الرجل يشتهي

الرجل يشتهي

افتتاحية الأزمنة

الثلاثاء، ٣٠ يوليو ٢٠١٩

الأنثى أيضاً لها مثل ذلك، فمن ينتهك من؟ تأملات لاذعة تهدف إلى كسر حواجز أنشأتها الذكورة، ولدتها بنات أفكار أنثوية صادقة أو كاذبة، تتلاعب بعدة عناوين، رسمتها الذكورة، وتعلقت بها النساء من قضية المساواة إلى تمكين المرأة وتهيئة وصولها إلى مراتب قيادية من القاعدة إلى القمة، إلى اعتداء الرجال على النساء، أو العبث بأفكارهن، وجرّهن إلى مهاوي الخطيئة، والعكس أيضاً ينطبق على الأنثى حينما تصطاد رجلاً شهوانياً، وتتلاعب به.
 ألا يكمن في مكر المرأة سحرها، محولةً إياه إلى دمية متحركة؟ ورغم أن الشواهد كثيرة إلا أنها تبقى استثناء من القاعدة العامة وأفكارها السائدة، بأن الأنثى تخلق حرة، وتنتهي حريتها فور ظهور معالم أنوثتها، حيث يبدأ التغزل من المنزل والتحرّش في الشارع، إلى المدرسة والجامعة، ومن ثم إلى العمل، ومهما بلغت من شأن فإن الذكورة تلاحقها، لأن الاحتلام الأول يكون بالأنثى، أي أنثى سكنت الذاكرة، والسبب أنها من تصنع لها في اعتقادها كل شيء، ولذلك يحق لها أن تصل إليها بسهولة، أو حتى بصعوبة.
في الميزان العدالة تقتضي أن الذكر مثل الأنثى لحظة أن يجلسا على كفتيه، المشكلة في أن الميزان ذكر، ومن صنعه ذكر، ولذلك نجد أن النظام الذكوري إذا أراد أن ينصفها يفعل ضمن الحدود الدنيا أو بالمصادفة، ربما تغريه بشيء ما من دون أن تدري، فيأخذ بيدها، فالنظام الذكوري ليس نظاماً فردياً أو قطرياً، إنه النظام الديني الخفي والظاهر، وما يظهر اختلافه هو سطوته المتفاوتة الشدة من بلد إلى آخر على المرأة، وهذا تأكيد مريب مهم ظاهر وخفي، على أن الذكورة تشتهي المرأة، وتتحرش بها.
منذ اللحظات الأولى لتفتّح الأنثى، يراها الذكر فيجري خلفها، إن لم يحاول خطفها، يشمّها ويبدأ بإغرائها وإغوائها، إلى أن تستجيب، أو يدعها، ويبحث عن غيرها، وهنا لا أخصّ الذكر فقط، وإنما أيضاً الأنثى التي تحمل في جوهرها سبعة أضعاف شهوة الرجل، ولذلك نراها تتزين وتتجمّل، وتتبختر في مشيتها، تقف أمام مرآتها طويلاً، وهذا جزء مهم من تكوينها، والغاية إبراز مفاتنها، ولو بالحد الأدنى، وهنا أذكركم بأن الذكر لدى جميع الكائنات الحية أجمل من الأنثى، وهو الذي يسعى إليها بقدر ما تغريه، لأنها في النتيجة تشكل له شريكاً شرعياً أو بطرق أخرى، وهنا لابدَّ أن أشير إلى أن ممارسة أي علاقة حميمية تنتج شريكاً إيجابياً، وتنجز مشاعر مختلفة، تؤدي إلى نشاط جسدي ورؤى معنوية دافعة ودافقة للحياة، إلا أن سواد الجنسين لا يدركون ذلك، لتبقى حالات من إفراغ الشهوة التي بني الإنسان بجزأيه عليها، ولو أن أي علاقة ولّدت الحميمية لما شهد كوكبنا الخطيئة، وهنا أدعو الجميع من الذكورة أولاً لإعادة النظر في رؤيتنا لمقاربة أوضاع المرأة وتقويم أنشطتنا تجاهها، وتعزيز جهودنا للتقليل من الفوارق بيننا وبينها، كما أدعو المرأة لفهم أسباب وجودها وامتلاك أسرار تكوينها والانطلاق من جوهرها، لا أن تبقى معتمدة على مظهرها الذي لابدّ أن تغزوه الذكورة، وتستثمر شهواتها فيه، وإذا استجابت تحولت إلى اعتياد، وفقدت معه أي عملية تطور.
هل تتضامن الذكورة مع المرأة؟ وهل تشعر بأن هناك مسافات هائلة من عدم المساواة؟ وهل يقبل المجتمع مساواتها بالرجل حقيقة لا وهماً؟ لأن الجميع يقفز فوق حقوق المرأة رغم الادعاء بأنها نصف المجتمع، وأنها شريكته في صنع قراراته، ولكن أي قرارات وأي مشاركة مادامت مختصة بتحقيق نشوته والإنجاب له مقابل إنصافها، ولو بالحد الأدنى من العدالة ومنحها الأمان، وهذا ما يولّد سؤالاً أعتقد أنه مهمّ: هل تقدر المرأة أن تكون قدوة لأبنائها ولزملائها وللأجيال القادمة، وأن تقلب المعادلة الذكورية بحكم أن كل فتاة بأبيها معجبة.
