تقبُّل النقد شجاعة

تقبُّل النقد شجاعة

افتتاحية الأزمنة

الأربعاء، ٢٢ يوليو ٢٠١٥

عنوان اقتبسته من صفحة صديق مسؤول، أبدأ به وأقول: أين نحن؟ سؤال مهم جداً، فإن لم نقاتل من أجل ما نريد، فلا ينبغي لنا أن نحزن على ما نخسره، والذي نريده الانتصار على قوى الشر والإرهاب، وقبل كل ذلك، نتحدث كي لا ننسى الذين ساعدونا عند الشدائد، والذين هجرونا عند حلول المصائب، والذين رموا بنا في أتون الخلاف والحروب والمكائد، دعونا نعتمد على أفكارنا، نستمد منها قيمة وقوة الخلاص من أجل الانتقال نحو الأفضل، فالانتظار مؤلم، والمؤلم أكثر الوقوع بين النسيان والافتكار، فهذا هو التخلف بعينه، لنتفكر بأن الأيام تمضي بسرعة، تأخذ معها الكثير مما يهمنا، والتي كنا نظن أننا لا نستطيع الحياة من دونها، من أجل أن نصنع غيرها، ونتعلق بالقادم الجديد بعيداً عن كل ما نحب، أو ما لا نحب، والمتابع للأحداث شهد التقلبات والمطالبات، وإدارة الأمور، والتألق الماضي، والتكلس والعطالة التي أحدثتها الظروف، وأصابت مفاصل النسبة الأكثر من مجتمعاتنا بالاكتئاب الذي سكن مفاصل حياتنا العملية، بجوانبها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ومنذ فترة قريبة جداً بدأت تظهر طروحات نتابعها على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، تتمثل عبر أسئلة طبعاً منها الإيجابي، ولا يخلو من السلبي، لكن استوقفني سؤال، يتعلق بتقويم الأداء ضمن الأزمة، طبعاً المقصود من لغته المذكورة في ظل هذا العنوان مطالبة الجميع، بأن يبدوا الرأي، وأن يقوموا بتقييم أداء العمل، والمسير والمسار ضمن الأزمة، وحقيقة وفي الاعتراف، بأن سؤالاً كهذا، يُطرح في ظرف استثنائي، اعتبره الجمهور، من الأهمية بمكان، جرأةً وقيمةً وتطوراً فكرياً وعملياً وعلمياً، وأن الغاية منه، كما فهمها الجميع وضع العربة خلف الحصان، والقطار على السكة، وأن يعتلي الخيَّال الحصان، لا أن يعتليه، بدأت الردود تحضر على الصفحات، وكانت بين مادح ومعترض، بين المنطقي واللا منطقي، بين العقلاني الناصح، والخبيث الماكر، بين الوطني واللا وطني، وبدلاً من أن تكون هناك مبادرة تشرح الظروف القاهرة التي يمر بها وطننا الغالي، وما يقوم به سيد الوطن الرئيس القائد وجيشنا الباسل، والصبر المؤلم الذي يتحمله ويتحمله معه الشرفاء في الوطن، كانت هناك ردود، ابتعدت عن أهداف ما يرمي إليه السؤال، لتظهر لغة مختلفة، تتهم أنّ كل من اختلف فكرياً، أو انتقد مسألة، يعتبر مرتبطاً بمشروع هاري ترومان الثقافي بعد الحرب العالمية الثانية، الذي دعا فيه لشراء المفكرين والأدباء والمثقفين والفنانين والمتدينين المهمين من العالم أجمع، لغاية خدمة المشروع الصهيوأميركي، أي إنه عميل لقوى الاستكبار، أو مرتبط مع أجهزتها الاستخبارية، وممول منها، وأنه يجب الحذر منهم، كم كان التمني أن نبدأ حواراً عبر هذا السؤال المهم، وأن نشرح لبعضنا، ما الذي تقوم به إدارات الدولة بالعلمية والثورية، ولا ضير إن اعترفنا بأن هناك أخطاء، ونحن مجموعة إنسان نخطئ ونصيب وهدفنا الكلي السرمدي أي أن نتمثل صفاته ولن نصلها، وأننا بمرحلة مراجعة وتقويم لكل ما جرى لنا، ولكن كان ما كان، فهل نعلم أين نقف الآن؟ وكيف يحدث هذا، ونحن نبحث عن لغة الحوار وإعادة اللحمة، وتقوية وتعزيز المنجز، وتحويل الخيال إلى حقيقة، والأمل إلى واقع، والإنجازات إلى إعجاز؟ هل سألنا أنفسنا ما الذي أوصلنا إلى هنا؟ أما زلنا تحت تأثير لغة التخوين والشك؟ فالشك يؤدي لليقين بتتبع الأثر، بحكم أن الأثر يدل على المسير، وهو حق يمارسه المريد أثناء بحثه عن المفقود، كي يصل إلى الإقناع بعد امتلاكه للقناعة.
أعود إلى ما قبل السؤال المتعلق بمسألة النقد، ومبدأ النقد الذاتي، وطرح الأسئلة والتفكر في الأجوبة القادمة وتحليلها، ومن ثمّ تحضير أجوبة منطقية على الأجوبة السلبية، من باب أن من يطرح السؤال الذي ينبغي أن يتحمل المسؤولية في الإجابة عنه مسؤول، بعد أن نكون متمكنين، ومن ثمَّ لدينا القدرة على تحمل النتائج، ما دمنا مؤمنين بفرضية تقبل النقد جرأة معتبرين المقولة جوهر الجرأة، أم إن هذه مقولة براغماتية غايتها استبيان بفعل ورد فعل، يسعى إلى تعزيز الأنا التي تستند إلى عدم الاعتذار، إلا عند وقوع الخطأ، وعدم الاقتناع أبداً بأنَّ هناك خطأ، فهل هذه الثقافة معممة على درجات الصعود، ينبغي لها أن تسود، ونحن نخوض أشرس معارك البقاء، وإصرارنا أن نكون جميعنا رافضين ألا نكون أو حتى المقارنة فيما بين المفردتين، إنها مسألة عامة، تخصُّ الجميع بعيداً عن الشخصانية الفردية، فوجود أذنين وعينين وشفتين في الوجه المفرد من أجل الاستماع من الطرفين، ورؤية الحدث من زاويتين، والنطق بعد تدقيق لغة الشاهدين، يأخذ بنا إلى مفهوم النقد، ومعنى الجرأة، وتحليل الاتهام، والتمييز بينه وبين غايته، هل هو إصلاح أم توجيه أم تنبيه؟ وبعدها يكون الحكم المنطقي أن من لا يكتفي إلا بمنطقه، تأخذه الحياة إلى حيث لا يريد، كما أنَّ امتلاء العقول بالمعلومات المركبة وغير الصحية، يؤدي بنا إلى فقدان الشجاعة والجرأة والخوض في الرمال المتحركة التي مازلنا ندور حولها، والخوف أن ننزلق إليها، فما حالنا حينها؟
سؤال مهم جداً يجب تعميمه على كل دوائرنا الإدارية والإنتاجية، وأكثر من ذلك، ليتحول إلى حالة وطنية تخص كل فرد، يسأل بها ذاته، لغاية إصلاح النفس بعد معرفة مكامن الخطأ والصواب، فقاعدة بناء الأوطان، تستند إلى أنَّ بناء المواطن فكرياً وجسدياً، يعني بناء مجتمع منطقي عاقل وسليم، وأن يجري في هذا الوطن تبادل لسؤال كهذا، مع التمتع بفكرة تقبل النقد له من الأهمية بمكان، ما دمنا نتجه إلى إعادة البناء، وبه يبدأ إعمار الإنسان الجديد الذي يتقدم بإصرار على أنقاض الماضي، وكما بدأت من دون نسيان الأسباب التي أدت إلى وصولنا إلى ما نحن عليه، كي تكون محفزاً دائماً لعدم تكرار الحدث، ومن أجل أن نصل إلى المستقبل، بأسرع ما يكون.
د.نبيل طعمة