خبزنا بلا ملح

خبزنا بلا ملح

افتتاحية الأزمنة

الأربعاء، ٢٦ أغسطس ٢٠١٥

مأساة وملهاة، دراما حياتية، تدعونا كي نتطلع إلى الكيفية التي يسبق فيها السيف العذل، وأن نتفكر فيها، فالمفارقات غدت كثيرة، ومارست لعبة التكرار التي من المفترض أن تؤدي إلى الكمال، وتعلّم الحمير والشطّار على عكس ما نعتقد به، بعد إصلاح المكتشفات من الخطأ أثناء حركة المسير والتوقف والالتفاف والدوران، تدور الأيام دورتها، من دون قدرتها على العودة إلى الوراء، أو أن تلتف عليه، تحدث الفوارق بين الحيوان والإنسان، أحياناً تجمعهما، وأحياناً تبيدهما على حقولها، تُظهر المشهد باردَ الصورة، كما ترخي عليه ظلالها، ليبدو جميلاً، يتعجب الناس، يقفون عاجزين عن تحليل المجريات وفهمها، يحادثون المكون عن انتصاراتهم، عن انكساراتهم، يخشعون أمام أخطائهم، يهدؤون، يثورون تعبيراً عن المعاني الكامنة في ذوات الثائرين، غايتهم ترميم الجراح والخدوش وإخفاء الندبات، والوقوف من جديد من أجل حقوقهم وحريتهم الافتراضية، من دون وعي إضاعتهم لها، أو فقدها، أولاً من جوهرهم، وثانياً أمام حضورهم بعد تجاهل النجاح.
هل خبزنا – نحن العرب- بلا ملح؟ أم إن ملحنا منثور على أذيالنا، نُقَبل أيادي الغريب، بينما نعض أيادي بعضنا، نصرخ، نتألم، تعلو أصواتنا استنجاداً بالغريب الذي يعود لينهب، ويقتل ويدمر، ومن ثم وبقبلة نطبعها على الخشم، أو الجبين، أو الشارب، أو اللحية، تعود المياه لمجاريها، ولكن إلى حين، لماذا لا نحترم عهودنا ووعودنا أمام بعضنا. أولاً بالتأكيد لأننا لا نحترم خبزنا، ولا نقدر قيمة ملحنا، والذي تثبته المجريات والأحداث، يشير إلى ذلك بقوة الناظر إلينا، كيف بالناس لا يعون معاني أن يكونوا رجالاً حقيقيين، وكذلك أيضاً النساء التي تبحث كل واحدة منهن عن أنثى نضرة، تجدها بين ثناياها، اجتهدت من أعماقها لغاية أن تكون مدرسة حقيقية، لا وهم فيها، وأن تغدو مصنعاً للرجال، من دون عمليات التجميل والخداع ومحاولات التشبه بذلك، نابذين أصحاب التكلف والتصنع الذين يظهرون صغاراً بحكم تخليهم عن طفولتهم المسكونة في داخلهم، والذي يتخلى عنها، لا يمكن له أن يصنع إنساناً، ما يؤكد الحاجة إلى التهذيب الذي يؤدي إلى امتلاك آداب السلوك العامة بشكل أفضل، أين العقلاء والحكماء والقادة الجادون، كي يأخذوا بنا إلى رفض الأعراف المتبعة والكثير من مفردات الماضي السلبية، أمام محاولات اكتساب الشهرة والوصول إلى الثروة، تحت مسميات البحث عن الحرية والاستقرار المبنيين أو المرتكزين من كلمتي المأساة والملهاة؟ تتحدان وتنفصلان كما حالتي الجنون والمجد، واعترافاتنا الدائمة تقول: إن أخطاءنا هيّنة، وهنا مربض الفرس، حيث تؤكد عمليات الاعتراف بالواقع، أن لا مجال للاعترافات الكبرى التي تقودنا إلى الحياة، وما هي إلا تبريرات لا يتقبلها العقل، وإنما يحملها لغاية إغفال الأخطاء الكبيرة والقاتلة التي تهيئ للانتقام بين الحين والآخر، وفي النتيجة الإنسان ابن الحياة، والحياة لقمة خبز عليك ألا تقضمها قبل أن تتأكد هل هي خبز حقيقي مملح، كي تصونه، كنعمة واردة من منظومة مقدسة، دعا إليها الإله الكلي، أم حصاة مادية تلفظها معلناً النقمة عليها، وربما يسأم الإنسان كثيراً من مباهج الحياة، إلا أنه لا يسأم الخبز والبشرية جمعاء، نراها متعلقة برغيف الخبز، ومهما غاب عنها أو عنك أو غبت عنه، يكن الهدف الرئيس دائماً وأبداً لوجودك؛ حتى الكلب عندما يحصل على قطعة الخبز، يهز ذيله تعبيراً عن العرفان، فيكون منه صديقاً صدوقاً، وكثيراً ما نضع الخبز على الرفوف تعبيراً عن احترامنا له، ويسأل الأبناء والأحفاد عنه، فنجيبهم بأنه على الرف، حتى إن بعض الشعوب تضعه في خزناتها، أو خزائنها، ومازال الكثير من المجتمعات ولحظة دخولك إلى منازلها، تقدم لك الخبز والملح قبل الدخول؛ أي تمنحك الأمان، فلا تخونها ولا تخونك.
إنها قصة كفاح الإنسان ورحلة سعيه الروحي والمادي المتجسدة أولاً وأخيراً في رغيف خبزه، الذي أشبعه بعد أن يسعى إليه ضمن مجتمعاته التي لكل منها رأيه فيها، إلا أن الجميع يتوقفون عند مفاهيم الأخلاق وطباع أبنائها، وسلوكهم نحوه، ومنها كان له أن زرع وحصد وقام بجميع العمليات بينهما، إلى أن خبَز خبزه، وكان بذلك رائداً بين الأجناس الأخرى، وأقصد جنس الحيوان، الذي يجمع رزقه لقطاً، إن كان في البحر، أو في السماء، أو على الأرض، يأتيه من دون ذلك العناء، وأيضاً نباتات الغابات الموحشة منها والغناء، وأشجارها الوارفة، والشيح وأشواك الصحارى والبوادي والقفار، وتلك الغنية بأعماق البحار، لا تتدخل بها يد الإنسان.
فهي تخدم نفسها بنفسها، تحيا وتموت بكبرياء، مشهدها حتى وإن تجنت عليها يد الإنسان ضمن آليات سعي الإنسان وراء الحياة، ومحاولاته للبقاء فيها، إلا أنه لا يمتلك قدرته عليها، لكونه لا يسيطر على أرواحها.
أيها الناس، ما نفع ما نكتب، إن لم نقرأ، وندرك الغايات التي نسعى إليها؛ كيف بنا لا نستفيد من المقدَّم؟ وكيف بنا نخون خبزنا وملحنا؟ أوَلم يأكل جميعنا على اختلاف مشاربنا ومغاربنا وانتماءاتنا خبز جميعنا؟ وأيضاً أوَلم يأكل الجميع من خبز السلطان، والسلطان مجموع علم وقائد ووسيلة؟ ألا يقول المثل الشعبي: إن الذي يأكل من خبز السلطان، يضرب بسيفه. أوَلم يلعن الإله الذي يشرب من بئر ويرمي بها حجراً؟ كيف بنا لا نستفيق ونقول لبعضنا: كفى. تعالوا نتفكّر فيما خططناه، ولتكن البداية منه. وإذا أدركنا معاني ما جرينا تحت المعنون منه، أعتقد أنها تكون بداية ناجحة، فخبزنا أخلاقنا، وملحنا سلوكنا، يدلان علينا، إن أردنا البقاء، وإلا فنحن لا نستحقّ الحياة، ولنسرع أكثر في إنهاء بعضنا وكلّنا، كي تكون هناك ولادة جديدة.
د.نبيل طعمة