المعجزة والنبوءة

المعجزة والنبوءة

افتتاحية الأزمنة

الأربعاء، ٢٩ يوليو ٢٠١٥

شاء القدر أن تكون أرضنا السورية في ماضيها الواسع مهداً للنبوءات، ومهبطاً للمعجزات، ولم يشأ أن تكون هذه الميزات من أبرام ولوط إلى موسى ويسوع ومحمد، مروراً بإسماعيل وإسحاق ويعقوب وسليمان وداود والخضر، إلا في أرضنا، لم يكن ذلك في الأمريكيتين، أو أوروبا، أو إفريقيا، أو آسيا، باستثناء بوذا العرق الأصفر، هل فكر أحد لماذا؟
بخاتم الأنبياء، انتهت المعجزات، واستمرت الولايات الدينية، والآيات والانتظارات، لعودة المخلصين؛ السيد المسيح، والمهدي المنتظر، إلا أنَّ النبوءات مستمرة، حاول فعلها نوستر أداموس في القرن الخامس عشر، ويحاول أن يفعلها أحد ما الآن، فهل يعقل ذلك؟ أم إن وجود العقل في الأعلى أي اللا مادي المسكون فيه الإله الذي عرف فيه، يحق له ما لا يحق للذي في الأوسط والأسفل، وهنا أقصد عالم الشمال وعالم الجنوب، وهل الفكر ينبغي أن يحمل الحلول والمعجزات والنبوءات من خلالهم؟ أين نحن؟ التطرف يتمدد، فيسهل تقطيع أوصاله، الانكسارات تنتهي، الصعود يظهر حضوره أمام الانحدار، الوجود الحق يتعالى، دم الشهداء لا يهدر، الجرحى منتظرون، النصر دائماً يعلن خسارة الآخر، الموت ينتهي إن كان بالمجان، الانتصار يحتاج إلى دماء الشهداء، ترتوي الأرض، تعلنه، الجرحى شهود عيان، يروون الحقائق من خلال مجريات الأحداث مع مبالغة الافتخار، نحن لا نراهن، إنما نمتلك القناعات بأن الخطورة تنتهي في الواقع الذي نؤمن به بعيداً عن الخيال والأحلام والحقيقة التي لا وجود لها إلا حين وقوع الموت، تساءلنا، لماذا الآن نتحدث عن مفردتين شكلتا عنواناً ما، نسير إليه، ونطمح به إلى إيضاح مفهومي النصر والخسارة الواقعين بين مفردات النجاح والفشل، بين المعجزة والنبوءة المعارك تصنع السياسة والاقتصاد، وتبني مجتمعات نوعية بعد الخلاص من آلامها، البقية الناجحة تتعاطى لغة نوعية، تمتلك آلام الماضي، فتسعى للاستفادة من معارفها التي اكتنزتها مع ما مر فيها ومعها من آلام وأحزان، وانبطاح وانكسار، بانتظار النصر، السياسة لغة تتلاعب بالحبال، لا تلعب عليها، فتكون على تضاد تماماً من المفاهيم السائدة، فلا قناعة جازمة، ولا إيمان مطلقاً في جميع الأشياء، لأنها عنوان للحياة، تصدمك في التقائها، ومن ثم تأخذ بيدك إلى الانفلات.
أين نحن بعيداً عن لغة العداوة التي لم يعرف تاريخنا إلاها حتى اللحظة، والتخوين ومقاصده، والتأييد ومنافعه، والتضاد وخصوماته، يسألنا كل ذلك: عن معنى أن تنتصر، وعن الفخر والافتخار وشعاراته، والخسارة والانكسار، والانهزام والاندحار، والسقوط من الجنان، كي نكون لبعضنا عدواً مبيناً، الإله منتصر، إبليس منتصر تحت مسمى مبدأ الغواية الجاذب للطرف الآخر، الإيمان والكفر مخلوقان من الذات الإلهية، لا ينبغي لأحد سبهما، ففي السبِّ نعت سلبي لذاته العليّة، والأفعال الأرضية في لغة التدين إرادة إنسانية واقعة لا محالة