أمريكا الإسرائيلية

أمريكا الإسرائيلية

افتتاحية الأزمنة

الثلاثاء، ١ نوفمبر ٢٠١٦

إسرائيل الأمريكية معادلة ركبت أزرارها في عراها بطريقة التعشيق الهندسي، لتختفي تحتها أسرارها منذ رحيل أثرياء اليهود بعد امتصاصهم مالَ أوروبا، وعلى رأسهم أبناء وأحفاد آل روتشيلد، بدءاً من القرن السابع عشر مع آل مورغان وآل روكفلر، وصولاً إلى الحقبة القريبة منا التي بدأت من وعد بلفور 1917 حتى الحرب العالمية الثانية 1939- 1945 وقيام الكيان الصهيوني في فلسطين 1948 الذي مهَّد له أبناء روتشيلد أيضاً منذ القرن الثامن عشر.
المهم إن الرؤساء الأمريكان المعاصرين لبناء الدور الإسرائيلي في الشرق الأوسط، نبحث عنهم من الرئيس هاري ترومان وروزفلت وكيندي ونيكسون وكارتر وريغان وبوش الأب وكلينتون الزوج ومن ثمَّ بوش الابن وأوباما الذي لم يبق له سوى أسابيع في البيت الأبيض، تتساقط تباعاً وبتسارع مذهل أمام المتسابقين كلينتون الزوجة والمقاول ترامب في 8/11/2016.
لماذا أطلقت هذا العنوان والولايات المتحدة الأمريكية القوة الأولى في العالم اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، وتعدادها السكاني يتجاوز الثلاثمئة وستة الملايين، يموت فيها سنوياً مليونان ونصف المليون، وتنجب مليوني طفل، وتستقبل ما لا يقل عن ستمئة ألف مهاجر سنوياً من أصقاع الأرض، منهم من يدخلها سراً أو هجرة، ومنهم من تختارهم من خلال فرقها الجوالة في العالم، تستحضرهم إليها، وتحضرهم ليكونوا عملاء لها في المستقبل، طبعاً تحكمها عائلات قديمة حديثة، هي مستمرة بمن ذكرتهم، لا يتجاوز عددهم خمسة ملايين شخص، هم أثرياؤها القدامى الجدد، موزعون بين ولاياتها الإحدى والخمسين، إضافة إلى ألاسكا وإسرائيل، وإن أقوى حكامها موجودون في تل أبيب، أو يتلقون أوامرهم منها.
لننتبه أنَّ عدد يهود العالم لا يتجاوز في حده الأقصى العشرين مليوناً؛ ستة ملايين في أمريكا، وخمسة ملايين في فلسطين (إسرائيل)، والباقون موزعون في القارات الأربع، إضافة إلى أمريكا اللاتينية، نقدم هذا التحليل وهذه الازدواجية التي لا انفصال لها بسبب القوة المالية الهائلة والإعلامية الضخمة التي يمتلكها اليهود، وكذلك القوة الروحية الدينية التي يستندون إليها في نشر حضورهم السري بين البشرية جمعاء، لذلك نجد أنَّ أسرارهم الدينية مرتبطة بقوتهم المالية، فكان لابدَّ من تحقيق الحلم الروحي الديني التاريخي في فلسطين، والحلم بالسيطرة على العالم اقتصادياً، في أمريكا الأول يحمي الثاني روحياً، والثاني يحمي الأول اقتصادياً وعسكرياً، تابعوا معي جميع الرئاسات الأمريكية، وكلما حضر رئيس يأتي إلى فلسطين ويضع القلنسوة اليهودية (والدفلين) التعويذة التوراتية على جبينه، ويقف أمام حائط المبكى في القدس الشريف، ومن ثمَّ يطلق التعهدات بحماية أمن إسرائيل وتحصين قواها العسكرية ودعمها اقتصادياً وسياسياً، ومهما كلف الثمن، ومع كل سباق انتخابي نجد أن طرفي السباق إلى البيت الأبيض يبذلان الغالي والرخيص، ويقسمان بأغلظ الأيمان أن يحافظا على أمن وقوة إسرائيل، وألا يخالفا طلباتها مهما بلغت، وها هما ترامب وكلينتون يتسابقان في تقديم الوعود تلو الوعود، وبشكل خاص بقاء القدس موحدة وعاصمة أبدية للدولة اليهودية القادمة بقوة في القريب العاجل، وبعد الانتهاء من إضعاف وتفتيت كل الدول العربية من دون استثناء.
