الاستقرار

الاستقرار

افتتاحية الأزمنة

الثلاثاء، ٦ فبراير ٢٠١٨

يدعونا إلى بناء آليات جديدة، تفكك الذكاء الاجتماعي، وتسرّع في البحث وصولاً إلى امتلاك قدرات الذكاء الاصطناعي. كيف بنا نوائم بينهما، وما الغاية من بحث ظروفهما السائدة بين الأمم؟

إنَّ أهمية ما نتحدث عنه هو أنَّ تضاد عنواننا منتشرٌ بشكل مريع ضمن مجتمعاتنا العربية المستندة إلى اتكاليات مذهلة على الروحي المتواكل على الإله، وأجزم عدم مخالفة الفاعلين المتنورين في حركة بناء إنساننا، ومنه أجد أن سواد عوالمنا يناهض الذكاء العلمي العلماني، فهذه العوالم مستعدة دائماً للانقضاض على كل أنواع الحرية والديمقراطية، وبدلاً من أن تتمتع لغتنا بحركة المسير الأفقية التي تظهرنا كعموديين، إلا أنَّ إصرارها على أنَّ هذه العمودية تبغي الوصول إلى السماء، لا إلى الآخر، أو محاولة التقاط الموجود حولنا والتفاعل معه.

هل كل شيء في مجتمعاتنا العربية بشكل خاص على ما يرام؟ أعتقد لا، لأننا مازلنا نعتبر إنساننا بكل أشكاله وأطيافه ضمن مدنه وأريافه، كالشجرة في الغابة، لها ألف نظير، ولم نقدر على فرز مجتمعاتنا وتطوير فكرنا، فكنا كما الأشجار متشابهين ونظراء بعضنا، ولم نؤمن يوماً بأن لكل شجرة لونها ودورها وعطاءها؛ بل آمنا بأنها تشكل في مجموعها غابةً، بدلاً من تشكيل إبداع يحتاجه الجميع، وهكذا نحن اعتبرنا وجودنا غابة، نسطو على بعضنا، ونحمي أنفسنا من بعضنا، ومازلنا نؤمن بأنَّ المال والجنس والطعام والشراب أهداف الحياة، ولم نؤمن بعد بأن وجود الإنسان حقيقة غير مقيدة بزمان أو بمكان، وأنه الأقدر على تحقيق المعجزات، وأنه الخلاق الذي لا يركن إلى يأس، ولا يتسرب إلى عزيمته وهن، وأنَّ بقدرته البقاء دائم الجد وصانع المجد، وأنَّ سعيه لتحقيق الإنجازات يشكل له السعادة الخالدة.

لم نؤمن بأنه قوة جبارة وطاقة هائلة، وقادر على تغيير معالم الكون ضمن مساحة عمرية قصيرة. لذلك أجدني معكم أقول: كم نحن بحاجة ماسة إلى الجهد المنظم والصبر العلمي المعرفي، ولسنا بحاجة إلى التجميل أو تمييع الأمور المهمة والابتذال الرخيص، فإذا تحول القيّمون على الشؤون إلى مسؤولين حقيقيين أمام الأجيال، واتجهنا إلى بناء الذكاء الاصطناعي، نكون قد خطونا نحو صنَّاع الاحترام، وإن سخطنا عمن سبقنا، ولم ندرك حقيقة ما نحن عليه، فستأتي أجيال لتسخط علينا، فكل جيل يبحث عمّا خلَّفه الذي سبقه.

دعونا نبحرْ في إنجازات الذكاء الاصطناعي الذي هيَّأ وجنَّد له المفكرون البنى التحتية، فظهر منه العلماء الذين أسسوا لنهوض علمي مبهر، قدم للحراك البشري ميزات وفوائد هائلة، شجعت الأجيال المتحركة كمتواليات هندسية شديدة الترابط على الاستمرار في تقديم الأفضل، ووصولها إلى عزوم إبداع فكري مذهل، يتوافق مع حركتها، ما أدى لتحكمها بالذكاء الاجتماعي القائم على ثنائية الروح والفرد، ما شكَّل نهوضاً حاكى المعرفة بقوة والمهارات التحليلية للأحياء واستخدامه في العمليات اللوجستية المكشوفة منها والسرية، على الرغم من حصول الجدل الفلسفي حول طبيعة العقل البشري، وقيامه بتوليد الأفكار التي تغني الحياة، وتدعو للتمسك بالإنتاج لها.

