تمكين الشباب

تمكين الشباب

افتتاحية الأزمنة

الثلاثاء، ١٠ سبتمبر ٢٠١٩

غدا أكثر من ضرورة، وعلى الدولة أن تتجه إلى وضع الخطط والبرامج التي تستند إلى العلمية الممنهجة، التي تتطلع إليهم على أنهم شركاء إستراتيجيون في بناء الوطن، عبر إشراكهم فعلياً لا وهمياً في عمليات بناء مرافق فكرية ثقافية وسياحية وصناعية وزراعية وتجارية، وتوفير المساحات ضمن المواقع كافة، مع تحقيق المرونة الحيوية التي تساعدهم، وتأخذ بأياديهم القادرة على بناء المستقبل، من خلال الاعتماد على عقولهم وسواعدهم وإبداعهم، وإذا فسحنا المجال لهم من خلال تأمين الفرص وتوجيههم إليها، تصبح رهاناتنا عليهم منطقية وعاقلة، فالذي يتحدث عن الأجيال بأنها ضائعة أو فاقدة الأمل والعمل والنجاح خاسر بكل المقاييس، والسؤال المهم: هل هناك فعلاً أجيال ضائعة؟ أم إنها عبارة عن تعبير نطرحه لحظة فقداننا لنظم إرشادهم، أو افتقارنا لتحليل نتائج الحروب ومخرجاتها من آلام وعذابات واضطرابات نفسية، فأجيال الأزمات والحروب تكبر بسرعة، ويكبر فيها كل شيء منفلت، فإن لم نتفهمهم بروح إيجابية، ونقدم لهم أدوات النجاح، ونطوّر فيهم الشغف والإرادة والطموح وحب الوطن، تكن الخسائر كبيرةً، والتباطؤ البنائي ضعيفاً، فإذا استوعبنا فكرة بناء الأجيال، وذللنا المعوقات من أمامهم، انكشفت لهم السبل التي تسرّع من حركتهم، ولا ضير في اعترافنا بأننا اعتمدنا طرقاً تقليدية عفا عليها الزمن في استثمار وتوظيف الشباب الخريجين وغيرهم، ما أدى إلى فقداننا كثيراً من عناصر التطور والتقدم، وأظهرنا أجيالاً من المحرومين من فرص النجاح، بل أسهمنا في إضعاف الكثير من القدرات والطاقات الخلاقة.

هل امتلكنا طبقة من المديرين المخلصين للوطن والمواطن؟ وهل حقاً لدينا صناعيون أو تجار يبحثون عن عمال مهرة وموظفين إبداعيين أو كفوئين؟ إني أتحدث بهذا لأن الحاجة أصبحت أكثر من ماسة، نظراً لوقوعنا في حروب طاحنة، أخذت الأخضر واليابس، وخلفت أجيالاً باحثة عن الحياة من جديد، ولأننا أسكنا في اعتبارها أنها أجيال ضعيفة، والواقع اليوم يظهر أكثر إلحاحاً لمواكبة العصر وما فيه من تقنيات سريعة، تدعونا لتطوير ما نحمله من أفكار تقليدية.

 لذلك أتحدث: إنّ الشباب أهم منصات إنتاجية إعلامية لخلق بيئات مواتية تؤهلهم ليكونوا أدوات فاعلة في عملية ارتقاء مجتمعنا، أصبح أكثر من ضرورة لإحداث الفارق الإيجابي كي نتجه نحو الأفضل، نظراً إلى ما يحيط بهذا المجتمع من ظروف قاهرة، تحمل أهدافاً رعناء بحق وطننا والمواطن.

كيف بنا ننظر إلى هذا الجيل الذي يعيش بيننا، وإلى الأجيال القادمة؟ وكيف بنا نستعد للخروج من عالم الماضي والحروب المفتعلة إلى عالم المعاصرة؟ وإذا كانت أهداف العولمة جعل العالم أكثر ازدحاماً واحتكاماً لها، وهذا هو بعينه المؤخر للنتائج الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي تضاءلت الفرص أمام أجيال الشباب، ما يعيد إنتاج الأزمات وظهور موجات من العصبيات والعنصريات الطائفية أو الإيديولوجية التي وقودها الشباب، فإن لم ندرك هذه الحقائق ونعد الاعتبار إلى هذه الشرائح يتحرك الانكسار المسكون في جوهر الشباب، ليزيد في المأساة، بدلاً من أن يسهم في علاجها بعد إشراكه فيها.

 أقرأ توجهات السيد الرئيس بشار الأسد إلى السلطات والقيادات الحزبية والنقابية كافة، بأن تنزل وتتحرك بين أفراد المجتمع وتتعرف إلى أحوال البلاد والعباد حقيقةً لا وهماً، لجمع المشكلات والعودة لإيجاد الحلول بالسرعة الممكنة وضمن الظروف المتاحة، وأن يرى المواطنون نتائج المعالجات، فالشعب لم يعد يحتاج إلى بهرجات وخطابات ومحاضرات، إنما إلى أفعال ونتائج تقضي على العبث والفوضى والتذمّر والفساد الذي يسيء للدولة وللمواطن، وهنا تظهر معاني الإستراتيجيات التي تُرسم وقيمة نتائجها.

