ضبط الشرق الأوسط

ضبط الشرق الأوسط

افتتاحية الأزمنة

السبت، ٥ سبتمبر ٢٠١٥

يعني ضبط العالم، لا أبالغ لحظة أن أؤكد أن هذه المنطقة من العالم، تجسد مركز العالم وإشعاعه الروحي والثقافي والانضباطي، وحينما ينفلت، ينفلت العالم بأسره، خيراً كان أم شراً، لنلاحظ المجريات الحادثة في القرن الماضي، والتي بدأت تتدحرج منذ اتفاقية سايكس بيكو 1916، ووعد بلفور 1917، زراعة الكيان الصهيوني في فلسطين 1948، والذي كان الاعتقاد فيه يؤدي إلى ضبط الشرق الأوسط وإرهابه، وعمل هذا العالم بأسره على تقوية هذا الكيان، ومدّه بأعتى الأسلحة وأفكار التلاعب والإغراء والإغواء، وأظهره على أنه الأقوى تسليحاً، وساعده على امتلاك النووي؛ سلاح الرعب المفزع، وأيضاً قدّمه بشكل رمز من رموز الديمقراطية والحرية، والتفتح الفكري، والتنور الحضاري أمام التخلّف الاجتماعي والتقني العربي، معززاً وجوده، وكأن به، يعلم أن إيران الشاه ذاهبةٌ إلى الانقلاب على أفكارها السابقة، التي كانت تشكل رعباً دائماً لمنظومة مجلس التعاون الخليجي مع العراق، ومتعاونة مع الكيان الصهيوني، اللذين شكلا فكي كماشة على المنظومة العربية برمتها، إلا أن  تحول إيران إلى جمهورية إسلامية، سرَّع من عمليات فرط عقد هذا الشرق، ما عزز تركيز عالم الغرب بشكل أساسي، للتعاون المطلق مع الكيان الصهيوني، حيث قام منذ إنشائه بتشجيعه على الحروب، فكانت هناك حرب السويس 1956، وحرب النكسة 1967، وحرب تشرين 1973، وحروب جانبية هامشية وأساسية، كاجتياح بيروت 1982، ومناوشات سورية مع الكيان الصهيوني على الأراضي اللبنانية، بغاية إحداث توازنات الصراع العربي الصهيوني والذي تحملته سورية نتاج مواقف إبداعية، تجلت في الصمود والتصدي ودعم المقاومة وحملها، ومعها كانت حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران 1980-1988، وحرب الخليج الثانية 1991، والتي تمثلت باجتياح العراق للكويت، وظهور قوات التحالف الدولي التي أسهمت بها سورية، وبعدها حصار العراق حتى اجتياحه في عام 2003، ومن ثمّ انفلاته وتقسيمه طائفياً تحت مظلّة العراق، والتلاعب المستمر فيه، الذي يدمره رويداً رويداً، وقبله انتصار المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان، عبر انسحاب الكيان الصهيوني من الجنوب عام 2000، ومن ثمّ حرب تموز عام 2006، التي اعتبرت مقدمة سيناريو لحالة تدمير الشرق الأوسط، ولم تنجح، وحرب غزة 2008، ولم تنجح، وظهور مشروع الفوضى الخلاقة، والهدف الكبير منه إظهار شرق أوسط جديد، يستطيع العالم بأسره ضبطه، واتجه إلى دحرجة مشروع الربيع العربي، الذي انطلق في 2010، من تونس، إلى مصر، إلى ليبيا، إلى اليمن، إلى تقسيم السودان في 2011، ومن ثم تمركزه في سورية، فما الذي حدث وعبر خمس سنوات، ما الذي تغير؟ لم يتغير شيء، على العكس تماماً، حدث الانفلات الكبير، وانتشر السلاح، وظهرت قوى مرعبة، حركات وعصابات وجيوش، وتعزز حضور الشخصية القديمة المسماة "الإرهاب"، تقدمت عناوين الحياة، وأصبحت وأمست لغة العالم أجمع تُجمِع أحاديثها على القاعدة، داعش، بوكو حرام، النصرة، الجهاد، نازحين، لاجئين، مهاجرين من كل حدب وصوب، غزوا عالم الشمال أوروبا، أميركا، آسيا، تحول كل ذلك إلى قلق وأرق، أرعب كلَّ من يحيا على وجه البسيطة، وبشكل خاص أوروبا وأميركا، اللتان بدأتا تناديان بضرورة التخلُّص من الإرهاب، وما هو إلا من صنيعهما، تَخيّل العالم أن إحداث الفوضى، يؤدي إلى تغيير الأنظمة، وأنه بمجرد تغيير الأنظمة، يحدث الانضباط، وتبدأ سيطرة جديدة عليه بقياداته الجديدة المصنعة والمعلبة، فماذا وجدوا؟ وماذا حصدوا؟ الرعب تلو الرعب، جندوا الإرهاب، ورموا به على هذا الشرق، فعاد إليهم وانقلب عليهم، كما ينقلب السحر على الساحر، ألقوا القنابل، فانفجرت في وجوههم، أطلقوا الرصاص، فأصابهم، أسهموا في اتساع أعداد الضحايا، فغدوا يشعرون بخطورة الوضع، وتحولهم إلى ضحايا، وأن عليهم استقبال اللاجئين، ليس من سورية والشرق الأوسط فقط، وإنما من عالم الجنوب برمته، وهذا نتاج ما فعلوا ويفعلون، نسوا أو تناسوا، أن هذا الشرق خلَّاق، دفعوا به كثيراً من أجل إثارة الفتن والأحقاد، وكان عليهم دفع أكثر مما يتوقعون، فالثمن باهظ جداً، فسكان هذا الشرق عنيدون، يستشعرون أنهم يولدون من جديد، وهذه الولادة الجديدة، لن تنسيهم أبداً ما خطط لهم، ونفذ بهم.
ضبط الشرق الأوسط، يعني جغرافيا، من المحيط إلى الخليج، مع إيران وباكستان وأفغانستان، والذي لا يمكن ضبطه، إلا من خلال ضبط رأسه وعقله المدبر سورية، وقلبه النابض دمشق، الموجودين في الشمال من الوطن العربي، مساحة تشاغل العالم، ويشاغلها، نسأل لماذا، بعد أن انفلت الشرق الأوسط، هذا الانفلات العنيف، وانفلتت معه الهجرات واللجوء والعصابات العالمية، وغدا الموت للجميع بالمجان، بالبحار، وعبر الحدود والناقلات والسماء، وظهرت لعنة مركز الشرق سورية، على الشرق الأوسط أولاً، وعلى العالم بأسره ثانياً، وأعتقد، بل أجزم بأن هذه اللعنة ستطول جميع من ساهم، وأسهم وعزَّز فكرة الانفلات وإحداث الفوضى، فالهدم سهل، والإعمار هو الصعب، كيف سينضبط هذا العالم؟ هو السؤال الكبير، وهل يعتقد كل من شارك في هذا الانفلات، أنه سيفلت من هذه الأحداث، ومن العقاب الفكري الاجتماعي الكوني الإلهي. السوريون أصحاب تاريخ، هم وحدهم القادرون على ضبط هذا الشرق، فإن لم ينتبه العالم إلى هذا الاسم العنوان، فليتحمّل نتائج الانفلات.
د. نبيل طعمة