أكسير العمر

أكسير العمر

افتتاحية الأزمنة

الثلاثاء، ٥ نوفمبر ٢٠١٩

الحب والحياة مزدوج يسعى إليهما الإنسان بشكل خاص، وباقي المخلوقات الحيوان والنبات بشكل عام، ومن دونه لا تكاثر ولا متعة ولا استمرار، وأخصّ إنسانه حامل العقل والإحساس والإدراك بجزأيه الرجل منه والمرأة، بغاية الحفاظ على الشباب أو العودة إليه وإلى عنفوانه، وخاصة لتلك القدرة الجنسية التي تتفوق في لحظات حضورها على أي قدرة عقلية أو جسدية.

الحقيقة التي لا يريد أحد أن يعترف بها، هو أن لا وجود لهذا الأكسير حتى اللحظة، باستثناء بعض من المثيرات التي تدفع بالعواطف الإنسانية المحببة في العقل الحي إلى بعض مما كانت عليه بعد ظهور ضعفها أو فشلها بشكل مؤقت «الفياغرا مثلاً»، أو بعض الفيتامينات، وإني لأستدعي أفكاراً متدحرجة تقول فقط: لو كان للشباب عقل لأنجز فيه كل ما يحلم، ولو كان للكهولة قدرة على سرعة الحركة وتحمّل الصعاب وأهمها الجنسي منها لما وصل أحد إلى وهن واحتياج الإنسان إلى نشاط بدني وعقلي وعصبي من أجل الاستمرار، يوقفه إلى حد ما الشعور بالضعف الجنسي، ومن ثم الجسدي بسبب التقدم في السن، وطبيعة اهتلاك الجسد، ومعه نجد أنفسنا أمام حلقة عمرية، يتحتم علينا قطعها، والسؤال الدائم كيف بنا نسيطر عليها، وكيف بنا نبقي ما نحن بحاجة إليه من شباب ونشاط، وكثيراً ما نتحجّج بعد اجتيازنا لمنتصف العمر بضيق الوقت أو الهروب إلى الأمام بعد تجاوزنا للشباب والرجولة، مع تأكيد أن لهذه القاعدة شواذ.

يتحدث الواقع أن لا وجود لقانون زمني يحكم بين بقاء القدرات الجسدية والحسية وانحلال بعضها، لأنها تتأرجح بين شخص وآخر، كما أنه يختلف في الجسد الواحد بين أعضائه، لكن من المحتم أن هناك متغيرات تطرأ على جسم الإنسان بين سن الأربعين والخمسين، لتظهر بشكل واضح وجلي في سن الستين، وليس صحيحاً أنّ ترادف هذه المراحل حالات ضعف أو أمراض، بل العكس ربما تكون من أجمل مراحل الحياة وأكثرها نتاجاً وإبداعاً، ولكن ماذا يحدث للجسم إذا توقف عن ممارسة الجنس، الذي يولد الشعور بالسعادة والتشوّق والاستقرار النفسي والافتخار بالرجولة والأنوثة، ومن دونه يؤدي إلى ازدياد خطر الإصابة بالاضطرابات، وأهمها اللهاث خلف استعادة قدراتها، فالعلاقات الحميمية تشبه نوعاً مهماً من التمارين الرياضية وتعزيز هرمونات النشاط والسعادة، والتوقف عن ممارسة الجنس ينقص الرغبة عن ممارسة كثير من أنشطة الحياة، وأهمها الحب والحيوية.

 ماذا يعني سن الأربعين عند الرجل والمرأة؟ هل يدخلان معاً ما يطلق عليه سن اليأس خطأً؟ والتسمية غير صحيحة، لأنها يجب أن تكون تغيير الحياة، أي المرأة والرجل يدخلان سن النضوج الذي يتأخر عند البعض منهما، حتى الخمسينيات منه، فالمرأة تصله بعد أن تكون قد قامت بالمهمة العظمى الإنجاب والتربية أو فهم أكبر للحياة، ما يتيح لها فرصة الاستمتاع بحياتها، فإن أخطأت في فهمها أدخلت الرجل سن جهالته، لكونها لم تدرك متغيراتها، وكثيرات من النساء يعتبرن توقف الدورة الشهرية علامة على الكبر والعجز والهرم والشيخوخة، ومعها ترتكب النساء خطيئة كبرى، فبدلاً من أن تدرك أن بوابات الحياة الحقيقية فتحت لها من خلال فهمها لمرحلة النضوج العقلي، الذي يجب أن يدفعها لفهم تضاريسها الجسدية ومتابعة الاهتمام بها، كي تبقى لأكبر قدر ممكن نضرة وحيوية، تستسلم لذلك السن، وهذا ينطبق أيضاً على الرجال الذين إن لم يدركوا تلك المتغيرات الحاصلة مع المرأة، وذهبوا إلى التنقل بين النساء أصابهن الضعف المبكر والوهن القاتل، لأن النبع ينضب، والذين قالوا: «إن الرجال مدد والنساء عدد»، عرفوا مفاهيم الشيخوخة المبكرة والنساء اللائي يهملن أنفسهن، أو يستسلمن لما يسمى سن اليأس البغيض عندهن، نجدهم تاهوا في البحث عن سبل استعادتها، فالوعي المبكر يطيل أمد نضارتهن نساءً ورجالاً، والتهاون بما يمتلك الطرفان من قوى يدع الجميع في حالة لهاث.

