أساطير وتماثيل

أساطير وتماثيل

افتتاحية الأزمنة

الثلاثاء، ٢٥ أكتوبر ٢٠١٦

تتناول حضورها الحياة البوهيمية مع معتقدات زائفة وتحركات واهية للأشباح، آلهة في الأوحال، سحر وشعوذة عرافين وعرافات تسكن قصور الملوك والرؤساء، شياطين تجثو عند أقدامهم، ما هي إلا أدوات تتحرك بين الناس، تسكن المعابد وهيامات البحث عن الحب المفقود الموجود في القبل الكاذبة، لأن الصادق منها يحرك المشاعر، وأكثر من ذلك يلهبها، وتؤدي إلى حدوث النشوة، عوالم من الكراهية، تسأل عن المخلص، تنتظر ارتداءه لكفنه المحفوظ في الفاتيكان منذ قيامته، جمعيات سرية ومحافل تصنع فيها رموز العبادات، وتقسم الأديان، عناوين تأخذ بنا للتأمل والتفكر في آليات النشاط البشري ومنجزاته وثوراته التي بدأها مع قيامة العالم الجديد المدونة على الدولار 1776، وما تلاها من ثورات صناعية واجتماعية، وتكوين جمهوريات، وذوبان ممالك، واختفاء أمم، وظهور بدائل منها، وصناعة تماثيل، من تمثال أمريكا الذي يطلق عليه تمثال الحرية، صنعه بارتولودي الفرنسي في فرنسا مواليد 1844- 1904، وقدمه هدية لأمريكا في 28 تشرين الأول 1886، وتمثال سبع بلفور بمناسبة حرب 1870 للنحات دالو الفرنسي المولود في باريس 1838، وصولاً إلى تمثال انتصار الجمهورية الفرنسية المستوحى من فلسفة لويس الرابع عشر، وتمثال الثائرين المنتصب أمام مقبرة العظماء في باريس للنحات ديبوا 1829-1905 وبرج غوستاف إيفل 1889، وقوس النصر للمهندس شالغران 1836، تنتصب جميعها أمام عجائب الدنيا السبع، وتقف عليها المستحيلات الثلاثة؛ الغول والعنقاء والخل الوفي، وإيمان الناس بين كل ذلك بوجود الأشباح، يتناقلون روايات لم يجد العقل البشري لها تفسيراً معقولاً، فالتي صبرت على فقر زوجها يزورها بعد وفاته، ويعطيها رقم ورقة يانصيب في نومها، تذهب إلى بائع اليانصيب بعد أن تستذكر الرقم، وتشتري الورقة، وتربح المليون دولار، يعود إليها في منامها وصحوها قائلاً: ها قد أغنيتك بعد صبرك على فقري. وبعضهم يحضر أبناؤهم أو أهلوهم الموتى في لحظة اليقظة، ويتحدثون معهم، ومن ثمَّ يختفون، والذي أسكن عقول البشرية وشبه الإنسان الجبان بالنعامة التي تخفي رأسها في الرمال، وفي الحقيقة إنها على غير ذلك أبداً، ولم تفعلها طوال حياتها، لأنها إن فزعت ولت هاربة من دون أن تجد وقتاً لإخفاء رأسها في الرمال، وقصة سرقة الجرذ للبيض، وتصوير تلك العملية على أنها ميكانيكية ورياضية، حيث يحتضن البيضة، ويقلب على ظهره، ويحضر الجرذان معه، يسحبونه من ذيله، هذه القصة التي كتبها لافونتين 1678 لإقناع الناس بذكاء الحيوان، وثارت حينها ثائرة الناس عليه. وأيضا أساطير بول الضباع على الفرائس، بمن فيها الإنسان، فيغدو تابعاً لها، يفعل به ما يشاء, والثعابين وسيطرة نظرها على طرائدها، والشرب من بطون الجمال حين نفاد الماء من المسافرين عبر الصحارى، ومن عبادة الأصنام وتحويل الناس إلى عبادة الإله الواحد، وكيفية جعل الوثنيين يؤمنون، حيث كان المؤمنون يقومون بسرقة الإلهة الوثنية ورميها في الحفر والأوحال، يستفيق عابدوها، يبحثون عنها، يعيدونها إلى أماكنها بعد أن يقوموا بغسلها وتعطيرها من جديد، وبعد عدة مرات، سأل المؤمنون الوثنيين من يفعل بإلهتكم هكذا؟ لماذا لا تعطونها أسلحة تدافع بها عن وجودها وعنكم، قلدوا أوثانهم الأسلحة ليجدوها أيضاً في الأوحال، وعندما أدركوا أنها لا تنفع ولا تضر، اتجهوا بالكلي صاحب الحياة.