كيف بنا نعزز الولاء والانتماء؟ أليس بزراعة فكرة الوطن والمواطنة اللتين إن اتحدتا خلقتا مجتمعاً إيجابي السمعة وعزيزاً في الحياة؟ لأن فكرة المواطنة -اجتماعية وسياسية وقانونية- تسهم في تطوير المجتمعات الإنسانية، وترتقي بالدولة إلى مصاف العدل والمساواة والإنصاف، وتولد روح الشفافية في الأجيال، ما يزيد الثقة بالدولة والوطن الذي أساسه الشباب، وعماده تمكينهم من الحياة فيه، وهذا لا يعني الابتعاد عن الأجيال المتقدمة، التي تقدم الخبرة والمشورة بحكم تراكم معرفتها، فالشباب عماد الوطن ومجده ورفعته، وعندما يستقبلهم رئيس البلاد  ويزورهم ويستمع إلى أفكارهم يريد تعميق معارفهم وزيادة حضورهم وتقدير إسهامهم وتحفيزهم على التفاني في أداء الواجبات، وهو في الوقت ذاته يرسل الرسائل إلى جميع الأجيال من الطفولة وحتى الكهولة، فلقاءاته وزياراته ضمن ظروف استثنائية تعني الكثير، أهمها التحضّر لمستقبل ناجح وواعد ولائق، يؤدي إلى اعتزاز المواطن بوطنه، وتعتبر من التكريم الأكثر من مهم، وكلما اهتممنا بالشباب تشكّلَ الفارق الإيجابي لديهم، ليشكلوا الإضافة للدولة في الشكل الحضاري الذي تمثله، ويدفعوا بالصغار للسير على نهجهم، والكبار للانتباه لأنفسهم وأدائهم، لأن الشباب قادرون على تحمّل المسؤولية والثقة بهم، ولذلك نجد أن الجنود البواسل من جيشنا العظيم شباب يؤدون الأمانة باقتدار، ويصنعون تاريخاً مجيداً ناصعاً، ولقاء السيد الرئيس بمواطنيه على اختلاف شرائحهم ومذاهبهم وعقائدهم يظهره بأنه مدرسة في وطن، ووطن في مدرسة، وعندما يوجه الشباب يوجه الجميع، والغاية دائماً من كل هذا تصالح المواطن مع وطنه، وإن حدث خلاف بينهما فلا بدّ لقائد رئيس يمون على الجميع؛ أي على الوطن والمواطن، لأن أي خلاف بينهما يعني الآلام للوطن، وحينما يتألم الوطن يتألم المواطن، فأي توجيه هو حالة إصلاح، والشباب دائماً يجب أن يكونوا بصحة فكرية وجسدية، لأنهم الرابطة الأهم بين المواطنين والفاعلين على أرض الوطن، وكلما عالجنا قضايا الشباب ورسخنا تفاعلهم، نجح الوطن بكامل أبنائه، بعد تزويدهم بقيم التسامح والتفاهم والحوار الخلّاق.

هل برأيكم تجاوزنا الحرب الإرهابية التي أسقطت الكثير من شبابنا وخطفتهم على حين غرّة؟ بينما استمرّ المتابعون منهم في دحر بقايا الإرهاب حتى اللحظة، وإذا دُحر الإرهاب، فهل انتهت الحروب الاقتصادية والاجتماعية وأهمها حروب إصلاح البشر قبل إصلاح الحجر؟ ربما التكتيك أَخّرَ بعض الحروب، لكنه يعمل ضمن إستراتيجية أكثر من دقيقة، لتظهر سورية بأجيالها وبشكل خاص شبابها منتصرةً على الصعد كافة، فآفة الإرهاب وإن أربكت سورية، وربما أخذتها على غفلة، إلا أننا نشهد اليوم كيف تخرج منها، ويبقى العالم بأكثريته يعاني مخلفاتها، واليوم يتم التوجه إلى كل أسرة سورية شابة، أو تمتلك شباباً لتكون مطالبة باستحضار الوعي والانتباه إلى ما يتفاعل معه أبناؤها وتوجيههم للبناء، وحثّهم على النجاح، والدولة مطالبة أيضاً بتوسيع مراكز الوعي والتركيز الإعلامي والثقافي على هذا الجيل، واستمرارها بتطوير بواعث التحفيز عبر فتح ورش عمل تنويرية ذات أبعاد أخلاقية ومناهج علمية، تولّد فيهم أسئلة تبدأ بلماذا، وتتوسطها كيف، وتنهيها بها.

أنا ذا أعمل، أنتج، أشارك، أحب أسرتي ومجتمعي ووطني، وأخلص لهم، وأشارك في تحقيق تنمية وطني، تعالوا جميعنا نستقِ من فكر السيد الرئيس الريادي المتفرّد وما يهدف إليه من أحداث تحولات جديدة، يضيفها إلى مسيرة وطن، وكيف به يتقن صناعة المستقبل، ويحصد الإنجازات التي يريدها للجميع من أبناء وطنه وأمته، فرؤيته ينبغي أن تتحول إلى مصادر للإلهام، وأهدافها إحداث مزيد من التفاعل البناء بين أبناء المجتمع السوري أولاً، والعربي والعالمي ثانياً، وأيضاً ربط المبدعين بشبكة من العلاقات مع أصحاب الفكر الخلاق، والاتجاه إلى الشباب عماد الحاضر والمستقبل، ومن كل ما سرت إليه.

 أرى أننا مكلفون، وهذا يجب أن يكون شرفاً كبيراً وأمانة عظيمة، نحن أبناء سورية المتقدمين نحمل شرف العمل لأجيال الشباب والأخذ بأياديهم إلى الأمام، إلى بناء سورية الوطن والإنسان.

 د. نبيل طعمة