تحت فلسفة النسبية، تدخل المعجزة، تخرق العادات، تتحداها، بفعلها وإقناعها، لتظهر عجز الإنسان، ومهما بلغ من عبقرية ونبوغ تقل له: إنك عاجز عن الإتيان بمثلي، فكيف بنا لا نسأل ذاتنا الموجودة فيها ذاته، والنبوة مع النبوءة تكليف إلهي، يرسله عبر وعي الإنسان المباشر أو غير المباشر، لمن يختاره، فهل هناك من أحد في وقتنا الحالي يتحدث عن معجزات تخصنا، أرسل من قبله، لماذا نربح فننتصر؟ لماذا نخسر فننكسر؟ جوهر الحرب يشير إلى أن الأبطال دائماً يحيون الجنود المنفذين، ينتهون، اللعبة الكونية تشير إلى نجاح الآلهة وفشل الملائكة وموت البشر، على الرغم من أنهم مؤمنون منفذون بالطاعة العمياء، أو بالدفاع عن الوجود الأخلاقي للمكونات الإنسانية بعيداً عن الشعارات أو المصطلحات أو لغة الإغراء البشري، هي هكذا لعبة القدر، أقنعت العامة واستثمرها المديرون، وضحك منها المفكرون.
بعد أربعة أعوام ونيف، وخمسة أعوام وبضعة أشهر من إعلان الحرب على الوجود القومي والعربي والإسلامي والسوري والشجر والحجر والبشر، تظهر لغة الانتصار، حتى وإن كانت بطعم الانكسار من باب أن الجميع هزم ذاته، والفرق والفارق هنا الإيمان بالصمود من أجل البقاء، فتوالدت الحلول، وبرقت معجزة ضرورة الاتحاد من أجل مقاومة الإرهاب، وأخذ الاعتذار يجري على سبل تحقيق التوافق والاتفاق، الآن تستدعي الإيمان بعد احترافه ومقارنته بالكفر، كما اخترنا عنواننا، فحينما تتجه إلى الانتصار بإيمان، تنتصر، وتغدو التضحيات مهمة من أجله، أما إن حدث الانكسار الذي لا يؤمن به الإنسان، ولا تؤمن به ثقافة وجوده، يَرقُب الزمن المدون الرئيس للأحداث، لكونه لا يتحرك، بل نحن نتحرك بحسب قراءتنا له، أدركنا يوماً أن الزمن في يدنا ثابت، نحن المتحركون، ندعي عليه زوراً بأنه متحرك، الآن يعترف الآخر بأنه أخطأ بحق الوجود العربي، فتداعى بسرعة لإنقاذ وجوده، والكل المسهم في إنجاز تلك المعارك التي عنت للجميع أنها الحرب الوجودية التي سعى الجميع لإثبات حضوره فيها، وفي النتيجة ظهر الكل خاسراً والرابح الوحيد فيها من ثبت، رغم الخسائر الكبيرة والتضحيات الجسام، إدارة الوقت الثابت تعني حركتنا بحرفية نوعية، وهذا ما قامت به الإرادة والإدارة السورية لحظة فهمها لأهمية ومنظومة ثباته، هل ندرك حجم إنجاز المعارك من أجل الانتصار الذي ينفي الانكسار.
إن نزع النقاب الكثيف الذي تتخفى خلفه قوى متعددة مع أدواتها لغاية التحكم في مصير العالم، وبشكل خاص الشرق الأوسط المتمرد الوحيد عليها، والذي تعتبر سورية فيه أنها صاحبة التمرد الفريد عليها، والخطر الأكبر قادم منها، يمنحنا فرصة حقيقية لفهم آلية الصراع القائم في عالمنا، ومحاولة تقديم المعجزات والنبوءات لنا.
مما تقدم نجد أننا وحدنا القادرون على صناعة المعجزات والمنجزات، وقراءة النبوءات، وحدنا لا غير نحقق الانتصار، والمؤمنون بهذا الوطن سورية وبالمشرق العربي صاحب الشرق الذي تبث إشعاعها عليه.
 د.نبيل طعمة