اللا معنى أمام المعنى

اللا معنى أمام المعنى

افتتاحية الأزمنة

الأربعاء، ٧ أكتوبر ٢٠١٥

السعيد هو الذي يتعلم تحمل ما لا يمكن تغييره، إلى أن تحصل القدرة على تغييره. أما السعادة فهي الانسجام الشفاف بين الأقوال والأفعال، حيث نجدها في الرضا والقناعة والخلق والإبداع والابتكار، وحينما نسعى إليها، علينا أن نختارها من بين الموجود، بعد أن نقوم بمشاركتهم، وتبادل الود معهم، فهي ليست شيئاً جاهزاً أو معلباً لنقتنيه، إنما هي حصاد تصرفاتنا، وتحضر بشكل دائم عندما يعتلينا التفاؤل، فلماذا لا نتفاءل؟ ولماذا تبتعد عنا السعادة أو نحن نبتعد عنها؟ اللا معنى هو أن يسود الحزن، والمعنى يسكن جوهره، فكيف بنا نطلقه، ونحن وجدنا على ظهر هذه البسيطة الحاملة لمعنى البساطة من أجل أن نكون سعداء؟ لماذا نشقى، أو نجلب من بين مكونات السعادة والشقاء؟ وهل بربكم يوجد كائن من كان لا يريدها؟ لماذا يقف الحزن أمامها، يريد استلابها من العيون، من رعشات الشفاه، وجمال الجباه، ورفّات الجفون؟ لماذا تدفعنا الحياة لمصادقة الذئاب والقطط والكلاب؟ هل اختفى الآخر من جنسنا، من جوانبنا، أمامنا، خلفنا، أوَلم تعلمنا الأيام حمل الفؤوس استعداداً للحظة انقلابها علينا؟ أم إن ابتسام الخونة يفقدنا لذة اكتشافهم، حيث نبدو أمامهم متأخرين، ما الذي يفرحنا؟ ما الذي يسمح للدموع أن تنهمر، وتحفر الأخاديد في تلك الوجنات النضرة؟ ما ماهية المعقول أو اللا معقول؟ ما الفرق بينهما لحظة أن يتساوى الضوء مع الظلام؟ يتحدان من دون تحقيق حلم إنجاب شيء جديد له معنى، نتسابق لتعريفه ووضع عنوان له، يأخذنا للسير تحت مظلته، هيا بنا نبحث في اللا أخلاقي، ولنمضِ في ممارسته ومجونه وخوفه حتى آخر نقطة فيه، طبعاً الغاية أن نستنبط منه الأخلاق المفقودة التي سقطت من جميعنا في هاوية اللا معنى.
العنف البشري استلَّ السعادة من العقل الإنساني، وذهب يقاتل بشراسة البشر إنسانيته المنهوبة من ذاته بفعله البشري، كثير العالم يحيا سعادة الانتظام، ويتمتع بانتظامه الذي أوجد له حياة جميلة وكريمة هادئة. اللا معنى مرعبة، ما أن نتفقدها حتى نجد أن طرفيها الوعي واللا وعي، المعنى واللا معنى، الواقع والخيال، يحييان على أطرافها، الذي يسقط إلى قاعها يتهاوى، يريد الوصول إلى السعادة المصورة في العقل النمطي المؤمن بأنها موجودة في النهاية، وفعل البداية وجد في الأساس من أجل النهاية، من دون التوقف للتأمل بأفعال الحركة المنتجة والمقاتلة للاستسلام وللسكون، للوهم المبتدع ولمبدعيه أمام كينونة العلم المراد الوصول إلى جوهرها، بغاية تجاوز حواف الهاوية التي غدت تهتز من الجهل اللا واعي، الباحث دوماً عن حالة زلزالية تهز جميع المهترئين باللاوعي، وإنبات وعي يؤمن بإبداعات المعنى، يحول الأشياء غير المعرفة إلى معارف تعيدنا إلى فهم عملية التأمل، والغاية منه من حيث إن إتقانه بشكل علمي يستحضر الوحي المسكون فيه، ولنفعل كما فعل الآخرون، حينما تأملوا المتحركات حولهم من الدابات والسابحات والطائرات وحتى الجوامد، فأنجبوا المعنى بعد أن سادهم العقم الفكري، فدمروا اللا معنى المخنث، فأنجبوا السعادة، وأبعدوا الشقاء والأحزان.
