الوقت الضائع

الوقت الضائع

افتتاحية الأزمنة

الثلاثاء، ٢٠ سبتمبر ٢٠١٦

كيفية مروره، ومن يستثمر فيه، والذات السورية جريحة، تنزف على كل ساحاتها، التآمر القريب والبعيد، عربي، تركي، أوروأمريكي صهيوني مستمر، ولكن يسأل الجميع إلى متى؟ إلى أين؟ الجميع يتلاعب، أو يتفرج، أو يصب الزيت على النار، والغاية تمرير الوقت، لا شيء قادماً من اللاعبين الرئيسين، لأنها في النتيجة لعبة مصالح كبرى، الصغار إما أدوات متحركة تنفذ الأوامر بدقة، وإما أدوات متفرقة تنتظر التصفيق لمن يستبيح، أو لمن الغلبة، الكل يدرك أن للحياة إلهاً واحداً، وللعالم قطباً واحداً اسمه حتى الآن أمريكا. طبعاً الكل لا يسعى إلى تغييره؛ بل ينتظر ما سيحصل لديه كي يتغير على شاكلته، أو يسير تحت أجنحته، هي نظريته الجديدة التي بدأت مع قيامته، وهذا القطب المنشغل بفضائح السباق للرئاسة الآن بين كلينتون الديمقراطية وترامب الجمهوري، تظهر حجم الخوف العالمي من قدوم أحدهما الذي بدأ يتضح بقوة، وعليه يكون أن على جميع العالم أن ينتظر إلى من ستؤول، بينما الارتجاجات في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا بين الكوريتين، وفي أمريكا اللاتينية مستمرة، تنتظر التوقيت، ولكن أهمها ومركزها ما يجري في سورية، المقايضات واضحة وجلية، سورية بين أوكرانيا واليمن والعراق وليبيا والمقاومة القومية والعربية بين السعودي والإيراني والتركي تحت مظلتي الروسي والأمريكي،  قضايا الحدود ووحدة الأراضي والكانتونات السورية وأفكار التقسيم الكاملة الصحيحة والمريضة، القوية والضعيفة، المفيدة والديمقراطية، الكردية، الإسلامية الوهابية، الداعشية أفكار الطائفية ورسم الخرائط  جميعها على طاولات البحث، والكل يستثمر فيها صراعاته أحلامه واستعراض عضلاته، تحالف دولي تحت شعارات محاربة الإرهاب أو مكافحته، ما هي إلا غايات هدفها تدمير سورية والدول السائرة في ركاب العلمانية الوطنية والحاملة والحامية للشعارات الثابتة والمتحولة المقاومة والممانعة للهيمنة الصهيوأمريكية على فلسطين والشرق الأوسط، والبحث عن التي تسعى دائماً لإنعاش آمال قيامة الدولة اليهودية وإعادة الهيمنة للسلطنة العثمانية، وحماية الاتفاق النووي الإيراني، وهيمنة آل سعود على القرار الإسلامي الذي يجري البحث عن أسباب سلطته وسعيهم بعد إحساسهم بالخطر المحدق بهم لإنشاء الحروب الدينية بغاية استعادة قدرة السيطرة عليها، بينما الدول العربية والإسلامية غارقة في سباق التعويل على الحضور الأمريكي الجديد، أو الروسي الحديث العهد من دون أن تدرك أن الأخطار محدقة بجميعها، ولن تستثني أحداً منها.
لا أشك ومعي الجميع في أن روسيا باحثة عن إثبات دورها كقوة عظمى إلى جانب أمريكا، وتريد الخروج سريعاً من تحت مظلتها كدولة رأسمالية جديدة بعد انهيار منظومتها الشيوعية والاشتراكية، وفاجأتها الفرصة السورية التي تعاملت معها بحنكة وذكاء، والغاية الاستفادة القصوى منها، والتي لن تتكرر معتبرةً إياها مساحة لاختبار قدراتها، وتجربة فاعليتها، وإثبات سرعة انتشارها، بغاية الحفاظ على مصالحها، وهذا ما قامت به وأدركته إلى حد ما، بينما الصيني وكعادته التاريخية يتمتع بفلسفتي الخبث والدهاء