هل أنت مواطن؟

هل أنت مواطن؟

افتتاحية الأزمنة

الثلاثاء، ١٦ يوليو ٢٠١٩

قل كلمتك الحقة، لا تتحدَّ بها أحداً سوى أعدائك، ولا يتحداك انتهاك، ولا يكذبك مدّعٍ أو منافق أو مراوغ، هل أنت سوري وسورية وطنك وصيغتك وصبغتك؟ هل تحملها بين جنباتك، وتتمثلها لتصبح وتمسي معها كياناً بكل ما فيه من خير وعطاء وبرّ وفرص ومكانة وإمكانات؟ هل لك أن تَهبَّ لنصرتها والدفاع عنها، كما أنت تهبّ للدفاع عن وجودك وأسرتك وبيتك وعملك، حيث يتجسد فيها شرفك وإيمانك وقيمك الحقيقية والواقعية، لا ذاك الموروث المسكون فقط في فكرة الدفاع عن الأنثى، التي مثلت لك الشرف عبر الزمن، أم تدع الأمر للناهب والطامع والدخيل؟

هل أنت مواطن تمشي على أرضك عزيزاً سيّداً؟ أم أنت تابع يأخذ بخطامك الماضي المطلق أو الاستغلال الدنيء؟ هل تستطيع أن تقول لا إذا نيطت كرامتك؟ وأن تقول نعم إذا استباحوا مروءتك؟ هل تقدر أن تُقوّم في بلدك اعوجاجاً، أو تنهنه بغياً، أو تمس القديم العفن بتغيير أو تحوير؟ إذا كنته فأنت مواطن، وإذا لم تكنه فأنت شيء آخر، تنتمي إلى رعوية الراعي، أو فلاحية ناشئة تنتظر مع المنتظرين، وعبودية واقعة نتاج التقوقع على الذات وقبول الإملاءات، هل يستحق من يغش منتجه، أو يخدع بكلامه، أو يتلاعب بموازينه، أو يتلطى خلف مسمّيات، أو يفتي بغير حق، أو يحرّف في القانون والأحكام، أو يستغل منصباً مهما كان نوعه، لقب مواطن؟

هل نخاف على وجودنا؟ ممن؟ من أعدائنا؟ أم نخاف من أنفسنا، لأن بداية النهوض تكمن في المعرفة، وأسباب المعرفة كثيرة وعناصرها متوافرة؟ أليس الظلم من صنع المظلوم، قبل أن يكون من صنع الظالم؟ هل واءمنا بين الحقوق التي يشترك فيها المواطنون وحقوق الدولة وفهم كل واحد ماله وما عليه؟ وهل أدركنا أن الخطر اخترق الفضائل والقيم، وحاصر الآفاق والأخلاق، وجفّف منابع التسامح؟ هل فهمنا معنى الحرية، وأن حرية أي  فرد تنتهي عند حرية الآخر، وحرية الوطن من يحييها ويدعمها؟ ما يدعونا لفهم الحرية الرابطة بين المواطنين والوطن، أي آفة تصيب المواطنين تكن نتاج باطنيتهم السياسية أو الدينية أو الاجتماعية، وكل جهد يبذل للإصلاح إن لم تتم المشاركة فيه من المواطنين فهو جهد ضائع، وكل مواطن تسكنه مرارة النفس، ويحمل مشاعر الريبة، وينام على الجبن والهوس والانقسام، ما هو إلا إطار وهمي لفشل حتمي واقع، لأنه يضم جميع هذه المساوئ، فالذين ينكرون إمكان قيام أخلاق اجتماعية ينكرون قيامة الدولة، وبالتالي يتمتعون بالسلبية القائمة على النفي الدائم التي تضخم الأحداث والمجريات، ومن ثم تنساق فيها، حيث يزعمون أن علاقات المواطنة تخضع للقوة وحدها، لأن ما يتهافت عليه المواطنون من قيم ومبادئ، وما ينبذونه منها يتوقف أولاً وأخيراً على نظراتهم الأخلاقية إلى الحياة، وبمقتضياتها يحددون ما يعتنقونه، وما يستنكرونه، كما أنه من العسير أن تتقرر الكيفية التي يمكن بها ضمان حرية المواطن وصيانتها، لأنها تتقرر نتاج الجمع بين أنواع الحريات وقواسمها المشتركة.

