«إعلان الانتصار» السوري ـــ الإيراني: تحالف دولتَين

«إعلان الانتصار» السوري ـــ الإيراني: تحالف دولتَين

أخبار سورية

الجمعة، ٥ مايو ٢٠٢٣

بعد يومين من اجتماع عمّان التشاوري، الذي ضمّ وزراء خارجية عرباً، إلى جانب وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، وتناول موضوع إعادة سوريا إلى مقعدها في «جامعة الدول العربية»، وقبل يومين من اجتماع طارئ على مستوى وزراء الخارجية، في مقرّ «الجامعة» في القاهرة، لمناقشة الشأن نفسه، حطّت الطائرة الرئاسية الإيرانية في مطار دمشق، على متنها الرئيس إبراهيم رئيسي، يرافقه وفد حكومي كبير، في أول زيارة لرئيس إيراني إلى سوريا، منذ 13 عاماً. ويبدو توقيت الزيارة أهمّ ما فيها، من دون التقليل من أهمية الاتفاقيات التي وُقّعت بين البلدَين، وانتقال التعاون بينهما الى مراحل متقدّمة اقتصادياً، بعدما اكتمل عقده أمنياً وسياسياً، خلال سنوات الحرب. في ذروة لحظة الانفتاح العربي على دمشق، وانشغال عدّة عواصم عربية بالملف السوري، وبالخصوص الرياض التي تبذل جهوداً متواصلة وحثيثة، لـ«تسهيل» عودة سوريا إلى مقعدها في «الجامعة العربية»، وتخوض في سبيل ذلك حراكاً دبلوماسياً واسعاً، جاءت زيارة الرئيس الإيراني الى دمشق لتحمل رسائل في كلّ اتجاه، حول العلاقات السورية - الإيرانية، وموقع إيران في الخريطة السياسية السورية، واتجاهات التعاون بينهما مستقبلاً.
انتصار وخيار
ترسّخ الزيارة صورة «الانتصار» الذي تريد دمشق وطهران تظهيره وتكريسه، عبر شكل «استثنائي» من الاستقبال الرسمي والشعبي للرئيس الإيراني، الذي أعلن غير مرّة في تصريحاته من دمشق، أن «القيادة السورية انتصرت في الحرب»، وأن إيران وقفت إلى جانب سوريا خلال الحرب، و«أيضاً سنقف إلى جانبكم خلال هذه الفترة، وهي فترة إعادة الإعمار، ونؤكّد على توسيع العلاقات بين البلدين من الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية وأيّ مستوى آخر». وقابله الرئيس السوري، بشار الأسد، بالقول إنه «عندما شُنّت الحرب ضد سوريا منذ 12 عاماً، لم تتردّد إيران في الوقوف إلى جانب سوريا»، مضيفاً إن القيادتَين راهنتا «على انتصار الحق، وفي النهاية ربحنا الرهان». إضافة إلى ما تَقدّم، فإن الزيارة، في بُعدها السوري، هي إعلان سوري رئاسي عن خيارات سياسية واستراتيجية حاسمة وواضحة، تقع إيران في صلبها، في وقت تُطرح فيه تساؤلات حول ما ستكون عليه السياسة السورية، بعد «المصالحة» العربية، وخصوصاً تجاه علاقة دمشق بطهران و«محور المقاومة»، ويبدو أن الرئيس بشار الأسد أراد الإجابة عنها بأوضح ما يمكن.
من جهة أخرى، جاءت الزيارة كردٍّ واضح ومباشر على العدو الإسرائيلي، الذي وضع نصب عينيه منذ سنوات، هدف إخراج إيران من سوريا. وحاول ذلك بشتّى الطرق المباشرة وغير المباشرة. وأبرز هذه الطرق، سياسة «المعركة بين الحروب»، والتي تهدف في جزء أساسي منها إلى إحداث «فتنة» بين القيادتين السورية والإيرانية. وراهن منظّرو تلك السياسة في تل أبيب على أن الضربات الإسرائيلية المتكرّرة والقاسية على أهداف داخل سوريا، وفي قلب المدن الرئيسة، ستدفع الرئيس الأسد إلى إعادة التفكير في العلاقة مع الإيرانيين وحضور مستشاريهم العسكريين على الأراضي السورية. إلا أن هذا لم يتحقّق بالرغم من الوتيرة العالية للاعتداءات الإسرائيلية على سوريا خلال الشهور الماضية. وليس ذلك فقط، بل جرى توقيع اتفاقيات تعاون عسكري بين وزارتَي دفاع البلدين خلال الزيارة الأخيرة، فيما تؤكّد مصادر مطّلعة أن «إيران ماضية في مشروعها وخطواتها لترميم وتطوير القوات المسلحة السورية، وتدريبها وتجهيزها، بحسب ما تقتضيه الاتفاقات بين البلدين».
