قدمته بعضٌ من وثائقيات استعرضتها من أجل جميع المؤمنين، وبمناسبة الصيام الكبير واقتراب أعياد الفصح المجيد بها أقول: صيام مبارك وفصح مجيد.
كتبت هذه المادة بتصرف من الكتاب المقدس وبعض من المصادر التاريخية.
 د. نبيل طعمة