محنة العرب

محنة العرب

افتتاحية الأزمنة

الثلاثاء، ٤ أبريل ٢٠١٧

نتداولها فيما بيننا، علّنا نصل إلى تحديد مسبباتها المستمرة التي حتى اللحظة تنعكس على أفرادها بشكليها المباشر وغير المباشر، لماذا نحن العرب على هذه الشاكلة دائماً؟ نعزو أسباب خطايانا إلى الغرب، أو إلى الاعتداءات المستمرة على جغرافيتنا، من أقصاها إلى أقصاها، صراعاتنا في حالة سباق تتابعي، لم تتوقف يوماً، حيث تحول عنواننا إلى ظاهرة ثابتة، يشهد عليها المواطن في أقطاره، ويراقبها مستفيداً منها إلى أقصى مدى ذاك الأجنبي المتربص بنا على الدوام، وأيضاً يسأل المواطن العربي هل كان لدينا أيديولوجيا لبناء شخصيتنا، ومن نحاكي بها، وعن تراكم الأفكار، وبدلاً من فسح المجال لظهور المفكرين، أي إننا أمة مازالت تحاكي أفكار الآخرين بدلاً من إنبات أفكار تكون خاصتها، وتحيا على جدلية المفاهيم الدينية وهيمنتها التقليدية، وتبحث في التقليد والهيمنة، من دون امتلاك للواقعية المعيشة، مع امتلائها بالواقعية التاريخية التي تؤدي إلى قيام ثورات تحمل شعارات الجوع والفقر والتحدي، ومحاولات السيطرة من الفعل والفعل المضاد، نعيدها إلى المصدر الذي يكون في تأثير العمل الأجنبي والضغوط الخارجية المغذية لهذه المحنة عبر الأفكار والإغراء السلعي والأسلحة التي من خلالها يتم تقويض أعتى المجتمعات وأكثرها انتظاماً.
لم تقدر الأمة العربية على التخلص من الاعتداء الدائم عليها عسكرياً بشكل مباشر وغير مباشر، وتجارياً حيث الإصرار مازال على الاستيراد ومنظومة الاستهلاك، وبالتالي التقليد التجاري والصناعي.
لم تصل أمتنا إلى مفهوم القومية الاقتصادية التي من أهم مسؤولياتها إنتاج التحرر السياسي القيادي، حيث يعود عليها بالتحرر محدثاً لها الإبداع في مجالي الاقتصاد، ولا إلى لغة العروبة الاجتماعية اللذين يعتبران أسس النهضة الفكرية والعلمية التي ينبغي أن يسمح بها السياسي المؤمن بحاجته الماسة إليها، بكونه يسعى للتطور.
لنعترف أن استناد الأمة العربية إلى الفكر الإسلامي، ومهما حاول ساستها إخفاء مرتكزها الرئيس المتجلي بهذا الفكر ورغم سعيهم لإظهار مدنية إسلامية واقعية، تجد نفسها أنها ارتمت في فكره التاريخي القائم على الرحم والجسم، فإن لم يتحول إلى القيمة الإنسانية التي تؤسس لقيامة المجتمعات المدنية من خلال تطوير لغة التعبير، لن يكون لدينا السبل التي توصلنا إلى امتلاك العلم الذي يحتاج إلى الفصل بين العالم القديم المغذي الرئيس للفكر الإسلامي، والعالم الحديث المغذي للإنسان بتقنياته، وهنا نجد أن السياسي يمثل العلامة الفارقة بين الكون والإنسان، وبين التعبير والعلم.
يثبت التاريخ الحديث أن الأدلة تشير إلى أن أي سياسي علماني، وإلا فإنه ديني، ساسة الغرب والشرق ارتقوا إلى مستويات السياسة، وسواد ساسة العرب حملوا في جوهرهم العلمانية فكراً وتطبيقاً فردياً، ولبسوا لبوس الدين خوفاً من رفضهم اجتماعياً. حللوا معي الواقع العربي الذي يمتلك مئات ألوف الأئمة، ويمثلون قادة رأي مهمين في المجتمع، بينما يمكن إحصاء المفكرين العرب الذين لا يتجاوزون أصابع اليدين وتأثيرهم الضعيف في مجتمعاتهم، من حيث إنهم متقوقعون على أنفسهم نخبوياً، ومراقبون من ساستهم؛ أي قيمة التوافق أو عدمه حتى اللحظة. لم نجد مفكراً أو مثقفاً قدر على استنهاض الأمة، أو حتى مجتمعه في قطره، أو مدينته، أو قدم رؤية لأمته.
