إصلاح المرأة

إصلاح المرأة

افتتاحية الأزمنة

الأحد، ٢٠ سبتمبر ٢٠٢٠

أبدأ بغاية إدراك ما أدور حوله راغباً في وصول المرأة للنضج النوعي والوعي المفيد، ولكي تكون سيدةً بما تحمله من معنى، لا لتغدو رجلاً، وهذا ما لا قدرة لها على نيله، وإنما من أجل أن تكون فاعلة بواقعية، تفهم ما لها وما عليها، مع حفاظها على مسماها.

ما أسعى إليه يكمن في تقديم حجم يسهم في قضية نهوض المرأة والتوقف عند أسباب تأخرها عن الرجل، حيث أسس عليها مبتدئاً من الجهل والجمود الذي يطبق على المرأة، والذي كثيراً ما تكون مستسلمة له نتاج سعيها للوصول إليه، بينما الواقع والمنطق يتحدث عن ضرورة سعيه إليها، فإذا قدرت على منحه الرقة والحنان والعزاء والاستجابة التي تحيي فيه رجولته، قدم لأنوثتها كل ما يقدر عليه، ومن نظرة متفحصة نجد أن عمل الرجل الدائم كان لمراضاة المرأة والظفر بحبها ونيل إعجابها، وهي تغالي في تحديه، وتتمرد عليه، وتطالب بمساواته وطلب حريتها، وكأنها لا تساويه ولا تكون حرة إلا إذا أصبحت آمرة له ومتفوقة عليه، وهذا ما يجعلها نادمة في آخر المطاف وفاشلة.

مؤكد أن أنثى آدم اكتشفت ذكورته، وقيمت فعله الجنسي الذي إن نجح فيه وأوصلها إلى نشوتها استجابت له، وقدمت كل ما تملكه، وإذا فشل استباحته وذهبت بمطالبها حتى النهاية المخزية له ولها، وبدلاً من أن  تصارحه وتطور فعله تزيد في معاناته، فلم تخلُ نهضة امرأة من أفعال نقمة على الرجل، تميل بها إلى التمرد والمناجزة بسبب ضعفه المادي أو الجنسي، وكثير من النساء اللواتي اعتقدن أنهن وصلن إلى حريتهن اعتبرن عنايتهن بالرجل مهانة لا تليق بالنساء المتحررات، ومع هذا أقول: إنه لا توجد امرأة مظلومة في أي مجتمع إلا وكان الرجل مظلوماً، إما من جهله أو من تخلفها، لأن المرأة لا تظلم إلا عندما يكون الجهل والتخلف سائداً أو مستمراً، إنها كالبركان الثائر، وهذا ما يمنحها جمالاً تتملاه العيون، وتهتز له النفوس، وهيجانها على الرجل يدمر ما له ولها، وهي كالشر الذي يستدفع، والبلاء الذي يستطاب، وللعلم إن ضحايا الظلم من الرجال، وتشكل أضعاف ما يصيب النساء، وبما أنهما يتحملانه نتاج أوضاع متعددة اقتصادية أو سياسية أو دينية أو اجتماعية، فإن عملية إصلاح المرأة تبدأ بإصلاح الرجل، وهما في الوقت ذاته أصحاب قضية واحدة متعددة الجوانب، أهمها الجهل والفاقة والجمود، هذه التي تمنع الحوار، وتطور الأزمات، وتؤدي إلى الانفلات وضياع الأجيال.

المرأة تصلح لكل شيء، وهي القادرة على إصلاح وهدم أي شيء، لذلك أجدها أقدر من الرجل في الفطرة عقلاً، من حيث الحب والحنان والعواطف والحمل والولادة والرعاية الأسروية والحفاظ عليها بشرط التوافق، وهو أرجح بالعمل والقوة البدنية وتحمل الصعاب والدفاع والإقدام والبحث عن الحلول، وهو بهذا تفوق عليها وأخضعها لنظرية الجني الذي يقدمه لها وترك البناء الداخلي وتحصينه مما يدعه بين يديها، إن لم تكن منتجة، وإذا أنتجت يجب أن يكون لها ما له، وعليها ما عليه، فيظهران في النتيجة وكأنهما واحد، ولكن بسبب عوامل الذكورة المسيطرة نجد أنه أضعفها علمياً، وحدَّ من حريتها باستثماره للتعاليم الدينية تحت مظلة القوانين المدنية.

 من كل هذا أجدني أخرج عن المألوف والمجاملات للمرأة والرجل إلى الواقعية التي أقترب بها نحو الحقيقة السائدة التي تقول: إن المرأة مازالت مضطهدة إلى حد كبير في مجتمعاتنا، وإذا قسنا درجة تعلمها إلى جهلها نجد أنها ورغم وصولها إلى بعض الدرجات العلمية والاقتصادية والسياسية إلا أنها بقيت نادرة، وتعد على الأصابع عالمياً أو محلياً، والسبب البطء في إصدار التشريعات التي تحررها من عزلتها، وتمنحها مزيداً من حريتها المحكومة من الأديان، وبعض القوانين الوضعية التي تؤيد إبقاءها خلف الرجل لا إلى جانبه.  