ينبغي أن يقود إدراك الإنسان إلى حتمية تعرضه لمتغيرات جسمية وعقلية ونفسية إلى فهم أكبر لحياته، ومراقبته لمروره من مراحلها يمنحه فرصة التأمل في ما مرّ فيه من الطفولة، إلى الشباب، إلى الرجولة، فالكهولة، ومن ثمّ وقوعه في الشيخوخة، هذه العوامل التي تشبه العوالم مسكونة في عالم الحياة الحاضرة في كل خلية من جسم الإنسان منذ الولادة وحتى النهاية، وكل عضو فيه حي يؤدي وظائفه الطبيعية، ما دام عامل الحياة له اليد الطولى فيه، حتى في سني التعب الجسدي الذي تنتهي صلاحيته رويداً رويداً، كما هو حال أي جسم مادي آلي أو ميكانيكي، ينتهي عمره الفني.

وإذا عدت للإنسان الذكر والأنثى أستطيع أن أقول: لا صحة لما يشاع بأن الكهولة ترادف الضعف والمرض والعجز، بل على العكس نشاهد أن هذه المرحلة عند كثير من الناس من أجمل مراحل العمر وأكثرها إنتاجاً وفائدة، وتضفي عليهم سعادة حقيقية، لم يشعروا بها أيام شبابهم أو مراهقتهم، ومما يساعد على ازدهار هذه المرحلة اعتدال الإنسان في شبابه وتنظيمه في العمل والجنس في رجولته وأنوثتها، حيث يجد رصيداً لنفسه من الصحة والعافية التي تعطيه الاستمرار، ليحيا مرحلتي كهولته وشيخوخته كأنجح وأسعد ما يكون.

الجنس أكسير الحياة، فهل ينكر ذلك إلا فاقدوه؟ ومذّاك الزمن الموغل في القدم ذهب الإنسان في رحلة سعيه لإثبات وجوده واستمراره، وكما أسلفت لاكتشاف هذا الأكسير، ورغم ما وصل إليه من إنجازات أبدع فيها، حتى بلغ درجات الإعجاز، إلا أنه لم يجد دواءً يعيد للشيخوخة شبابها، مهما بلغت عمليات التجميل، والرموز المثيرة للرغبة في الاتصال الجنسي تفقد قدراتها بالتدريج أولاً بحكم عمرها الفني، وبسبب الاعتياد والتكرار على وتيرة واحدة لا تبدل فيها، وضرورة إحداث التغيير وتطوير الأداء الجنسي وإحداث المفاجآت المثيرة يمنح طرفي الجنس راحة وتألقاً وحميمية نوعية، إنه يحتاج إلى الجاذبية الثائرة، وحضورها لا يكون إلا بتفعيل أنوثة المرأة وجرأة لطيفة من الرجال، أي عليهما الإدراك بأن الفتنة والجرأة يتفوقان على الضعف المظهري للغة الجسد، مادامت الروح المحببة متوافرة مع ذكاء طبيعي لا اصطناعي والنظر إلى الحياة بأنها ذات قيمة، لأن الحياة بأكملها جنس من حراثة الأرض لحراثة الأنثى، فجميعها تشكل عمليات إيلاج، على سبيل المثال: الدخول في الألبسة والخروج منها، وكذلك الدخول إلى العمل والخروج منه، وإدخال اليد في الجيب والمفتاح في القفل والملعقة في الفم، والأخذ والعطاء والصعود والهبوط حتى النجاح السياسي يصل بحامله إلى مرتبة العاهر الذي يخرج عن المألوف، أي إنه المبدع الذي يجيد إقناع الآخرين بأفكاره، طبعاً العهر لا يعني الزنى ولا الدعارة، فالعهر يعني الإبداع لأنه تمايز.

فكل ما يشكل متعة في هذه الحياة هو عملية جنسية كاملة، وكل ما يفشلها يعني أن هناك خللاً ما في الفكر والجسد، يجب علاجه والبحث عن أسباب حدوثه، فالقلق والخوف والتوتر مما يسمى سن اليأس والشيخوخة أو الفشل الجنسي المبكر أو المتأخر تشكل رهاباً يضعف القدرات الحسية التي بدورها تؤثر في الحياة الجنسية، وفي حب الحياة وفهم وامتلاك رؤى تطوير الفعل الجنسي عبر البحث في مقاييس توءمة الروح مع الشريك والابتعاد عن أفكار الاعتياد، ويكون بخلق تواصل حميمي يشعل الرومانسية، ويلغي أفكار الشهوة المؤقتة، يصلح الكثير من الخلل العمري المسؤول عن ظهور الشك في القدرات الذي يعني بداية نهاية أي شيء، مارسوا الحب في كل شيء، وكونوا عاهرين، أي مبدعين، تصلوا إلى أكسيره.

 د. نبيل طعمة