قوة الأسد

قوة الأسد

افتتاحية الأزمنة

الثلاثاء، ١٧ سبتمبر ٢٠١٩

تجسدت في واقعية حضورها، نتابعها، نجد أنها أخذت شكل مبارزة بين شخص قائد رئيس، وعصرٍ بأسره ممتلئ بالخبث والضغائن والطمع والحقد، زاخر بأعتى أنواع الأسلحة على الصعد السياسية والاقتصادية والدينية والعسكرية والاجتماعية كافة، جمعت ما مرّ في الماضي، وأسقطته على الحاضر بإرادة تدمير المستقبل، وشخوص أسكنتها أشدّ ما وصلت إليه إبداعات الإرهاب، وكان أهمها الإعلام والعنف وشرخ العقائد وتجيير الفقهاء لمصالحهم، إضافة إلى المحللين والعلماء والمشاهير، وضخ هائل عن التقاليد الماضية والحديثة والمستحدثة، ومقارنات بين العبودية والحرية، وبين الديمقراطية والديكتاتورية.

 مبارزة هائلة غريبة فريدة عجيبة، من يقدر عليها سوى الرئيس الأسد، الذي قارب في صموده وتقدمه وامتلاكه خيوط اللعبة المعجزة، التي لم تكن فقط في التحدي، بل التقدم في جميع الميادين الممتلئة بالنقع والعجاج والعلم المتاح وغير المتاح.

إنها حقيقة لمعجزة أن يخرج هذا الرجل من كل هذه المعارك التي أذهلت العالم ظافراً ومنتصراً إلى حدٍّ كبير، فاق حدود النجاح بأكثر من الكثير، ولم يبق له إلا القليل أمام مجموع عالمي عتيد، نجده يتراجع، ينكس أسلحته، وينقلب على عقبيه، بعد أن أظهر الخشوع والاعتراف، وبأن الأسد استوعب اللعبة، ولاعب اللاعبين وحقق كما أسلفت الكثير من وعده بالوصول إلى الهدف الأسمى، وهو الوصول إلى حدود الوطن وتطهيره من كل رجس.

 أجل ربح الأسد الموقعة المديدة، التي قاربت السنوات التسع، وعدد تسعة يعني الولادة الجديدة، التي تشير إلى أنها جديدة بكل معاني الكلمة، والنادر حدوثها بين أمم الأرض وعلى جغرافيتها، والكل راح يسأل: ما وسائله وخططه والقوة المستحضرة من جوهره التي مكنته من النصر؟ لنعلم أن صدقه وإخلاصه وأمانته لما يحمله من مسؤوليات أوكلها إليه شعبه، صانها بدقة، وتحدث أن لا مطمع له في سلطة ولا في مال، إن قدره اختاره كقائد لهذه الأمة والدولة، على العكس تماماً من كل المطامع التي يسعى إليها الناس في وطنه أو في غيره، وإنّ أمضى سلاح في يده هو فكره ونظم إدارته وعلاجه للخلل أينما وجد، يفرده لأبناء شعبه بيد خالية من أي مطامع، إضافة إلى سمتين نادرتين تمتعت بهما شخصيته، الصبر كثيراً على ما كان مؤلما،ً والمثابرة في قيادة الدفة للوصول بسورية إلى شاطئ الأمان، فكان معلماً حقيقياً بأن العاقبة بعد أي حرب لمن صبر، وآمن بالعمل، وسار على سبل الحق، لماذا؟ لأنه يقف مع وحدة وأمن واستقرار شعبه وصون وطنه.

نحن السوريين امتلكنا روحاً تاريخية خاصة بنا، وكأن بنا نتوارث جين روح الشرق، فلا يغادر أحد منا، لذلك يرانا الآخر ننبض بقوة وإيمان مستمدين من تلك الروح، قوة تحمل الضغوط، ومهما بلغت قوتها، مستندين إلى روح التاريخ المتراكم بين ذرات جغرافيتنا الضامة بحنان ورقةً لرفات الأنبياء والعظماء والعلماء والأولياء والصالحين، ونحن نستمر من ظلال أشجارهم الوارفة، تحمينا من لظى المؤثرات، وتغذينا ثمارها الطيبة، وتمنحنا القوة، وتلهمنا القدرة على الثبات وتحقيق الانتصار تلو الانتصار، توحدنا حيث لا مثيل لوحدتنا، ومهما اختلفنا يشهد الجمع الخبيث والمحب على إجماعنا، فيكنُّ لنا التقدير والاحترام، حيث لا يمكن لأحد أن يدرك قيمة وقوة وحدة الأرواح الروحية الخالدة، وما تحمله من معانٍ وأفكار وعلوم إنسانية، تنتقل إلينا، تسكن جوهرنا، وهي التي يظهر بها تمايزنا عن المحيط القريب والبعيد، الذي يقر بأن حضورنا مهم، وأننا دولة أنشأها إنسانها، لم تكن يوماً عابرة، ولم يغرب أهلها عنها، وأيضاً لم تنشئها الظروف، بل عمّرها أهلها رغم مرورهم بأعتى الحروب، وتعرض بناهم وأبنائهم للتدمير والقتل والتهجير، إلا أن الإصرار على الحياة واستمرار الوجود ليس له حدود.

