أميركا تهبّ لمنع الانفتاح: فليبقَ السلام بعيداً عن سورية

أميركا تهبّ لمنع الانفتاح: فليبقَ السلام بعيداً عن سورية

أخبار سورية

الخميس، ٢٠ أبريل ٢٠٢٣

موسم العودة إلى دمشق بلغ مداه بزيارة وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان لها، في خطوة هي الأكبر على هذا الطريق منذ اندلاع الأزمة عام 2011. وهو ما واكبته محاولة أميركية يائسة لمنع عودة في الاتّجاه الآخر لسوريا إلى «جامعة الدول العربية»، عبر محاولة خلق «انقسام» عربي حولها، وتحريض مَن يستضيفهم الغرب من المعارضين السعوديين الذين سقط بعضهم في فخّ الترويج للسياسة الأميركية، على رغم أنها في الحالة السورية تستهدف إبقاء الجرح نازفاً، لمصلحة إسرائيل لا غير.
لم تُخفِ أميركا وحلفاؤها الغربيون لحظةً، رغبتهم في عرقلة استعادة العلاقات السعودية - السورية، وبالتالي إعادة ترتيب العلاقات السورية - العربية. وعندما لم تستطع وقف هذا المسار، انتقلت إلى محاولة عرقلة عودة دمشق إلى «جامعة الدول العربية»، بمعزل عن عدم رغبة النظام في سوريا في تحقيقها بأيّ ثمن. فقد واكبت أميركا اجتماع جدّة لوزراء خارجية تسع دول عربية لبحث المسألة، بتسريب معارضة خمس دول عربية لتلك العودة (صحيفة «وول ستريت جورنال»)، وهي دول لا يجمعها الشيء الكثير في ما يخصّ الأزمة السورية. بهذا المعنى، يمكن اعتبار زيارة وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، لدمشق، أوّل من أمس، ردّاً مباشراً على المساعي الأميركية للعرقلة، في زمنِ توتّر تاريخي للعلاقات بين الرياض وواشنطن، حيث تُظهر الأولى مستوًى من التحدّي لم تعتده الثانية منها . فالزيارة تلك، تمّت بأسرع من المتوقّع، بعد أيام قليلة على زيارة وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، للمملكة، وقبل أن يعود الأخير إلى بلاده من جولته الخارجية.
المثير للاستغراب هو أن الدول الخمس التي سمّتها الصحيفة، وهي مصر والمغرب والكويت وقطر واليمن، لا يربطها الكثير في موضوع سوريا بالذات، وبالتالي فإن جمْعها تحت هذه الخانة، يشبه لمّ فريق كرة قدم على عجل للعب مباراة في ملعب الحيّ. وإذا صحّ تقرير «وول ستريت جورنال»، فإن الاستجابة لطلب أميركي في هذا الشأن، هي وحدها التي يمكن أن تلمّ تلك الدول، علماً أن الولايات المتحدة نفسها كانت قبل سنوات قليلة (خلال عهد الرئيس السابق، دونالد ترامب) في صدد ترك «الجمل بما حمل» في سوريا، لولا أن ارتفع صوت إسرائيل اعتراضاً، خوفاً من تأثير هذه المغادرة على أمن العدو. فما الذي يجمع مثلاً بين مصر وقطر في ذلك الخصوص؟ لا شيء. بل إن دعم قطر لجماعة «الإخوان المسلمين» في مصر، وتسليحها المعارضة السورية، هما أحد أهمّ أسباب العلاقة الطيّبة التي ظلّت على طول الخطّ تجمع بين القاهرة ودمشق.
أمّا اليمن المقصود بالتسريب الأميركي، فهو الحكومة المقيمة في عدن، والتي لا تملك قرارها، ولا تملك حتى أن تنفي التسريب الأميركي، لأن أميركا هي التي تدير دفّة الحرب، حتى وإن كان التمويل خليجياً. وبالنسبة إلى الكويت التي قالت إنها لن تقف ضدّ الإجماع العربي، فهي تفضّل الانتظار، تماشياً مع السياسة التي اعتمدتها طوال الأزمة السورية منذ بدايتها. فالقضية السورية حسّاسة في الداخل الكويتي، في ظلّ وجود المعارضة الإسلامية التي كانت مؤيّدة للمعارضة السورية، ونظّمت لها حملات تبرّع للتسليح، وصولاً إلى حدود انخراط بعض الكويتيين في القتال مع أشدّ الفصائل تطرّفاً مِن مِثل «داعش» و«هيئة تحرير الشام». وعلى رغم ما تَقدّم، استطاعت الحكومة الكويتية أن تنأى بنفسها عن القتال والتسليح، واكتفت بمساعدة النازحين. وفي المقابل، سمحت لدمشق بتسيير شؤون السفارة السورية فيها طوال الوقت.
وبخصوص المغرب، فكان من الأقلّ تأثّراً بين الدول العربية في الأزمة السورية؛ إذ لم يشهد هجرة للمقاتلين إلى سوريا كما هو حال تونس، ولم تكن لديه مشكلة كبيرة مع جماعة «الإخوان المسلمين». بل قدّم تجربة حكومة «إخوانية» تحت جناح الملك، محمد السادس، عادت وسقطت سقوطاً مريعاً في الانتخابات. وحدها قطر، معارضتها مطلقة لعودة دمشق إلى الجامعة العربية. ومع هذا، لم تكن لتستطيع الوقوف في وجه الغالبية الكبيرة من الدول العربية التي تريد إنهاء الأزمة السورية، لولا القرار الأميركي بخلاف ذلك.