قامت الحربان العالميتان الأولى والثانية من أجل تدمير اللا معنى، حيث شهدنا بعدهما ثورات نهضوية، في روسيا السوفييتية أخذت على عاتقها تنظيم البنى التحتية والفوقية، وفي ألمانيا قامت النهضة الصناعية الفتية، وكذلك في اليابان وإيطاليا، حيث أظهرت المجتمعات الصناعية مع البناء الجمالي في البشر والحجر، ومعظمنا يعلم عن الثورة الثقافية الصينية والتحول الهائل في بناها التي علمت البشرية فهم الاشتغال، وإدارة نتائجه، على الرغم من كثافتها البشرية الهائلة، وهكذا نحت الأمم على اختلاف مشاربها وأديانها ومذاهبها وإثنياتها وعقائدها، ليبدو لنا أن ما نمر به ضمن مجتمعاتنا العربية، كان يحتاج إلى ما يحصل، والغاية طبعاً إدراكنا استيعاب ضرورة تدمير اللا معنى المسؤول الأول والأخير عن وقوعنا في دوائر التخلف والتراجع بين الفينة والأخرى، ولنسأل فكرنا الحامل لهذه الفلسفة، كيف بنا نحذفه مما يخزنه، لماذا نورث أجيالنا الحزن المقيم في اللا معنى والتخلف من خلال التمسك بالماضي، من دون السعي للمستقبل، فلحظة أن ننحصر فيه؛ يعني أن القدرة للانتقال للمعنى يبقى ضمن فلسفة الوهم، فنحن نحتاج إلى ثورات فكرية حقيقية للتخلص من الأمية الدينية، والتعاون لإيجاد مرجعية منطقية وعاقلة، تعيد بناء الفكر الديني الاجتماعي الذي يؤسس لمفهوم المواطنة، وأيضاً إلى ثورة في الفكر الجنسي التي تحوله من الشهوانية المفرطة إلى الجمالية النوعية، وإلى ثورة في علوم الإبداع البنائي، وإلى ثورة في مساواة المرأة مع الرجل مساواة واقعية لا وهمية، وإلى ثورة للتخلص من الأنا والاتجاه إلى التراتبية العلمية والعملية في السياسة والاقتصاد والاجتماع والإيمان الحقيقي بها، إلى ثورة في التربية واستعادة الأخلاق التي أجمع الجمع عليها، وبأن بها تبنى الأمم؛ أي بالحكمة والمعرفة والفهم لمعنى أن الحضارة والتحضر يبنيان من الطفولة، فالذي يجري، يجري إلى نهايته؛ أي إن لم نستفد من هذه الفرصة التي نتعايش معها، ونشهد كيف أن عمليات تدمير اللا معنى من كل شيء تجري بين التسارع والبطء، فنعرف أنها عملية مهمة، إن استوعبنا ضرورات المرور بها، ومنه نجد أهمية الإسراع لفهم قيمة المعنى، وإلا فلن يكون لنا معنى؛ أي سنبقى على الهامش، نتبادل مأساة الحزن رغم محاولات إظهار بعض من السعادة التي تبقى بلا معنى، لماذا؟ لأننا لم نذق طعمها، حيث تلك التي حصرتنا في زاويتها، وأغلقت علينا كامل الأبواب والنوافذ، من أجل ماذا؟ ذلك السؤال الذي نبحث عن جواب له.
د.نبيل طعمة