الوطن والحكومة

الوطن والحكومة

افتتاحية الأزمنة

الثلاثاء، ٢٥ أبريل ٢٠١٧

وظيفتها تقويم الحاضر واستشراف المستقبل الذي يبدأ ضمن الأزمات الكبرى والصغرى ومؤشراتها التي ترخي بظلالها على المشهد الاجتماعي قبل أو خلال الإحساس المراقب بأنَّ انفراط عقده قادم، لذلك نجده يحتاج إلى عملية التحول الذكي بعد إنجاز مرتكزات بنيوية تحمل سمات إستراتيجية تشكل محطات ترسم التفاؤل، وتعد بأنها قادرة على تحقيق الإنجازات، ويكون ذلك بترسيخ ثقافات الإبداع وتنوعاته ودعم التطور والتحفيز بالاتجاه إلى الابتكار، وهذا لا يكون إلا بالإسراع في التخلي عن أساليب البيروقراطية، وجعل التحديات الاقتصادية من خلال إحلال مبادئ التنافسية المنطقية وتذليل الصعوبات وإزاحة منطق الأنانية وإبعادها الاتهامات التي ترمى بين هنا وهناك تارة على الظروف الطارئة أو على المواطن وهي التي لديها الصلاحيات الهائلة في الحركة والمسير بعد أن تكون المعطيات الاقتصادية دقيقة وبيد فريق قادر على قراءة الواقع ولديه الإصرار على النجاح وبما أنها تمتلك القدرات فينبغي عليها الاتجاه مباشرة لإحداث التحولات والوصول إليها باستثمار عامل الزمن.
ماهية الحكومة تقوم على الالتزام والامتثال لقيم بناء الدولة، حيث ينبغي أن تكون هذه القيم جوهرية قادرة على خلق الفرص وفرض الهم الأول الذي يطلق العنان للوصول إلى الحدِّ المفيد من معايير النجاح وتدعيمه وحمايته. والهم الثاني هو الانطلاق إلى الأعلى، فيبدأ ظهور ملامح الازدهار الاقتصادي، ومنه يحضر الاستثمار المحلي والمحيطي والدولي، لأنه من دون ذلك لا أحد يتطلع إليه، وعليه نجد أن إنتاج الحلول التقنية واجب على الحكومات المتعاقبة، لا الاكتفاء بتدوير المشكلات والصعوبات، والاعتراف وحده لا يكفي بأن هناك مشكلة، فنحن في سورية مازال لدينا مشكلات كبرى في قطاعات الإدارة والمصارف والبحث التعلمي والعلمي الذي يجب أن يطبق في الإنتاج والنقل والتوزيع الجغرافي للصناعة والزراعة والسياحة والكثافة السكانية وشبكة التعاملات الرقمية؛ أي التعامل مع التكنولوجيا ومرافقة تطوراتها ومواكبتها اللحظية.
حضرت الحكومة ومنحت العديد من الفرص المهمة، ويحق للمواطن أن يسأل عن إنجازاتها وانعكاساتها على حياته الاجتماعية. من ذلك تجدني أفصل بين الحكومة والوطن، لأن الحكومة تذهب، والوطن باقٍ، وهذا ما يدعو لأن يكون العمل لديها جاداً وفعالاً، كي تدخل سجل الإنجاز، وإلا فهي مديرة اتكائية على سابقتها، أو تُجيّر عدمية تحقيق اختراقات إنجازية لقادماتها، ومنه نؤكد أن التاريخ لم يرسم ديمومةً لحكومة في عهود الأباطرة، ولا الملوك، ولا الرئاسات، ما يشير إلى أن ارتباط أي حكومة يكون ليس فقط في الإنجاز، وإنما في انعكاس هذا الإنجاز على حركة الوطن والمواطن، وإذا لم ينعكس يعلو صوت الاثنين معاً منبهين القيادة السياسية، وبشكل خاص الرئاسة، لضرورة إجراء التغيير أو التعديل، لأن الرئاسة هي دائماً الضامن الحقيقي للوطن والمواطن.
هل انتبهت الحكومة للأعداد الهائلة للجمعيات الخيرية التي انتشرت في هذه الأزمة، وانحدار مستويات ثقافة الإيمان بالوطن، وأكثر من ذلك غياب المثقفين الحقيقيين، وتحول الممثلين إلى قادة رأي، وظهور الكثير من التحليل اللاعلمي واللاموضوعي في إعلامنا والتخطيط الإعلامي الذي يحتاج إلى علاج حقيقي لا وهمي أين الإستراتيجية العلمية والعملية في الاتجاه لإنصاف الشهداء وأسرهم والتعامل مع الإصابات التي خلفت مجاميع بشرية كبيرة، منهم الذين ضحوا بأغلى ما يملكون من أعضائهم الجسدية فداءً للوطن؟ رغم صدور قرارات توظيف أسرهم تفيدهم إلى حد ما ولكن؟ هل تدرك الحكومة أن فهم المواطن غدا أسرع من حركتها، وأن السيطرة على عقول مواطنيها لن تتم بتصعيد فرض الضرائب، وحجج أن لا موارد لدى الحكومة، وأنها تدير شؤونها بما لديها؟
هل حددت الحكومة مناهج الالتزام الديني والتربوي، وسعت لتقديم منهج أخلاقي، وأدركت متطلبات العلمانية التي تدعو إلى العمل والإنتاج والمواطنة والإخلاص للوطن من خلال مشروع إعلامي نوعي؟ هل ذهبنا إلى فلسفة الإيمان، وعززنا قيم التسامح بشكل إيماني؟ أم إننا بقينا ضمن المنهج التقليدي، حيث نرى انتشاراً هائلاً للعودة لتحجيب العقل وتغييبه ونشر حجاب الرأس للتغطية عليه؟
سيد الوطن يوافق على كل ما يفيد الوطن، ويعلي من شأنه، طلبت الحكومة تشكيل هيئة استشارية تستعين بمن تراه مناسباً للإدارة التنفيذية ووافق السيد الرئيس من باب الدعم السياسي وبعد أيام أبعدت الحكومة ثلاثة من وزرائها وكذلك أيدت الرئاسة، والغاية الدائمة لديها أن يكون الانتصار للمواطن والوطن، وها هي الحكومة السادسة تحت مظلته الكبيرة التي تظل جميعنا، فماذا يعني هذا؟ وعندما دخل بمهابته طرح مشروعه الدقيق فكراً وعملاً التحديث والتطوير، وهو يؤمن بأن البناء مهما كان جميلاً يجب على مستخدميه أن يكونوا أجمل، لأنهم عندها يمتلكون القدرة على تحديثه وتطويره، يغدون منجزين رغم تعاقب الحكومات، ظل التدوير للمتطلبات الحقيقية بطيئاً، وفاز منها التقليدي والوهمي، إن المحيي والمميت الحقيقي لأيِّ وطن وشعب هو الاقتصاد وآليات إدارته، فإذا فشلت ذهبت به إلى التبعية الاقتصادية التي بدورها تنشئ الأزمات، أو تؤجج ظهورها، وإذا نجحت أخذت به إلى التقدير والاحترام، والشواهد التي حدثت في كثير من الدول ترسم لنا المقاربات، والإدارات الاقتصادية السابقة المغطاة من السلطة التنفيذية والتي اعتمدت على التجربة أضاعت كثيراً من فرص التقدم فهل ننتبه لذلك، وسيد الوطن لا ينشد ذلك، فهل نصل إلى طموحاته التي تحمل معادلة الوطن والمواطن التي من تفاعلاتها تكون الحكومة؟.

د. نبيل طعمة