زمننا السلبي الذي نحن فيه تفوق على الذين مضوا، فكيف سيتفوق القادمون بعدنا؟ الواقع يشير لنا بالتوجه لإنتاج وتطوير الذكاء الاصطناعي، وتوفير الظروف والمناخات للوصول إليه، وهذا لا يحدث إلا بعد الوصول للإيمان بالعلم ومقتضياته، وتوفير أدوات وأفراد مميزين، يجري البحث عنهم أو تحضيرهم والأخذ بيدهم أو حرفهم عما هم عليه لمصلحة التطور، من باب امتلاكهم لجينات خاصة أو مواهب نادرة، تكون عشوائية، تستحضر ويجري عليها عمليات الصقل والتهذيب والتشذيب، والهدف يكمن في تحويل البصر إلى بصيرة، والفكرة إلى منتج، والمنتج إلى فوائد، تساعد البشرية على الحياة وتوفير الراحة، ولنلاحظ أن أي منتج قادم من إبداعات الذكاء الاصطناعي، لا ينتمي إلى أي دين، أو مذهب، أو عقيدة، أو أيديولوجيا، كالطائرة والسيارة والإبرة والخيط والحاسب والهاتف، وأيضاً مثل الدبابة والقذيفة والأسلحة التي لا تسأل عن نوعية الإنسان، أو ما يحمله فكره، إنما الهدف يكون جنسيته المتحركة على جغرافيته التي تخطئ في مسارها أو إحداث قيامتها.

إنَّ ما أقصده من عنواننا، أننا وحتى اللحظة محاصرون ضمن لغتنا الفردية والأنانية التي لا تتقبل إلا تشبّهها بالربّ، ولذلك نجد أن لدينا ربَّ منزل، وربَّ أسرة، وربَّ عمل، وتتعلق هذه الألقاب بالإبعاد والإقصاء والحرمان والخضوع للأمر والنهي، وعندها نصل إلى مفهوم المقدس الإحياء والإماتة؛ أي أنا أحيي وأميت، كما هو فعل سلطة الإله في اللامادي، نجد أنَّ المادي يتمسك بالعلمي العلماني، ويستند إلى فلسفة القانون التي يحكم بها تحت مظلة رب الأرباب في الأفعال والتكريم والإبداع والإنتاج، أي إن المحاسبة قانونية وتقويمية، تستند إلى قواعد الملموس والمنظور والمتابع، كيف بنا نحول هذا الذكاء الذي نعتبره مؤسساتياً عملياتياً، ونعممه بعد أن نبعد الاجتماعي المسؤول عن خلق وإيجاد مساحات للصراع على كل شيء، يبدأ من الذكاء العاطفي، وينتهي بالذكاء العلمي وما بينهما المشكلة الحاصلة القادمة من منعكسات الذكاء العاطفي والروحي المشكلين الرئيسين للاجتماعي، الذي تتملكه الفردية لدرجة الإفراط، ما يطور كل أشكال الخلاف والاختلاف، أو الهروب إلى العوالم الأخرى، حيث ينضوي تحت أنظمتها، وهي التي تسمح باستمرار ممارسة مفاهيمه خارج أطر نظمها العلمية.

الذكاء الاصطناعي يرتكز على ثقافة الجمال، ومبادئها الحوار مع كل الأشياء المعرفة وغير المعرفة، لأنه علم تأمل وبحث وتحليل، يتجه إلى التكوين، متعلق بالخلق، ومؤمن بتقديم المبهر والجديد للحركة الإنسانية التي تستحق أن تتمتع بخلق الفكر المادي أمام الخلق الروحي، حيث يظهران مكملين لا منفصلين.

نعم بدأت في هذا الإيضاح، لأنني منتمٍ إلى هذا العالم، وبشكل خاص لجغرافيتي، ولكن كيف أنهي وأنا أدور في فلكهما، وبينهما أبحث عن مخرجات هذا العنوان، وإلى أين أخذ بنا؟ فهل ستتكرر المشاهد بكل ما حملته من قسوة وقهر الحقبة المعيشة؟ والتي أريد منها تعميق التخلف، وإلى ماذا نحتاج لتحقيق ما نصبو إليه، والذي تعلمناه يشير إلى أن كل شيء مرهون بتحقيق الاستقرار السياسي والأمني أولاً، وهو وحده الذي يأخذ بنا للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، والمعادلة واضحة، وهي تقول وتؤكد أن الاستقرار وحده يأخذ بالجميع لتطوير المجتمعات ونمو الذكاء، وتحويله إلى ثقافة ندية، تظهر الإبداع والإنتاج، وتتمسك بالجمال، مع تحويل الصراع إلى حالات بصرية تبصريَّة، تنتشل الذائقة الجمالية من الحضيض، وتظهرها من خلال تفعيل اللغة البصرية.

الاستقرار هدف الفرد والمجتمع والدولة، ويتجسد من خلال كل ما قدمناه وضرورة الانتباه إليه والأخذ به، لأنه يؤدي إلى التوفيق بين المصالح المتعارضة، ولا يسمح بظهور الفوضى، ويتجه بقوة لتحقيق العدالة الواقعية، ويدفع لتماسك مكونات المجتمع، ويزيد في ترابطها، وهذه الأبعاد تؤدي إلى ترابط المجتمع، وتجعله وحدة قوية قادرة على الوقوف في وجه أيّ متغيرات وتقلبات داخلية أو خارجية، كما يزيد أيضاً من قدرات التعامل مع الأزمات الطارئة واستيعاب الصراعات التي يمر بها أو تسقط عليه.

د. نبيل طعمة