إذا سمح للمرأة أن تنهض فستفاجئ من يسعى لتخلفها وإبقائها في مرحلة الدون، هنا لابدّ من قول الحقيقة: إن أي إصلاح للمرأة يجب أن يبدأ بإصلاح القوانين الغابنة لحقوقها من واضعيها المشرعين مع الساسة، هذه التي تلغي أنها غير قادرة، وأنها ضعيفة، وأنها خلقت للجنس والحمل وتربية الأطفال التي لا يقدر عليها الرجال، وأيدتها لغة الأديان التي تحدثت عن أن القلب مركز الإيمان، وأن الفرج يقبل التنوع، فوقع عليها الضعف والخيانة والشك، ومنحت بذلك تفوق الرجل عليها واضعة العصمة والهجر والشهادة على الحق بيده، وأن الحياة قامت على الذكورة، والمشاريع الدينية ذكرت كل شيء، بدءاً من الآلهة والنبوات والرسل، وصولاً إلى آدم، حتى الملائكة لا يوجد بينها إناث، فملك الموت وملك الوحي والرقيب العتيد وخازن النار والحواريون والباباوات وصحابة الرسول، ألا يستدعي كل هذا التوقف عنده؟ هذا معمم على الجميع في عالم الجهات الأربع، أوَلمْ يحن وقت الاعتراف بأنها قادرة على امتلاك جميع أنواع العلوم والقيام حتى بأنواع العمل الصعبة، التي تؤكد قدرتها للنجاح والإبداع والقيادة والبناء، إضافة إلى الحب والحمل والإنجاب، ولنتذاكر المثل الشهير وسأشرح بعده تفاصيل روايته: "إن وراء كل رجل عظيم امرأة"، وهي أن رجلاً في القرن السابع عشر وصل إلى الثراء من جراء تربيته للتماسيح التي أوجد لها بحيرة توسع بها، حتى غدت واسعة جداً، ومعها بنى لعماله الذين يسلخون جلودها منازل، إلى أن أصبحت قرية، وفي ذات يوم جمع الثري أهل القرية، وأوقفهم على منصة تطل على بحيرة التماسيح، وقال: من يستطيع السباحة إلى الضفة الأخرى يحصل على مليون دولار، صمت الجميع، فرفع المكافأة إلى مليوني دولار، فجأة قفز إلى البحيرة شخص منهم، وأخذ يسبح بسرعة، والتماسيح تطارده، إلى أن وصل إلى الضفة الأخرى ونجا، حصل على المكافأة، وأول ما فعله قام بطرد الثري، ووزع مبلغاً مهماً على عمال القرية الذين أصبحوا أسياد أنفسهم، وتحسنت معيشتهم كثيراً، وفرغ إلى نفسه التي راح يبحث فيها عمن دفعه إلى البحيرة، فقالت له زوجته: أنا من فعل ذلك، لأني أعرف قدراتك التي تخفيها في السباحة، ولولا أن دفعتك لما وصلنا إلى هذا الحال.

متى يتخلص الرجل من أخذ الأنثى للمتعة؟ يلقي عليها العيوب محرقاً حوله بخور البشرى والانتصار، ومتى يدرك أن الإنسان ذكراً كان أم أنثى لا يستطيع أي منهما إقصاء الآخر؟ فقضيتهما واحدة، وهما وحدهما القادران على استمرار الحياة، هذه التي يشتكيان فيها من ظروف الحياة إذا قست، بينما يتحملان من ضغط المصادفات والمفاجآت، وإذا حدث خلاف واحتكما فلن يكون أي منهما فائزاً، فلن يعرف الرجل الإنصاف إذا غيّبته المرأة، والمرأة لن تحقق لها السعادة إذا جارت على الرجل.

من كل هذا علينا أن نعترف معشر الرجال أن لا مساواة مع المرأة إلا إذا قام الرجل بمساواتها به مهما نادت وتحملت، فالإقرار الأول والأخير يأتي من الرجل، وهو المطالب بقيامه بتعديل القوانين وإصلاح ذات بينيه وإيمانه الأول والأخير، مع اعترافه بأنها تساويه، حينها أستطيع أن أقول: إن المرأة أخذت طريقها إلى مساواة الرجل، هذه التي تكون في الحقوق والواجبات بعيداً عن الطبيعة التي خلقا من أجلها، أي إنها تبقى بحاجة إليه أثناء رحلة بحثها عن مساواته في الحب والجنس والرعاية والحماية والولادة، وتحتاج إلى حنانه وعواطفه وحبه، وللإجابة عن أسئلتها المستمرة، وأهمها هل تحبني؟ وهنا آمل أن أكون قد صارحت الرجل بعملية إصلاح المرأة، وما هدفت إليه أيضاً من حواري معها.

د. نبيل طعمة