كنت قد كتبت مع قدوم أوباما إلى البيت الأبيض بأنه أبيض ذو صباغ أسمر، دخل مصر، وألقى فيها خطاباً استهله بالسلام عليكم، وكذلك فعل في استانبول التركية، وجاكرتا الأندونيسية، وتحدث في خطبه الثلاث أنه من أصول مسلمة، وأنه سيعمل مستخدماً سين التسويف على إقامة الدولتين، وأنه يناصر القضايا الفلسطينية، وسيغير كثيراً من المفاهيم التي أدت إلى نشوب الصراعات في العالم، ثماني سنوات لأوباما، وقبلها ثماني سنوات لبوش الابن، وقبلها ثماني سنوات لكلينتون الزوج، هل أدرك العرب المسلمون ماذا يجري؟ وأن أمريكا الإسرائيلية هي الدولة الاقتصادية لليهود، وأن فلسطين هي الدولة الدينية لهم. هل فهمنا معنى شعارات لماذا يكرهوننا والتغيير الواجب إحداثه، وكلما حضر رئيس أمريكي، ينتظر العرب بفارغ الصبر بأنه قادر على إنجاز شيء ما لهم، يدعمون حملته بالنفط والمال، ويدعونه.. يرقصون معه، وهو يرقص على تخلفهم، لم يتعلم العرب حتى اللحظة أن السياسة الأمريكية إستراتيجية فيما يتعلق بإسرائيل، وتكتيكية للعرب، وأنهم يأخذون بلحى العرب بكونهم أصحاب نخوة ولهفة، فيحصلون منهم على ما يريدون من دون إعطائهم أي فارق، ها هي الرئاسات الأمريكية منذ استلاب فلسطين وحتى اللحظة، تحمل اللغة ذاتها، ألم نتعلم أنهم متشابهون في أقوالهم وأفعالهم، نحن العرب نزداد تخلفاً، وننزلق إلى الفقر، ويصعدون إلى الغنى، نذهب لتفتيت وجودنا بناء على خططهم الموضوعة لنا، تنفذ بحرفية دقيقة، إنهم يدركون تاريخنا، وأننا شعوب غزو وقتال وجهاد في سبيل الله، وجهاد نكاح، وشهادة واستشهاد وغنائم، يعززون فينا هذه المفاهيم القائمة من الأنا، في النتيجة إنهم يتابعون تفاصيلنا، ويشتغلون عليها، ونحن نتغنى بتقدمهم وأناقتهم، وحلمنا فقط أن نكون مثلهم، هل هكذا نحن والرئاسة الأمريكية الجديَّة الجديدة على الأبواب، الكل يعول عليها أن تنصره، أو أن تشدَّ من أزره ضد من؟ ضد بعضنا لا ضد إسرائيل، هل ندرك ذلك؟
هل انتبهنا لشعار حملة هيلاري كلينتون (Hillary for America ) حرف H باللون الأزرق، وفي منتصفه سهم أحمر يميل إلى اليمين، حيث يشير إلى الحرف الأول من اسم هيلاري، والسهم اليمين التقدم إلى المستقبل؛ أي معاً نحو الأمام، حيث لا رجوع إلى الوراء، والاستمرار في السيطرة على العالم؛ أي إنه استمرار للفكر النازي القديم بشكل حديث.
أما شعار منافسها ترامب PT (trump pence) الذي فسر أنه شعار جنسي يخص العضو الذكري الذي سحب بسرعة نظراً لإيمائه الجنسي الذي يعني في مضمونه أيضاً السيطرة على العالم بالمال والجنس.
إن أمريكا الإسرائيلية، أو إسرائيل الأمريكية، تصرُّ على أنها القوة الاستعمارية الحديثة الوحيدة في العالم، فهل نتعلم نحن العرب من القادم الجديد إلى البيت الأبيض من تل أبيب والقدس؟ وهل سنتقبل خداعاً ومكراً جديدين؟ حيث نستقبله بالهتاف التخلّفي والابتسامات البلهاء. لننتظر ونرَ أربع سنوات أو ثماني سنوات قادمة من الضحك والتلاعب بالعقل العربي بشكل خاص والعالمي بالعموم، لنرى ماذا سيحدث في المستقبل.
د.نبيل طعمة