شرق أوسط

شرق أوسط

افتتاحية الأزمنة

الثلاثاء، ٦ يونيو ٢٠١٧

تتناهبه الأمراض والأوبئة، إرهابٌ تطرفٌ استقرارٌ على فوهة بركان، يتزعزع مع كل نفثٍ لدخانه، انتهاكات للحدود والبشر والشجر والحجر، انتشار الفقر والبطالة والرعب والخوف، إن كان من قيامة فإنها قامت به، وإن كان من جهنم فقد تأججت على ترابه، ووقودها الناس والحجارة الفارون منها، ليسوا أفضل حالاً،  فإلى أين؟ إلى جحيم آخر، إذلال وبحار ومخيمات وأوامر يخضع لها كل من غادر، وكل من حاول السطو على أوطانه وإحداث التدمير والخراب فيه، شرق أوسط معقد جداً، الباحثون عن حل عقده مشوشون لدرجة كبيرة نتاج حسابات وتفاعلات خاطئة.
من يحتوي من؟ التاريخ القديم والحديث أريانا أن الدول العظمى التي لم تتغير عبر الحقب تحتاج دائماً إلى تحالفات مع دول صغيرة فيما يتعلق بها، لكنها من الأهمية بمكان تجديد مصادر قوتها واختيار قواها وطاقاتها عبر هذه الحروب وبيع السلاح ورمي الفتن وإحياء دول صغيرة على حساب دول تؤدي إلى متغيرات يمرُّ بها العالم، تعكس دلالات تعني شيئاً واحداً ألا وهو استفتاح زمن جديد بعد حروب باردة وركود اقتصادي جرى في وبين الدول العظمى، وبشكل أدق بين عالم الشمال، أو مجموعة السبع زائد واحد ومنها الخمس الدائمة العضوية، وبين مجموعات في عالم الجنوب؛ أمريكا اللاتينية أو إفريقيا أو جنوب شرق آسيا، ونؤكد أنَّه آن الآن دور الشرق الأوسط الذي ما إن ظهرت منه بارقة حتى سارع الجميع لتدميره، فعوالم الشمال لم تعد تحتمل أي اضطراب سياسي أو أي خلل اقتصادي، لأن أي إخفاق جديد فيه يأخذ بهم إلى كوارث مدمرة، لذلك علينا أن نلاحظ أن إستراتيجية أمريكا، ومن ثمَّ تابعوها الأوروبيون وحتى الروس والصين، نجدهم متعلقين بأهمية الشرق الأوسط، فأي خلل في منظومتهم يتحمل نتائجه عنواننا لماذا؟ لنتفكر.
شرقٌ أوسط حالم، يتجول سكانه تحت وبين سجوف الحروب، يتداولون شعارات يملؤها البؤس وخطابات سياسية عالقة في عنق الزجاجة، لا تعرف الخروج من مآزقها، خضوعات هنا وارتماءات هناك، أفقدت السبل حكمة المسير، فغدت مواقفها لا طبيعية، واعتلى رؤوسها توحّش الطبيعة، لم يعد البناء الإنساني هو الهدف، والتهب عقل المديرين وعملهم الدؤوب تحرك ضمن قسوة الحرب وتوسعتها، تشرذمت الوطنية، وتراجعت التقدمية، حتى أمسكت بالمؤخرة، واندثرت القومية في أتون الحروب على الرغم من محاولات إحيائها، تربعت الشيطنة على المشهد، وغزت الهوية الشخصية والثقافية والملبس والمأكل والمشرب، خان الجميع فكر الإنسانية، واتجه الجميع بغباء لرفع راية التعنصر والتلويح بها، حتى الحياء لم يعد موجوداً، الكل انخرط في جبهات الصراع على الوجود وحقه الوحيد في الظهور، شوفينيات دموية أثمرت عنفاً وجرائم بحق الإنسانية، لم يشهد التاريخ مثيلاً لها، كيف بنا لا نتجه لبناء الروابط وتعزيزها من جديد، هل نحتاج للاصطفاف عبر طوابير نقترع بها على خيار الإنسانية بدلاً من الهمجية، وأن نختار الإيمان ببعضنا، وبأوطاننا، وبضرورات التمسك بكلمة كفى، والاتجاه للبناء والإعمار في الأرض والإنسان، اقتراع نقول فيه: كفانا تديناً، نحن بحاجة ماسة إلى وطن، كفانا عيشاً بين مطرقة التخلف وعبثية الارتماء في أحضان الآخر، نحن نحتاج إلى الحياة لنتجه لصناعة العدالة وتعزيزها والتمسك بها، ولنحارب فساد الفكر المسؤول عن كل أنواع الفساد، فكمُّ المشكلات المنتشرة بيننا هي من صناعتنا، نرميها على الآخر كما نرمي خطايانا على الإله، نحن من زرعنا حقولاً من الألغام الاجتماعية والدينية والسياسية والاقتصادية، وكلما انفجر لغم عزَّز فرقتنا وجيَّش أزماتنا، وطوَّر حذرنا، وشكَّك بإيجاد فرص السلام فيما بيننا؛ بل أكثر من ذلك ومع محيطنا العدو منه والصديق.