ما يستحقّ المتابعة هو انخراط بعض رموز المعارضة السعودية المقيمة في الخارج، وفي الولايات المتحدة تحديداً، من أمثال عبدالله العودة وعمر الزهراني وكثيرين غيرهم، في الحملة الأميركية التي تستهدف أساساً خدمة إسرائيل. فإذا كان مفهوماً أن تكون تلك المعارضة، التي يشكّل «الإخوان المسلمون» عمادها الأساسي ولا تخفي تحالفها مع قطر، حليفة لواشنطن في مواجهة النظام السعودي، فالغريب هو انضمامها إلى «بكائيّة» المعارضة السورية حول عودة العرب إلى دمشق، والذي يشي باستمرار تعلّقها بوهم نصرة الأميركيين للمشروع «الإخواني»، وفشلها في تنويع خياراتها، في الوقت الذي تخلّى فيه أصحاب هذا المشروع عنه، وتساقطت حجارته ابتداءً من عام 2013، دافعاً بالجماعة التي كانت يوماً ذات شعبية ومشروعية واسعتَين في العالمين العربي والإسلامي، إلى خارج الأحداث، بحيث لا يتوقّع أحد أن تقوم لها قائمة في أيّ وقت قريب. وقدّم رموز المعارضة السعودية «الإخوانية» سياسة «تصفير المشاكل» التي تعتمدها الرياض، على أنها «رضوخ سعودي» لطهران، متجاهلين ما يمكن أن تحقّقه بلادهم من مكاسب جرّاء تفكيك الخلافات التي لم تكن مبرَّرة أصلاً مع إيران، في كلّ ساحات تلك الخلافات، كاليمن والعراق وسوريا ولبنان وغيرها، والضمانات الصينية لهذه المكاسب.
في خضمّ ذلك، من المتوقّع للعودة العربية، وخاصة السعودية، إلى دمشق، أن تكرّس هزيمة المعارضة السورية، التي لا يبدو أنه سيكون لها دور يُذكر في رسم السياسة المستقبلية لسوريا، بغضّ النظر عن ما يمكن أن تصل إليه هذه السياسة. وتأكيداً لما تَقدّم، يتعيّن رصد ما لم تَقُله البيانات الصادرة لمناسبة زيارتَي الفرحان والمقداد واجتماع جدة، وليس ما قالته. فأيّ من تلك البيانات لم يَقُل إن الحلّ السياسي في سوريا سيكون وفق القرار 2245 الذي يتحدّث عن «تحوّل سياسي» في البلد. كما أن التركيز على تهيئة الظروف لإعادة اللاجئين، لا يعني فقط تسهيلات سياسية وأمنية مطلوبة من دمشق، وإنّما دعم العرب لعملية الإعمار واقتصاد الدولة المتهالك والمدمّر، للتشجيع على العودة، لأنه في الظروف الاقتصادية الحالية، مَن يقيم في سوريا يفكّر في الهرب منها، فكيف يمكن إقناع الملايين من اللاجئين بالعودة؟
الأسد للسعوديين: العودة إلى «الجامعة» ليست أولوية
علمت «الأخبار»، من مصدر إعلامي عربي مواكب لمسار اللقاءات السعودية - السورية، أن الجانب السعودي أبلغ نظيره السوري بأن الاجتماعات العربية الأخيرة، سواء الثنائية أو الموسّعة، حول المسألة السورية، أظهرت أن مواقف قطر والكويت ومصر والأردن من عودة سوريا إلى مقعدها في «جامعة الدولة العربية» رَاوحت ما بين البرودة والممانعة والمعارضة، وهو ما قد يُعزى إلى الموقف الأميركي من هذه العودة. كما أبلغت الرياض، دمشق، أن وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، يعتقد بضرورة إعادة الاعتبار إلى مؤسّسة الجامعة، على اعتبار أن الدور العربي الإقليمي يحتاج إلى تفعيل هذه المؤسّسات على قاعدة عدم إقصاء أيّ طرف. وأكدت السعودية، لسوريا، أنها ستواصل مساعيها من أجل تذليل العقبات أمام عودة الأخيرة إلى الجامعة، قبيل موعد القمّة العربية المقبلة، والتي يرغب ابن سلمان في أن يكون الرئيس السوري، بشار الأسد، حاضراً فيها. كذلك، أبدت المملكة اعتقادها بضرورة مساعدة سوريا من خلال «العمل العربي المشترك»، مؤكّدة أنها جادّة في تنفيذ اتفاقها مع إيران وتبريد كلّ الخلافات معها، وأيضاً في سعيها إلى إنهاء ملفّ حرب اليمن، وإنْ أوضحت أن الاتفاق سيحتاج إلى عناية دائمة. في المقابل، أبدى الأسد تقديره لجهود السعودية، وجدّد رغبة بلاده في العودة إلى «الجامعة العربية»، لكنه بيّن أن سوريا لا ترى أن «الأمر ضروري الآن، وهي لا تريد إحراج أحد». وخاطب الرئيس السوري ضيوفه السعوديين بالقول: «لقد حاول الجزائريون من قَبلكم، وقلنا لهم لا داعيَ لإحراجكم، والآن نقول لكم الأمر نفسه».