العيش والحياة

العيش والحياة

افتتاحية الأزمنة

السبت، ٢٧ يونيو ٢٠١٥

حيث اكتشفنا أنّ وجودنا يختبئ تحت مظلتيهما، ومازلنا مستمرين من دون التفكير في البحث عن مفاهيمها التي نسعى لامتلاكها، قبل أن نختطف من بينهما،من دون إرادة منا، لكن إصرار الإرادة على متابعة الحياة الواسعة، والتي لا حدود ولا نهاية مقدرة لها، إنما لنا تحت مسمى رحلة العمر إلى فضاءات ومساحات ومنعطفات، ترينا ماكنا نحلم به، ومالا نحلم، ترمينا من وسط الأنثى، من رحمها إلى الحضيض، وتأخذ بنا منه إلى مسيرتها، لنرقب في رحلة مرورنا عليها الغث والسمين، وأكثر من ذلك، قد نتحول فنتشابه مع أحدهما، أو كليهما، نلتقي الراقي والخسيس، ونتعامل مع الغني والفقير، والسياسي والفقيه، نعمل كل ما كان علينا عمله، الصح والخطأ، الفضيلة والرذيلة، المجون والفنون، العقل والجنون، نتعلق بالحكمة وفلسفتها، وننجز القوى من ضعفنا، وقوة الماديات المتوافرة في محيطنا، من الأفعال البسيطة والمركبة، نكتب، نقرأ، نغدو متعلمين، أو نبقى أميين، من باب نؤمن، أولا نؤمن بما يردنا، ويقع بين أيدينا، وتحت خط بصرنا الكثير من الأشياء التي حملت ما لا يتشابه مع الآخر المنجز منها،  تلهمنا الخواطر شعراً، فننثرها،نقفّيها بعد أن ننظمها، نتعلم معها الإمساك بقلم الحياة والعيش، حيث بينهما تقع لغة، نتحادث معها السياسة عما نرتب، ونحلل من رؤاها، ونحن مستمرون، تشاغلنا الحياة في التقدم إلى الأمام على سبلها التي لا ندري مساحة بقائنا عليها، يستوقفنا العيش من خلال الجوع والعطش لكل شيء، ومعه نشعر بأحزان الوجود، وبمتعة المتابعة، لأننا نمتلك شيئاً متزامناً بين تلافيف العقل والأفئدة التي تحدثنا دائماً، فتعملان كمرشدٍ، يخطئ أحدهما، ويصيب الآخر، نتكئ، نسعى مسرعين مهرولين، نبطئ، نتوه أحياناً بينهما، إلى أن نلتقي أحدهما، يرسم ابتسامة على شفتي البقاء، يحزننا، يشقينا، يظهر ذلك في علم الأحوال، يرتسم على وجوهنا أفراحاً وأتراحاً.
العيش لهاث ركيك وضعيف، يتمسك بمفردة الصراع على البقاء، وجري حثيث خلف الرغيف، هدفه فردي، فكره الأنا، ومن بعدي الطوفان، والحياة واسعة لا حدود لها، ممتلئة بالحب والجمال والشوق والحنين والتأمل والإبداع، العيش يتمسك بصورة الإله، والحياة تؤمن بجوهره، فتدرك قيمة وجوده كمظلة جامعة، على عكس العيش المفرق، ما الذي نمتلكه من خلال الشعور بالخوف من الموت، فيدعونا للقتل والجريمة،من دون الولوج إلى مفهوم الحياة، بعده تأتي لحظة اعتراف، لنلتقي بوجودنا متحدين بواقعية المشهد المتطور أمامنا، حين استعراض ورائنا، نجمعها  فيهاتفنا من حيث لا ندري، شيء ما مجهول من الماضي أو من المستقبل، نجري معه الحوار الدائم ضمن حاضرنا، الذي لا يمكن لكائن من كان، أن يعلم عنه شيئاً،لكونه متغيراً لحظياً، يقول لنا: تحيون حياتكم كما شئتم ورغبتم، تتكون معكم لغة مُرَكَّبة، تقودونها بمسؤولية، وتقودكم لحظة أن تفقدوا السيطرة عليها، لكننا نعترف أنها كانت جميلة أو بائسة، نحمل في طياتها خراباً وعماراً، جمالاً وإبداعاً، وجميعها حتى اللحظة التي وصلت إليها، تسكن فلسفة تكوين الأشياء غير المعرفة، والغاية دائماً وأبداً الوصول إلى تعريفها.
البقاء معها يكون للأكثر صخباً، المتجول دائماً بين حافة الهاوية، والحافة الحرجة، وحافة العيش، ومساحة هائلة من العمل الممتلئ بالأمل، وببراءة الأحلام وخبثها،والمعنية بنظم البقاء المسروق من مفردة الرحيل، حيث لا انتظار، بل نظام المسير الخفي المسكون في أعماق وجودنا، وبين طوايا الجسد والروح السائرين أبداً كمتلازمتين، إذا التقيتا والتحمتا أحدثتا الشفافية، أما إن ظلتا على ما هما تنافرتا، وكانتا على مسافة واحدة من الدهاء والكذب، اللذين يؤديان لتطور مفهوم التضاد، وعدم إظهار الأشياء، وبالتالي يصل حاملها إلى مرحلة الانتفاء من الوجود، رغم إحساسه بأنه موجود، ووقوعه بين خيارات الانتحار السياسي، أو الاقتصادي، أو الاجتماعي، أو الديني، حيث مفردات المحاور، تتجول بين تلافيف الفكر، ونبض الفؤاد، أي انتهاء الحضور من المحيط والبقاء مشوهاً في نظره ونظر الآخرين؛ كيف بنا نكون قادرين على رؤية جنسنا البشري، بإنسانيتنا، وما ماهية الهوة بين بشريتنا وإنسانيتنا؟ ما منطق الاعتراف بالجهود المتفاوتة، وبثها في روح العمل والوجود بعملية الواقع وانتظار الذهاب إلى المستقبل بعيداً عن العواطف المتفاوتة، والدموع الفياضة، وقصور الرؤية الثقافية الإبداعية، دعونا نتفق على أننا نريد الحياة الجميلة الواسعة والعريضة، نريد البقاء من أجل جميعنا، وأن نسعى إليها، حيث فيها اكتمالنا، نطور إنسانيتنا القادمة، من أنسنا الذي نأنس بعضنا به، ولتكن فلسفة العيش وسيلة الوصول إلى الحياة لا سببها.
د. نبيل طعمة