شرقٌ أوسط مأزوم لا إلى أن يشاء الله، فالله منه براء؛ أي إلى أن نشاء نحن سكان دوله وإداراتها التي يسودها الغضب والتآمر من بعضها، وعلى بعضها في التفكير جدياً بحل هذه الأزمات المتجسدة في الممارسات الدينية المتخلفة عن مواكبة العصر، والتمترس خلف الأنا الاقتصادية وضعف الانتماء الوطني، فأعداء التحضُّر والتقدم منتشرون بقوة، إضافة إلى رافضي التحرر السياسي المسؤول الرئيس عن كامل أنواع التحرر، الذين مازالوا مصرّين على الانغلاق والعيش على الأطلال بدلاً من المسارعة في تصحيح المسارات، وأهمها تعزيز قيم التسامح والتكامل اللذين يؤديان إلى الأمن الحقيقي والاستقرار النوعي بعد التخطيط لرؤى بعيدة المدى، تضبط الخارجين عن القانون من كل الصعد والمسارات، وتحول المغامرين والمقامرين بمصائر البلاد والعباد إلى فاعلين وعاملين على تعزيز البناء، ومنح التفاؤل للبائسين واليائسين في هذا الشرق الأوسط إلى مؤمنين ومحبين ومثقفين بهذه اللغة التي إن وصلت شعوبه إليها فستلغي منها الادعاءات والمصطلحات والمطالب الواردة تحت مسميات قوى  التسلط وقوى المجتمعات المدنية والديمقراطية والحرية والديكتاتورية والتشدد الديني والإرهاب الطائفي والمذهبي التي لا ضير في مناقشتها وفردها على بسط البحث من أجل الوصول إلى العافية الاقتصادية وتحقيق أبسط قواعد الرخاء للمواطن وإحياء الطبقة الوسطى التي اختفت من مجتمعاته، فظهرت طبقة الأغنياء التي حولت المجتمعات إلى فقرٍ ومنابع للإرهاب بكامل أشكاله وألوانه، فالإرهاب ليس قتلاً واعتداءً ونهباً فقط، إنه شكل وممارسة وكلمة ضاغطة، إنه لحى ومسدسات وإقصاء وتمترس خلف مذهب أو طائفة أو دين، إنه تعصّبٌ قبلي وعشائري وتكديس للمال الفردي، معرقل للتطور، من دون العمل به لمصلحة المجتمع والدولة.
شرق أوسط بلا هوية، بلا هدف متدينٌ ظاهراً، خالٍ من الإيمان جوهراً، باحث بشكل دائم عن أوراق القوة لمواجهة بعضه، يبني طرقاً وممرات للهروب من خوفه وضعفه، ما إن تولد فكرةٌ وطنيةٌ حتى يتم وأدها.
أكفُّ العفاريت هي من تحمل المستقبل للشرق الأوسط الذي لم يهدأ منذ اجتياح المغول والتتار مروراً بالهيمنة العثمانية والانتدابات والاحتلالات للاستعمار القديم والحديث والتحالفات بين هذا وذاك مع الغرب والشرق، كلها لو تفكرنا لمرة واحدة لماذا، ومن أجل ماذا نطلب الحماية، وضد من نتمسك بها؟ ألم يدرك الجميع في هذا الشرق بعدْ أنَّ عليهم تقديم التنازلات، اليهودي المسيحي المسلم، ألم يدرك السني والجعفري والزيدي والأباضي ومن لفَّ لفّهم بأنه كفى تخلفاً، وأنهم مجموعة إنسان مطالبون ببناء الإنسان، وأن من أوجد التقسيمات كانت إرادته فقط بث الفرقة والاقتتال على توافه الأمور، فإلى أين أيها الشرق الأوسط الذي صدّرت الأديان ونشرت تعاليمها السمحة الخيِّرة إلى العالم، وأبقيت فيك الضعف والهوان؟ صدّرت الإيمان بالكليِّ السرمدي، وتمسكت بالشيطان والشيطنة، فلا هو يريد أن يغادرك، ولا أنت عملت على لفظه واستعادة ما صدّرت.

 د. نبيل طعمة