في العصور الوسطى وحتى الزمن الذي ليس ببعيد عنا، نرى بعض الدول تقدم الحيوانات الدابة والحشرات والطيور للمحاكم، وتسجل محاكم فرنسا مئات الأحكام ضد بعض الحيوانات، مازالت محفوظة في سجلات المحاكم الفرنسية بين 1120 و 1740م في المدن أو الحقول، وهناك أيضاً محاكم للموتى، فلا يدفن الميت قبل أن يقوم ذووه بسداد ما عليه من دين ووعود وعهود، من خلال ما خطته يداه، وذاكرة دمشق تحفظ حتى اللحظة زقاق المحكمة الذي كانت تجري فيه محاكمة الموتى، وخلف القصر العدلي في شارع النصر محكمة الكلاب إبان الانتداب الفرنسي.
كان لا بد أن أذكر بعضاً من التعريفات المنطقية، حيث إن الواجب عمل لمصلحتنا، فقط نتوقع من الآخر تأديته من أجلنا، أما الفكاهة فهي مفارقة، نضحك لها بشروط أن تكون وقعت لغيرنا.
وفي تعريفي للزواج أقول: إنه دليل على حاجة الرجل لشخص يمسك بزمامه، والشجاعة صفة يتحلى بها بعض الناس أمام من هم أضعف منهم، ويطرحونها عنهم إزاء من هم أقوى منهم. أما الأنانية فهي رذيلة تتهم الذين يجنون ثمارهم من تعب الآخرين، والخطابة اسم مستعار للتنويم المغناطيسي، والشرطة هيئة لولاها لأصبحت اللصوصية عملاً مشروعاً.
أما القبور فهي الأمكنة الوحيدة التي تكون أبوابها من الأعلى، تغلق ولا تفتح من الداخل. والشاعر رجل يمتلك آلاف البيوت في عقله، بين شفاهه، وعلى الورق، ويسكن بالأجرة.
الفنان الحق يقول لن أكون ملكاً، لأن الحياة خلقتني فناناً، وإذا ضعف الإيمان بذلك، فإن الفن كفيل بإنزال الفكرة الفنية من الإله إليّ، فالفن العظيم ينجزه فنان عظيم، يؤدي إلى حبٍّ عظيم، وهذا ما تحتاج فهمه مجتمعاتنا العربية.
سُئل مايكل أنجلو: لماذا لا تتزوج؟ فكان جوابه إنني متزوج منذ زمن بعيد، زوجتي هي الفن، وقد أنجبنا معاً عدداً وفيراً من الأطفال، وأطفالنا ها هم منتشرون صوراً وتماثيل ولوحات.
كان إمبراطور اليابان يجمع قواته عند كل حرب، يسعى لخوضها، يستشيرهم حول الإقدام عليها، ومن ثمَّ يلاعبهم بقطعة نقد معدنية، يجمع معهم أنها إذا أتت على شكل "الطرة" فإنهم ذاهبون إليها ومنتصرون، وإذا أتت على "النقش" يكتفون بالدفاع وعدم الإقدام، وكان في كل مرة تأتي (طرة)، مات الإمبراطور، واعتلى الحكم أحد قواده، بحث عن القطعة المعدنية، ليتبسَّم بعد أن شاهد أن طرفي القطعة المعدنية (طرة)، هكذا كان يفعل القادة الكبار مستندين إلى الدهاء والأساطير.
طبعاً انتهت الأساطير وأخيلة الوهم، وغدا العالم بحكم انتشار وسائط الاتصال واتساع العقل أكثر عنفاً وأقل إبداعاً، على الرغم من اتساع الكون، وتحول العالم إلى قرية صغيرة، الكل يتصل من دون رهبة، والجميع يسأل إلى أين نحن ذاهبون، أفكار منتقاة من جمع ولمع، غايتي تحريض الذاكرة.
د. نبيل طعمة