الصامت، يبني قواه بهدوء وعلى طريقة مسير السلحفاة غير آبه، وفي الوقت ذاته يقظ، مستفيداً من حالات الصراع بين القوى العظمى، يتسلل إلى الدول والمدن والبلدان بهدوء وصمت، ولا يبدي رأياً إلا في اللحظات التي تكاد تحرج وجوده، الأمم المتحدة ومجلس أمنها لا حول لهما ولا قوة أمام الهيمنة القوية من الأمريكي أولاً والروسي ثانياً، ليفقدا مصداقيتهما في قيادة مسؤولية الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين والانكفاء الكلي إلى درجة التدخل فقط في إحصاء القتلى والجرحى والمساعدات الإنسانية، مآسٍ أممية مروعة ومرعبة، تظهر عمليات التواطؤ التي لم تعد بعيدة عن أعين البشرية، تقوم بها الدول الكبرى التي فقدت كامل المعايير والمقاييس الإنسانية، وجميعها تكيل بمكاييل مصالحها، فلا شيء ثابتاً لدى الدول الخمس الدائمة العضوية، وكل شيء متحرك وخاضع للمقايضة، وكل الاتفاقات الدولية لا ضمان لها، دوليةً كانت أم حتى وطنية، الكل منخرط في عملية التحدي الفاضح القائم بين الشرق والغرب، هذا التحدي الذي زاد من احتقان الشعوب، ما أدى إلى حضور العنف وتطوره السريع والشعور العام لدى شعوب العالم الثالث بالعنصرية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ناهيك عن العصا الغليظة التي تتحكم بها القوى العظمى، فإذا كان العرب المسلمون منبع العنف كما اتهمهم الغرب، فإنهم في حقيقة الأمر ضحاياه أرادوا لهم أن يكونوا على هذه الصورة أو صوروهم كذلك.
هل نستفيق من غفواتنا، وننتبه لهذه التلاعبات الجارية والتي نطلق عليها الوقت الضائع؟ الغرب والشرق ليس لديه وقت ضائع، إنما يريد إبقاءنا في هذه المساحة وهذا التوهان.
لا أريد من خلال اختيار عنواني إحلال الإحباط الفكري، وإنما غايتي تكمن في استنهاض الوعي الغافي على الأطلال، وأن هناك مستجدات متسارعة تحتاج إلى الحركة السريعة، لا السكون، فالزمن ثابت، ونحن المتحركون، هو يسجل حركتنا لا يتوقف أبداً مع سكوننا، انظروا وتأملوا في ساعاتكم أياً كان نوعها، يدوية جدارية، رقمية، عقربية، هي ترينا أين نحن صرنا، لا أكثر ولا أقل، فهل لديها وقت ضائع، مؤكد لا، إنما نحن من نضيع الوقت، ونتوقف أو نمسك به بقوة، أو بضعف، وطبعاً نحن العرب ضعفنا أكبر بكثير من قوتنا، لذلك يستطيع الآخر أن يتلاعب بوقتنا وزمننا على اعتبار أننا نمتلك مساحات كبرى ضائعة، نطلق عليها انتظار ما ستؤول إليه الأحوال.
أيها العرب لعب الغرب علينا، وتلاعب بنا من خلال الوقت الذي لم ندرك حتى اللحظة أهميته، فهل نتدارك ذلك، والوقت وقت سوري، أرادوا تدميره وجعله ضائعاً، فهل تعون ما عملتم، وما أنجزتم بحق حضارة واقعية لا وهمية، ووقت مهم أضعتموه من دون أن تعوا قيمته. نحن السوريين جوهر الأمة العربية والإسلامية، لم نتعنصر، ولم نكن يوماً نحن السوريين عنصريين، إنما هي حقيقة الواقع بأزمانه الثلاثة، ولم يكن لدينا وقت ضائع، لذلك ترونا ندافع، نهاجم، نقاتل بفدائية وإيمان بأن العروبة منبعنا، والأديان نسجت من جوهرنا، والأنبياء تأملوا تعلموا من حقيقة وجودنا، والهيكل بناه أبناؤنا على شاكلة أجسادنا، والله أقسم بأغلظ الأيمان بتيننا وزيتوننا، فأين أنتم من كل هذا؟.

د. نبيل طعمة