لا مساواة مع المرأة

لا مساواة مع المرأة

افتتاحية الأزمنة

الثلاثاء، ١٤ مارس ٢٠١٧

مؤكدٌ أنها تخدع نفسها حين تحاول كسر الحواجز التي أوجدتها أمام الرجل، وتنسبها إليه بحكم السلطات الذكورية الهائلة التي منحته إياها هي بذاتها، وبما أن مسيرة كفاحها كانت على الدوام أقل بكثير من كفاءتها الفكرية، فهي باقية تلهث خلفه، لا تحيد عن التمتع بظلاله، مهما بلغت من ضعف أو سوء، طبعاً أقصد الظلال، فلا الشرائع السماوية أنصفتها، ولا القوانين الوضعية منحتها سيادتها، لأن من صاغ كل ذلك ليست هي، بل هو، مذ أن وجدت نبتة من الأرض إلى جانبه، وكانت أيضاً معه جسداً واحداً بوجهين، إلى أن شطرا من الصانع، وحدث التقابل، ومن ثمَّ التداخل. أم هبطت من الجنان لتنساب الحياة، وبعدها عمل الرجل على تطورك وقد رافقه في ذلك، وأنك وصلت لأوضاع مميزة، تجاوزت كثيراً مما سبق، إلا أنه لا يزال ضمن رحلتك الشاقة التي لا تنتهي.
ينقصك الكثير، ففي الكنيسة أنت جسد الرجل، وهو رأسك، وفي المسجد للذكر ضعفا ما لكِ، ولم يذكر التاريخ أن امرأةً غدت رسولاً أو نبياً على الرغم من أنك نصف الحياة، ومن دونك لا يجبر الواحد، ولا يظهر البنيان، المساواة تحتاج إلى قرارات جريئة ومهمة، وخاصة في الشأن الاقتصادي، خاصتك من يصيغها لك، لأنك لن تكوني رجلاً، وليس كذلك الرجل، لن يكون أنثى من باب الشكل الفيزيولوجي والبيولوجي، وحاجتك للرجل تتشابه مع التاريخ، لأنه ذكر أيضاً، وهو الذي اختص بصناعة العهر وتدوينه بكونه عاهراً أزلياً.
تأملي ما وصلت إليه مواقعك، وابتسمي حينما تنادين في المساواة، لأن المساء وحده يدلك أنَّ لا مساواة، حيث تتساوى فيه جميع النساء؛ أمهات وعاشقات وعاهرات وصبايا، حنان وعواطف وآلام المخاض والإرضاع والعمل، ومهام المنازل وعلاقتها مع الجنس والخدمات، إضافة إلى العصمة الممنوحة له.
من يصنع لها القرار السياسي؟ من يقدر على تطوير الخطاب الديني الذي صاغ ضعفها؟ من ينصفها اجتماعياً؟ من يضع لها البرامج الإصلاحية؟ من يعترف بأن حقوقها مهدورة؟ من يمكن المرأة ويوصلها إلى مكانتها التي تستحق؟ ما الكيفية المقنعة التي تدفع بالرجل لرفع وصايته عنها والكف عن خداعها الذي يقول فيه إنه أوصلها إلى مصاف المهام السياسية والاقتصادية والقانونية والإدارية والاجتماعية، ولكن يتجاهل النسبة التي لا تشكل حتى اللحظة عالمياً من ثلاث إلى خمس في المئة ضمن حدها الأقصى من حجم القيادات والإدارات والإبداعات العلمية والعمارة البشرية؟
لنعترف ونؤمن بأن الذكورة تقود الأنوثة، تخطط لها، تقدمها، تؤخرها، وهو لا يسمح لها بتجاوز خطوطه الحمراء، إنه يقدمها ويرفعها، يؤيدها ويقصيها، من دون القدرة الكامنة في جوهرها على صناعة مصيرها، الحب وحده يصنع المساواة، ولكن لماذا؟ نسأل: هل لأنها رمز للرومانسية وأحلامها وتخيلاتها، وأنها لا يمكن أن تمتلك مواصفات الرجل؟ أم لأن عواطفها محكومة من دموعها وأحقادها، كما هو حال أن حنانها مبالغ فيها إلى درجة توافر حدود نجاحها ودرجات وصولها إلى نواصي روح مكانها التي نسجت عنها أروع قصص تاريخها وعلاقتها معه، لونا ونانا وعشتار آلهة الشرق، وأفروديت وأثينا وفينوس حكمت الكونية قبل انسياب الديانات السماوية، وانهارت بعدها لمصلحة الذكورة التي حرقتها في معملها في أميركا عام 1908، عندما طالبت بحقوقها، نجده عاد ليقيم لها عيداً عالمياً في الثامن من آذار، اعترف بعدها بأمومتها في يوم 21 آذار، وصنع لها عيداً لكونها أمه التي ولدت نصف الحياة، وربت نصفه الثاني، فلولاها لما كان عالماً وقائداً ومخترعاً وجندياً وعاملاً ورئيساً، بقيت رغم اختراقاتها لمواقعه خلفه خلاقةً ودودةً وحالمةً، إرادتها أن تصل إلى مصاف الحضور، لكنه يقف أمامها رغم تقديمه لها (السيدات أولاً).
إنَّ واقع المرأة رغم تضحياتها التي لا حدود لها يرتبط دائماً بالفوارق البيولوجية، والتمايز الذي يحيط بها، مازال يؤثر في قدراتها، ومن ثمَّ يؤخر وصولها إلى حقوقها.
لا ينبغي أن نحتفل بيوم المرأة العالمي لمجرد الاحتفال، وأن تقود الذكورة هذا اليوم، وإنما يجب أن يكون هناك مساحة للبحوث تجري فيها بغاية انتزاع شرعيتها من الذكورة السياسية والدينية والاقتصادية، وحمايتها من العنف والاغتصاب واستثمارها في ظروف الدعارة وأفلام المجون وعروض الأزياء وطلب جمالها لا فكرها، ومشاركتها في قيادة شؤونها ودفاعها بذاتها عن حقوقها. لذلك أجد أنه من المعيب الاستمرار في التحدث عن حقوق المرأة تحت سلطة الذكورة فقط في يوميها اللذين ذكرتهما، فتقدم إليها بشعارات طنانة وبراقة، لأنها هي التي يجب أن تتحدث وتقود حضورها على مدار الأيام، وأن نظرية المساواة بين الرجل وبينها قضية تحمل وَجْهَيْ المضحك المبكي، بسبب قوانين الإشراف، وأن من ينفق يشرف.
إنها مستعبدة مثل الآلة في عالم الشمال، ومسحوقة في عالم الجنوب، ومنتهكة في عالمنا العربي، رغم أنها حمولة وصبورة وخجولة في مجتمعاتنا العربية، وربما وصلت إلى بعض من مواقع المسؤولية، إلا أنها مازالت لا تثق بالرجل، ومهما قدم لها تسكنها الغيرة والخوف منه وعليه، لماذا؟ لأنها لا تشعر بالأمان، قلقة حتى وإن قدَّم لها الاعتراف، وهو في الوقت ذاته إن ولاها يَهبْ أن تحكمه، أو أن تقوده، وصحيح أن «وراء كل رجل عظيم امرأة»، إلا أنها قد تدفعه إلى الهاوية في لحظة، فهي القادرة على إنهائه رغم أنها أمه وأخته وزوجته وعشيقته ورفيقة دربه وأمُّ أبنائه وحافظة أركانه وساترة عيوبه وفاضحة أسراره.
في اللغة الإلهية اصطفى منهن واحدة (مريم البتول)، وقال: «إنَّ كيدهن عظيم»، فهي التي أغوته وأغرته، اكتشفت ذكورته، وقدمت له أبناءها من نزواته أو من إرادته في التكوين، قدمتهم للحياة والبناء والتضحية دفاعاً عن الأرض والوطن، خسرتهم، بكت وتألمت بعد أن رعت وحافظت على وجودهم، خسرتهم في الحروب وفي ميادين الحياة، «ابنها وأبوها وأخوها وزوجها وعمّها وخالها»، كلهم قدمتهم على مذبح الحياة، وبقيت وحدها تتلوى في فراشها ووحدتها، تنشد رجلاً يعود إليها، يحميها، يقويها وهي في ضعفها، والضعيفة في قوتها.
إنها المرأة لا تُجمع في أجناس اللغة، ولا يحق لها أن تَجمع في سريرها أكثر من رجل، بينما الرجل يُجمع (رجال) ويَجمع ما لذ وطاب له من النساء، مثنى وثلاث ورباع، إضافة إلى ملكة الأيمان، كيف تكون المساواة، كل عام وأنتِ لست نصف الحياة، بل أنت الحياة!!.

د. نبيل طعمة