الصراع على الحرب

الصراع على الحرب

افتتاحية الأزمنة

السبت، ١٠ أكتوبر ٢٠١٥

في سورية كمركز مشعٍّ ومحرك مهم ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، أراد سواد العالم أن يخلخله، وبشكل خاص بين القوى العظمى المتوزعة بين الشرق والغرب، بين من يريد ومن لا يريد، بين الاستعمار القديم الحديث، واللا استعمار المنتظم ضمن مجموعة البريكس، بين سورية كدولة مستقلة نامية باحثة عن التطور والتنمية، بقصد وضع قدم على طريق التقدم، وبين الأدوات المحيطة بما فيها الكيان الصهيوني، المنفذة لرؤى الأورو أميركي بقصد منع حضورها وإيقاف صعودها وتدمير صمودها، هذه الأدوات التي لطالما فَصَلت سورية بينها؛ أي بين العربي والعربي الخليجي والصهيوني الإسرائيلي والتركي الذي لبس لبوس الحمل، وسرعان ما خلعه ناشباً مخالبه ليس فقط في جسدها، وإنما في أجساد العديد من جمهوريات الوطن العربي، هل يُفرح العرب تدمير سورية وليبيا واليمن وتونس؟ هل يُفرح العرب إضعاف مصر وتقسيم السودان وزعزعة استقرار الجزائر، بعد أن شاهدوا تدمير العراق وتقسيمه وتغذية الصراع بين تنوعه، إذا سورية تكشف عن أن العرب التاريخيين الأصلاء ليسوا في الخليج السعودي القطري الذي كان خليجاً عربياً إيرانياً، أرادت السعودية أن تهيمن عليه بدعم الأورو أميركي الصهيوني، وأيضاً تعود سورية إلى فرز شعوب الخليج السعودي القطري عن أمرائه وملوكه وشيوخه وأرقامه وأوراقه، وأيضاً تعمل على ذلك بين الشعب التركي وسلاطينه الجدد وولاته المستحدثين.
تصمد سورية، تقاوم مستعينة بشرفاء العرب والعالم والدول المؤيدة لوجودها الأخلاقي، مثل روسيا التي تمنع بدخولها حلول المشروع الطائفي، بكونها لا طائفية ولا استعمارية، وتقف معها الصين، هذه الدول اللا استعمارية رغم استمرار كفاحها لتحقيق حالة الإنصاف العالمي وقتالها المرير مع الإرهاب رغم استمرار الأدوات في تسعير أتون الحرب فيها، ومحاولات مَدّ أمدها إلى أقصى مدى، أدى إلى رفع منظومة الصراع إلى الأعلى، وظهور انقسام عالمي قائم بالفعل، أحدثه ثبات الدولة السورية ضمن ما أطلق عليه مشروع الربيع العربي الدموي، والذي اعتقد من ذكرناهم بأنه حاصل وواصل إلى نتائجه وأهدافه، إلا أنه ومع تدحرج سنواته، أخذ يتحول إلى قلق مرعد ومرعب، وكأن جمر الحرب العالمية الثالثة تهب رياحها على رماده، والذي أخذ بالالتهاب مع دخول الرمز الروسي ووقوفه إلى جانب الشموخ السوري مع منظومته الشرقية ضد الإرهاب وداعميه ومديريه، نعم الكثرة عملت على بدء هذه الحرب وتطور الصراع، حيث تدلنا الأيام من الموغلة في القدم إلى حاضرنا، علمتنا وأعلمتنا أن أي قضية أو أزمة أو محنة أو حتى حرب، إن لم تكبر وتنفجر، فإنها لن تصغر، وبعدها تجري عمليات اقتلاع جذورها والبحث عن بقاياها، فإن تركت كانت نتائجها عكسية، تحمل درجات من الخطورة أكبر بكثير مما هي عليه، فليكن ذلك، فنحن مع اتساع حضورها، فالكبار يطيرون، يحطون، يتحادثون، يتجادلون، يبدؤون حرباً بقتال أو من دونه، باردة أو ساخنة، الأدوات العربية صغيرة، تتفرج، تنتظر الأوامر، تتهامس، تتابع التآمر، تأتمر بالأوامر، الحرب مستمرة، الضحايا يتساقطون، يتشردون، يلجؤون، يموتون، يحيون، الحق بين الجميع يتألم، والصراع على الحرب في سورية دائر، الكل في النهاية خاسر، الكيان الصهيوني وحده الرابح من تدمير سورية وشرذمة العرب، واستلاب ونهب مال الخليج السعودي بحجة الحماية والدعم اللوجستي الخفي والظاهر، هل أوروبا بعيدة عن هذا الصراع الذي يشاغلها؟ هل أميركا بعيدة عنه عندما تؤججه من أجل مصالحها الاقتصادية وجغرافية عملائها.
إنهم يسعون لتدمير الفكر العربي الحقيقي والخلاق والقومية النهضوية، ومشروع مقاومة الإذلال في سورية وإحلال لغة الطائفية المقيتة، وتدمير التنمية التي كانت سائرة بوتائر عالية، ناسين أو متناسين حجم الخسائر التي ستجتاح جميع الدول العربية من دون استثناء لسنوات عديدة لحصرها، وفهم الذي حصل من خلال تآمر بعضها على كلها، بما فيه ذاتها، خسائر بلا معنى أمام المعنى الضائع من فكرها، والذي يشعرها إن استفاقت بحجم المأساة وعبثية الملهاة التي مارستها من خلال تسريع وتيرة الأحداث في عدد من الدول العربية، وبشكل خاص في سورية، فدعم الإرهاب وتوسيع دوائر وحشيته واستحضار مفاهيم دينية، قدمت مبررات لظهور أدوات قتل وأساليب بدائية، لم تشهدها البشرية، بعيدة كل البعد عن الأخلاق الإيمانية وسماحة الأديان، وظهور أسلحة وتقنيات فتاكة أدى كل ذلك إلى تمدد الإرهاب وتعدد الحروب على مساحته الجغرافية، وانتقالها إلى ما بين الدول العظمى خوفاً من تحوله إليها راغبة لاحقاً في تحوله على أدواتها، وهذا ما سنشهده فيها من خلال علم المنطق التاريخي ونظرية انقلاب السحر على الساحر، وفلسفة بناء الشياطين القائلة: "إن من يربيه عليه أن يحتمل انقضاضه عليه" كما حدث في أفغانستان مع القاعدة ضد السوفييت.
من خلال ارتفاع مستوى التحديات ووصول الصراع على الحرب في سورية بدخول روسيا ومنظومتها فيها أمام كل ما يجري، وكما تحدث سيد الوطن أن لا مجال للانكسار، والتحالف مع الأشقاء والأصدقاء ووضع الخطط للانتصار، حيث عكس كل ذلك الانفلات والضياع يقف رباعي الحرب؛ روسيا، سورية، إيران، المقاومة الإسلامية ومن خلفهم الداعمون لمشروع الانتصار على الإرهاب وقوى الظلام بقوة وإرادة وتصميم ضد كل أولئك الخارجين عن قوانين الطبيعة والأخلاق، متعهدين أولاً بالانتصار لسورية ولأصالة العروبة، وللحق العالمي، لذلك عنونا هذه المادة بالصراع على الحرب في سورية التي فهمنا من تحالفاتها تسريع الخطا بغاية إيقافها وإنهائها بالشكل المنطقي العقلاني المؤمن بحق الوجود للجميع ضمن الانتظام تحت سقف الدولة السورية.
د. نبيل طعمة