نموذج إيراني - سوري
على مدى شهور مضت، كان العمل في الخارجية الإيرانية، وفي عدة وزارات أخرى معنيّة، جارياً لصياغة اتفاقيات متكاملة، ليتمّ توقيعها خلال زيارة رئيسي إلى سوريا. زيارات عديدة قام بها مسؤولون إيرانيون إلى دمشق، لبلورة الاتفاقيات بشكل يمنع تعطّلها لاحقاً، ولتجنّب «المفاجآت». وتبدو طهران مهتمّة إلى حدّ بعيد، بتظهير «نموذج» العلاقات التي تربطها بدمشق، على أنها مثال على علاقة إيران بأي دولة أو جهة حليفة، أو تنوي التحالف معها. ويدلّل على ذلك، تصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، قبيل الزيارة، عن أن «سوريا دخلت مرحلة إعادة الإعمار، وإيران جاهزة لتكون مع الحكومة السورية في هذه المرحلة أيضاً، كما كانت في القتال ضدّ الإرهاب»، وفي ذلك «مثال ناجح على التعاون بين الدولتين»، بحسب كنعاني. وبعدما كانت العلاقة بين البلدين عسكرية أمنية بشكل خاص، وكان المسؤولون عن العلاقة هم من العسكريين والأمنيين، أكثر منهم سياسيين، أبدت طهران رغبتها في تنظيم العلاقة ومأسَستها، ونقلها من الجانب الأمني الذي يُعنى بشؤون الجنود والحرب، إلى صلة حكومة بحكومة، تنظّمها الاتفاقيات الثنائية الرسمية. وفي المقابل، أبدت القيادة السورية استجابة إيجابية لرغبة طهران، أدت إلى الوصول إلى صيغة متكاملة خلال وقت قصير. وأبرز عناوين الاتفاقيات المُشار إليها، هي بناء محطّات توليد الكهرباء، والاستثمار في قطاعات الفوسفات والصناعات الدوائية والنقل البحري. ومن المتوقّع أن يكون التعاون في هذه القطاعات بالتحديد، سريعاً، على أن تظهر آثاره الإيجابية تباعاً. كذلك، جرى الاتفاق على توسيع الخط الائتماني لسوريا لدى إيران، ليشمل مشاريع بناء وتطوير محطّات توليد الكهرباء، إضافة إلى النفط. كما جرت مفاوضات حول إنشاء مصرف مشترك بين البلدين، وأن يكون التبادل التجاري بينهما بالعملات المحلّية. وفي المقابل، قدّمت الحكومة الإيرانية مجموعة من التسهيلات للشركات والمستثمرين السوريين، الراغبين في تصدير بضائعهم إلى إيران، أو الاستثمار داخلها، بما يشمل تخفيضات ضريبية، وقروضاً تشجيعية، وتسهيلات في النقل.
لا تنازلات سياسية
قبل شهور عدّة، جدّد أرفع قادة «محور المقاومة»، في طهران وبيروت، للرئيس الأسد، تأكيد ثقتهم العميقة بخياراته وخطواته السياسية، في ضوء الحديث عن انفتاح عربي على دمشق، وأبدوا الاستعداد الكامل لتسهيل المهمّة أمام القيادة السورية، بحسب ما تراه الأخيرة مناسباً، وإن احتاج ذلك إلى إجراءات استثنائية من قِبل قوى المحور. في المقابل، أكّد الأسد أن خياراته التي خاض الحرب وانتصر فيها على أساسها، لن تتبدّل تحت أيّ ضغوط أو إغراءات، وهو أعاد التشديد على ذلك خلال محادثاته العلنية مع نظيره الإيراني، أول من أمس، حيث أكّد أن «التحوّلات الدولية والإقليمية أتت لتثبت صحة المبادئ السياسية لكلا البلدين»، مضيفاً إن «المخاض العالمي والإقليمي بحاجة إلى المزيد من التمسّك بالثوابت والحقوق والسيادة»، متابعاً أن «لا مزيد من التنازلات تحت عنوان «الانحناء أمام العاصفة»، حيث إن هذا العنوان كان السبب في تعزيز السياسات الاستعمارية». وهذا السياق يتواءم تماماً مع وقائع لقاء عمّان التشاوري، إذ أعادت دمشق تأكيدها رفض تقديم أيّ تنازلات سياسية مقابل عودتها إلى «الجامعة العربية»، وذلك عندما طُرح في اللقاء الرجوع إلى مبادرة «خطوة مقابل خطوة» الأردنية، وتحديداً بصيغتها التي تطلب من الحكومة السورية إبداء تنازل واحد، مقابل كلّ تنازل من قِبل المعارضة، الأمر الذي تعتقد دمشق أنها تجاوزته إلى غير رجعة.