إننا نعيش اليوم حاضراً يعاصر اضطرابات هائلة، ويتفرد بحضوره بسبب طبيعته التسللية واختراقه للأوطان، ما زعزع إلى حدٍّ كبير ثقة المواطنين بأوطانهم، وفرادته تكمن في حجم التبدلات والمتغيرات المفاجئة، وهذا ينطبق في مجرياته على جميع أرجاء العالم، فهل نحن أمام دعوات لمواطنة جديدة ضمن أوضاع جديدة، تفرض على الجميع مواجهة كل ما يجري نتاج انتشار المعرفة، فحينما كنا نجهل أسباب الكوارث الحادثة، اصطناعيةً كانت أم طبيعيةً، كنا نعتقد بإله مطهّر، يستخدم النار أو الفيضانات لإنقاذ الصالحين من البشر في سبيل مستقبل الأرض، اعتقاداً منا بإمكانية الدفاع عنه، ويسمح في الوقت ذاته للمؤيدين له بالبقاء على قيد الحياة، فهل انتقل هذا المفهوم إلى خلفائه على الأرض، الذين أخذوا بالقيام بدور الإله، ويسعون لأخذ الصالحين وإبقاء الطالحين نظراً لتقارب المقارنة؟ وهل هم المختارون الذين يحق لهم أن يختاروا من يستحق البقاء على وجه الأرض؟ ما أدى إلى دفع المواطن إلى التعايش مع الواقع نظراً لاستمرار حدوث الكوارث، ووضعه ضمن دوائر القلق على حياته وأعماله، وأخذ به إلى الشك في قيمة وجوده بالذات، ولنعلم أن أي مواطن لا تضيره الحوادث، إنما الذي يضيره بحق هو تقرير من يدير الحوادث الناشئة معه والمحيطة به.

لقد صار لزاماً علينا نحن المواطنين أن نبحث عن المقومات التي تجعلنا أهلاً للمواطنة، وتأخذ بنا لبناء الشخصية السورية الناضجة، التي تملأ فراغات الوطن، وعلى كل سبله، بدلاً من الانجراف للبحث في الذي نختلف عليه، أي أن ندخل مباشرة إلى عمق المشكلات وإيجاد الحلول المناسبة والمؤهلة لكي نغدو مواطنين فاعلين.

هل نحن السوريين قدمنا من عمق الحياة الإنسانية مع تنوع ثقافي تراكم في جوهر الجميع؟ المواطنون العرب.. أقول نعم نحن جزء منهم، دخلنا عملية تطوّر علمي وفكري خلال حقبة زمنية، واتجهنا إلى فكر العروبة الحضاري، لأن التنوع الذي نحياه يؤمن بذلك، وهو الحل الأفضل للتجانس، لكن الذي حل بجميع العرب اليوم شكل خطراً داهماً على الأقطار العربية وحياتها ومستقبلها، وفقدوا مع ذلك ما وهبوا من رؤية موسى النبي، ومحبة السيد المسيح، وسماحة رسالة الرسول العربي، الذين أسسوا في هذه الأرض أفكاراً واقعية للحياة المستقبلية، ففي تلك الأوقات كانت الإنسانية وثّابة، تنظر إلى الأمام نظرات جريئة صريحة وفاعلة ومؤثرة، أما اليوم فنجدها جامدة خاضعة مجبولة بالوهن، لا تمتلك الأمان، مائلة إلى الوراء، فقدت التعاون والإيثار والتسامح، وذهبت إلى الفتن والغدر والفرقة التي بها تفرقت، وإذا اجتمعت كان شعارها الأنا، فالأول يتحدث أن المتكلم لم يأت بجديد، والثاني لم يكن عميقاً في لغته، والثالث لا يدري عن حقيقة ما يجري، والرابع لم يصل إلى عمق المشكلة، والخامس عاطفي ونرجسي ومتفلسف، والسادس يغطُّ في نومه، والسابع يرتاح على عرشه، هل يقبل المواطن العربي بهذا الغيض في كل ما يفيض عليه؟

ما أخطه اليوم ونحن نخرج من عمق هذه المحنة التي ابتلينا فيها، يجعلني كمواطن أدعوكم لإدراك معنى المواطنة، وألا نتلطى وراء الألقاب، أو نتحصن فوق كراسي أو جدر أو زناد، بل الذهاب للعمل معاً جميعاً، فالذي يحتاجه الوطن هو العمل والإخلاص، إن أردنا أن نخلص مما نحن فيه.

هل أنت مواطن، وطني، سوري، عربي، عروبي، تقدمي، اشتراكي، رأسمالي، متديّن، علماني، علماني مؤمن بأن العلمانية تطور وإبداع؟ أم متدين، سلفي، وسطي، معتدل، متشدد؟ هل حددت هويتك وانتماءك وولاءك أو أداءك؟ أم أنت شيء من كل شيء؟ ولذلك يحق عليك السؤال: هل أنت مواطن؟ وإذا أجبت بنعم، فلمَ لا تنهض وتطوّر ذاتك ثقافياً واجتماعياً، وتصلح ذاتك دينياً وسياسياً، وتعمل بجد فتتحسن ظروفك الاقتصادية؟ إن المواطن الحق لا يؤمن بالتخلف، ولا السكن في حظيرة ممتلئة بالمشكلات، فالمجتمع الوطني يجابه واقعاً ممتلئاً بالمعضلات المتتابعة، التي تفرض على كل مواطن فيه أن يسهم في حلها، لأن كل مشكلة تعتبر تحدياً لوجوده فيه، وعليه أن يجتازها، فإذا تشابه المواطن في سلوكه هذا المسار نجد أن التطور حاصل.

تفكروا أيها الناس أنكم إن لم تدركوا الهوّة بينكم وبين الزمن الذي يتقدمكم كثيراً، فإن مجتمعكم متوقّف، لا بل متدهور إلى الوراء، فإن قدرتم على منعه فأنتم وصلتم إلى نقطة الانطلاق الفعلية، وغدوتم مواطنين.

د. نبيل طعمة