محنة العرب.. حاول البعث العربي السوري إحياء الأمة العربية مادياً والأخذ بها معنوياً، ومازال، لإخراجها مما هي فيه، وكذا فعل «ناصري» عبد الناصر بحمله القومية العربية، قاوم الإسلاموفوبيا بكل قوة، لكن ما الذي حصل؟ تآمر العرب على الوحدة عام 1958، وحدث الانفصال وتآمروا مرة ثانية على البعث، وكان منه اليمين واليسار 1966، لكيلا تلتقي دمشق وبغداد حاملتا لواء العروبة والإيمان العلمي بمنطق الأمة المستقبلي والتسامح الديني، تآمروا على عبد الناصر بغاية إنهاء المشروع القومي، فظهر حافظ الأسد الذي حمل لواءي البعث والقومية، تآمروا عليه من خلال الفكر الإسلاموي ذاته، وتآمروا بحكم خوفهم من الانتصار الفكري والعلمي على محنة العرب. رحل حافظ الأسد بعنفوانه ومهابته، وخلفه بشار الأسد بكبريائه وعلميته النادرة وثوريته الفكرية المبهرة، فعادوا للتآمر، وبالوسيلة الإسلاموية، وهابية إخوانية عثمانية قديمة جديدة، هل يعقل ألا يكون هناك ذكاء عربي نوعي يدرك معاني محنة الأمة؟ نقول: نعم هناك منه الكثير، لكنه ممنوع من الظهور، وحينما ظهر، تآمرت محنة العقل العربي على بيرقها وشعاعها وعمود إيمانها الإسلامي الذي لم يؤمنوا به يوماً، لأن إيمان دمشق الشام إيمان علمي وعملي، وجد ليثبت أعمدة السماء التي حاولوا أن يسقطوها، كي يبقى عماهم وجهالتهم، إنهم لا ينشدون الخلاص، وللأسف حتى في القطرية من الأمة التي نحياها نحن السوريين، هناك من يمتلك، بل يعتنق فكرة المحنة، يتعلق بها، لا يريد الخروج منها.
محنة العرب أنهم يحملون حلماً واحداً، يسكن عقولهم وهو الدولة الدينية، وليعلم الجميع أن هذا الحلم عززه وزرعه وغرزه في عقولهم عالم الشمال، لأنه يحتاج إلى تخلفهم، فإن تطوروا ملكوا زمام أمورهم، وهو ممنوع، لم يدرك العرب أنهم مشروع قام من عقل عالم الشمال برمته غرباً وشرقاً، وعندما أتى من يوقظهم منه تآمروا مجتمعين ومتفرقين عليه، لأنهم يقتاتون على موائد محنتهم، كيف يحدث هذا؟ لأنهم يدركون أنَّ مفهوم العرب يعني مفهوم أمة، قبلوا وتقبلوا القسمة بين بعضهم، وكأن بهم يقتسمون الغنائم من حيث ثقافتهم القائمة على الغزو والغنائم، ورغم تأثر الساسة والمفكرين والمثقفين بالأزمات الكبرى والصغرى التي ألمت بهم ومحاولات الفكر العربي الانتفاض على الواقع، إلا أن عدم فهم أنَّ منظومة التحرر السياسي أولاً تؤدي إلى التراجع التاريخي بدلاً من استئناف التاريخ نظراً لتسارع الأحداث من النقطة التي توقفوا عندها، أو من بين ركام الأزمات العاصفة بهم، من كل ذلك نجدهم في حالة جدل عقيم دائم حول أبسط القضايا، ما يشير عليهم بالتأخر الفكري، اختلاف بنوده اجتماعياً وعلمياً إنتاجياً واقتصادياً تجارياً ومالياً.
وأستطيع أن أشير إلى أنَّ الوعي الإسلامي الماضوي مازال أكبر من وعي البعث المادي، ومن الفكر القومي العروبي، ومن العروبة، كيف ننجز مشروعاً نهضوياً؟ الفكر العربي قادر حقيقة وواقعاً شرط إحداث التحرر السياسي، ولا ضير أن تدعو دمشق سريعاً لالتئام المفكرين العرب والانطلاق من اللحظة التاريخية التي نحن عليها والممتلئة بمحن العرب.   

د. نبيل طعمة