مازالت مجتمعاتنا تعتقد لحظة القيام بعملية جنسية أن الشيطان يحضر، وفور انتهائها نجدهم يتجهون إلى التطهّر، وكأنهم قاموا بفعل شائن أو نجس، من دون أن يدركوا أنه لولا هذا الفعل لما كانت هناك حياة أو استمرار، ولذلك نجد أن التطهّر في العوالم الأخرى يحدث قبل القيام بفعل الحب، والسبب فعلاً أننا نطلق عليها عملية جنسية، بينما لدى المجتمعات الأخرى نجد أن الله يحضر في اللغة المتبادلة، وينطقون باسمه، لأنه فعل جميل، والله جميل يحب الجمال، وهنا أؤكد وكما ذكرت في مواد سابقة أن الحب هو الذي يوصل إلى النشوة، وهو وحده صاحب الاستمرار، لأن الجنس شهوة ونزوة، لا ديمومة لها، رغم ارتباط هذا الفعل بالقوة، وضرورة الإثارة وممارسته بالشكل المؤثر من الطرفين، كي يؤسس للاستمرار، فهل وصلت الذكورة كما الأنثى إلى مرحلة فهم الحب، الذي يحترم العلاقات والقيم والمبادئ والأسس، وبقي الاثنان ضمن فكرة الجنس وشهوته، والفرق شاسع بين الحب والجنس، وهذا يحتاج إلى قوانين وتشريعات تنظم العلاقات بين الرجل والأنثى في كل المناحي العمرية؛ أي سنّ ما قبل البلوغ، وسن المراهقة الممتلئ بالبلوغ، وسن الشباب والرجولة والأنوثة التائهة بين الزواج والمساكنة، والحب والجنس، وضرورة التفريق بين مهنة الدعارة التي لها ظروفها، وعلاقات الحب المؤقت والدائم والزوجية، التي لم نصل أيضاً إلى عمق غاياتها، فهل هي عقد نكاح؟ أم عهد وميثاق وإيجاد نظم دقيقة لعمليات التحرش والوعود المخادعة من أجل الوصول إلى الجنس، لا إلى الحب؟
على الرغم من مطالب الأنثى، إلا أنها تحبّ التحرش اللطيف، ومهما بلغت من العمر، فإن كلمات الإطراء تغريها وتشعرها بوجودها، وتدفعها للاهتمام أكثر بحركتها وأناقتها، فكلمات الحب والشهوة القادمة من الرجل، التي تقع بين الإعجاب واللمز واللمس غير المباشر تثيرها، وكما تحدثت فإنّ خلاف مقاومتها لكل ذلك يجعلها تعود إلى مرآتها، وتعد نفسها بأن تتطور نحو الأفضل، فلولا الرجل وشهوته لها لفقدت أحاسيسها، ومن ثم لولا وجودها لفقد أيضاً وجوده، وهنا أشير إلى أن سواد النساء يعتبر أنها انتهت لمجرد انقطاع دورتها، بينما عليها أن تدرك أن سنّ إدراك حضورها العقلي والجسدي يبدأ مع تلك اللحظة، فإن استسلمت انتهت حقيقة، وإن وعت زادت جمالاً، ولفتت الرجل وشهواته إليها أكثر.
لا تخون الأنثى إلا إذا قتل الرجل شهوتها نتاج ضعفه أو إخفاقه أمامها، أو إدمانه على نساء غيرها، أو تمردها الدائم عليه، رغم وجود استثناء لدى الطرفين، أي لا يخون الرجل إن قدرت الأنثى على منحه قيمة وقوة الحب، هنا أدعو للمصارحة غير المتوافرة حتى اللحظة في العلاقات بين الذكر والأنثى والأسئلة والحوارات التي يجب أن تتم أثناء القيام بفعل الحب، ما يؤدي إلى زيادة حيويتها ومنحها التدفق والتطور.
هل يقدر الرجل على القيام بكل واجباته الزوجية طوال حياته المقدرة؟ وهل كل رجل تصيبه حالة اشتهاء مختلفة، تأخذ به إلى تجارب جديدة؟ منها ما ينكشف، ومنها ما يذهب معه إلى آخر عمره، وترحل معه، أيضاً الأنثى هل تبقى كذلك؟ وما حال أحلامها وشهواتها عندما يتوقف الرجل أو تكتشف أو تشك بشهواته، هل تغفرها؟ وطلبها أن يقسم إنه لم يخنها.
هل يقدر أي رجل على الاعتراف لزوجته أو لمن يحب، ويفتح صندوق أسراره الأنثوية، والأنثى كذلك؟
أسئلة كثيرة أردت من خلالها الوصول إلى مصارحات، فتوقفت عندها، من أجل تحقيق الوصول إلى الألفة، معادلة الحياة.

د. نبيل طعمة