قَدرُ هذا الشعب التاريخي أن يتحمّل الغزوات والأزمات بين الحين والآخر، لأن أفكار البناء أكبر من أفكار القتال، فكلما بنى غُزي، فيكون مضطراً إلى القتال، يكافح من أجل الاعتبار، مشكلته أنه لم يستوعب فهم الجانب الروحي للمدنيات، فكان يحيا دائماً صراعات جوهرية، إنه صراع بين الروح والمادة، وبين القلب والعقل.

قوة الرئيس الأسد استندت إلى معارف واقعية وعلوم دقيقة، ليس في تخصّصه الطبي فقط، وإنما في إدارة شؤون البلاد والعباد، لنجده وحده القادر على كشف الغطاء عندما يريد عن كل مرتكب للخطيئة، مهما كان موقعه، وفي لحظات مفصلية إن كان في السياسة، أي علاقاته مع الدول وإداراتها، وإن كان من الداخل، وعلى المحاور كافة؛ وزارات وإدارات عامة وحتى خاصة، وهذا ما نراه يحصل الآن من عمليات إصلاح كبرى، وفي غفلة من جميع المعتقدين بأنهم متمرسون بإبداعات الخداع والمكر، ومتمترسون خلف حجب وتحت أغطية، نجدها ترفع بلمح البصر، ويُعلن جهاراً ونهاراً عن كل أنواع الخلل، داعياً الجميع للانخراط في عمليات الإصلاح بالحسنى أو بغيرها، لأن الوطن هو الأغلى، وإنسانه المكافح فيه هو الأسمى، لذلك نجد السوريين يعولون كثيراً على مسيرته الإصلاحية، ويعدونه كما وعدهم بأن يكونوا إلى جانبه، بل أمامه لمواجهة تحديات ومصاعب المرحلة الراهنة، وأيضاً يؤمنون بما يتحدث حول عملية الإصلاح الاقتصادي ومعيشة الناس، وتوفير الاحتياجات الضرورية قضية رئيسة على جدول أعماله.

إنه يستثمر في نتائج الحرب الظالمة التي وقعت على وطنه وشعبه، ويقدم لهم الفرص المستمرة من أجل استمرارهم، ويدعو إلى المحاكمات الفكرية من أجل فهم العقائد الدينية، يقدم النقد البنّاء، ويسعى لهدم الآراء البائدة مستعيناً بالاستنارة مع دعوته للمتنورين، إنه يزيح الانتهازيين والتقليديين والمتباطئين، ويكافح تجار الحروب والأزمات والعابثين بقوت الشعب وقواه، وهذا حق بيده وبفكره، مادام يمسك بخيوطها، وأثبت ذلك رغم محاولات المغرضين. نسب ذلك إلى قوى خارجية، نعم إنه يكشف الغطاء، ويقدم الصح على الخطأ من مذهبه العقلي، والحلال على الحرام مما يؤمن به، ويمارسه في حركته وسكونه، وأجزم أن السيد الرئيس يؤكد أن المسؤولية ليست توارياً أو اختباء، وإنما ظهور مع عمل حلول للمعضلات، وهي خدمات متبادلة بين المسؤول والمواطن، فالمسؤول هو في الأساس مواطن، وعلى المسؤول أن يخدم نفسه، فتبادل الخدمات واجب وطني ووظيفي وإنساني واجتماعي.

نسب كل شيء إلى نشواته الروحية الجارفة، لذلك تراه يحتاج إلى الأمان، لكون غده مجهولاً، ويحتاج إلى الثقة، لأنه ينقلب عليها، وأهم ما يحتاجه قائد متنور يقوده، وحضر منه هذا القائد الذي أشغل بمتاهات المحيط واختلاطات الداخل، حضر بعلميّته وفلسفته، وأثبت أنه قائد فريد.

لقد أخذ الكل إلى البحث والتقصي، ووصل إلى أيّ قوة فكرية امتلكها هذا الرجل الرئيس؟! الذي يستحق فعلاً أن يُطلق عليه قائدُ هذا الشعب ورمزٌ من رموزه الفضلى، التي حتماً دخلت التاريخ من أوسع أبوابه.

لقد صوّر بأدق أبعاد التصوير وهو يدافع عن شعبه ووطنه الغزو والإرهاب وأدوات القتل، وأوصل بواسل جنوده إلى الفيء الأمين، ووعد من يستشهد بالخلود والعزة، فما عاد يغلبه غالب، لقد احتوى الكل بعباءته الواسعة، وكذلك نجح في دحر وكشف جميع المؤامرات، أعان شعبه ونفسه على الظلم الذي وقع عليهما، فأعانه شرفاء العالم، وظهر له أصدقاؤه من أعدائه، وفوق كل ذلك أعانه الله.

نجح الرئيس ونجحت سورية في تقديم نموذج عالمي، تجلى في عمليات دحر الإرهاب والسيطرة على التدهور الاقتصادي والاجتماعي، وحتى السياسي والأمني، حدث هذا بفضل بناء إستراتيجي دقيق، وتخطيط تكتيكي نوعي، تعامل مع جميع الظروف التي كادت تفقد الوطن والمواطن توازنهما.

 د.نبيل طعمة