في رمضان .. باب جديد للتسول! استغلال واضح لكارثة الزلزال المدمر كذريعة جديدة لاستعطاف الناس

في رمضان .. باب جديد للتسول! استغلال واضح لكارثة الزلزال المدمر كذريعة جديدة لاستعطاف الناس

أخبار سورية

السبت، ١٥ أبريل ٢٠٢٣

ميس بركات
 
بعباءة جديدة وكلمات مختلفة يجوبون شوارع دمشق وأبواب المنازل متوسلين الناس لمساعدتهم بمبالغ مادية ليست بالقليلة، فحال المتسولين في شهر رمضان لهذا العام اختلف عن الأعوام الماضية كون أغلب الذين يجوبون الشوارع جمعتهم عبارة “مهجرون من كارثة الزلزال”، لتكون مصائب قاطني المناطق التي تعرضت للكارثة  بمثابة ذريعة جديدة لاستعطاف الناس من قبل ممتهني التسول في محافظة دمشق، فعلى الرغم من اكتفاء الناجين من الكارثة بما قدّمته لهم الجهات المعنية من معونات متعففين عن السؤال والطلب، إلّا أن شريحة المتسولين وجدت بهذه الكارثة باباً جديداً للرزق الوفير.
 
شريحة جديدة
 
مرات كثيرة فتحت فيها وسائل الإعلام ملف التسول بشكل عام والتسول خلال هذا الشهر بشكل خاص، وأرقام ومعطيات عرضتها وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وجمعيات أهلية شاركت بقمع هذه الظاهرة، إلّا أن الواقع لا زال يشي بالعكس تماماً، فلا زالت أوجه المتسولين ذاتها ولا زالت أماكن عملهم “بالحفظ والصون”، ناهيك عن تربع أوجه جديدة على الساحة خلال الشهرين الأخيرين، إذ أوجدت كارثة الزلزال فرص عمل “بالشحادة” لشريحة جديدة لم تكن تتسول من قبل لكنها وجدت بهذه الكارثة مخرجاً لحل أزماتها المادية، في حين لم تجد شريحة المتسولين”أباً عن جد” صعوبة في إضافة جملة استعطاف جديدة مفادها “ناجون من الزلزال”، بيد أن الواقع يؤكد أن قلّة قليلة من الناجين من هذه الكارثة توجهوا للإقامة في دمشق بمساعدة ذويهم في المحافظات إضافة إلى المجتمع الأهلي الذي قدّم لهم يد العون بدءاً من السكن وصولاً لمحاولة مساعدتهم للبدء من جديد في الحياة العملية بعيداً كل البعد عن التسول.
 
غياب الرادع
 
وعلى الرغم من أننا طرحنا هذا الملف سابقاً مع تحديد أكثر أماكن تواجد شريحة المتسولين “القدامى”، إلّا أن شيئاً لم يتغير بل على العكس فإن الأم المتواجدة يومياً على مدار أعوام في كراج العباسين برفقة طفلتها الرضيعة –حسب زعمها- نجدها في هذا الشهر قد كثّفت جهودها بنشر بناتها الثلاث ممن لم تتجاوز أعمارهم ال7 سنوات، متجولين في باصات النقل الداخلي ومرددين جمل طويلة تعبر عن مأساتهم بصوت يغصّ بدموع مرّنوا أنفسهم على تكرارها لنيل أكبر حصة من المال، كذلك الرجل الستيني المتواجد في شارع الثورة منذ أكثر من عشر سنوات لم يبرح مكانه حتى في سنوات الأزمة ولم تستطع خطط الجهات المعنية المتنوعة بضبطه، كذلك الأمر للكثير من الحالات التي أصبح مشاهدتها في منطقة جسر الرئيس وشارع الحمرا وغيرها من الأماكن بمثابة عرف لا يمكن مرورك بجانبهم دون محاولتهم “قنص جيبتك” التي لا تحوي أكثر مما تحويه جيوبهم، إلّا أن استسهال التسوّل برأسمال يتضمن ثياب رثّة يجنون منها خرجية يومية تتجاوز الأجر اليومي لموظفي الخاص والعام بأضعاف مضاعفة، جعل من هذه الشريحة تتكاثر وتتضاعف أعدادها عاماً تلو الآخر.
 
تسول وظيفي
 
يتفق أهل الاختصاص على أن التسول ظاهرة موجودة في جميع دول العالم، إلّا أنه أخذ أبعاداً أخرى في بلدنا، من منحى استغلال هذه الفئة لأي أزمة يتعرض لها البلد، ناهيك عن وقوع الكثير من المواطنين في فخ التسول بأشكاله الكثيرة، فعدوى التسول برأي مضر سليمان “إدارة موارد بشرية” انتقلت بشكل كبير إلى بعض الدوائر الحكومية لكن في هذه المرة بثياب أنيقة ووجه حسن، مشيراً إلى وجود الكثير من ضعاف النفوس من بعض الموظفين في بعض الدوائر الحكومية الذي يعرقلون انجاز المعاملات من دون إكرامية، الأمر الذي يستدعي اجتثاث هذه الظاهرة المتفاقمة من جذورها بتشديد القانون وتكثيف الرقابة ضمن بعض المديريات التي تشهد اكتظاظاً بالمراجعين، وتحدث سليمان عن ظاهرة التسول في الشوارع والتي هي الأخرى أشد وطأة على مجتمعنا الذي بدأ يشهد تزايداً في الظواهر الاجتماعية السلبية بعد سنوات الحرب، ومنها استغلال الأطفال بشتى الأشكال سواء بزجهم في سن مبكرة للعمل بمهن مختلفة لا تقوى أجسادهم على تحملها، أو بإرسالهم إلى الشوارع للتسول، وفي جميع الحالات لا تخرج هذه الظاهرة من عباءة الاتجار بالأطفال لإستجرار عطف المجتمع، الأمر الذي يتطلب تعاون جميع الجهات المعنية والذي بدأ فعلاً بإتباع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل آلية جديدة تضمنت تفعيل ثقافة الشكوى عند الجميع والاتصال بالجهات المعنية للتبليغ عن أي حالة تسول ومن ثم تضافر الوزارات والعمل بشكل مؤسساتي للحد من هذه الظاهرة، إلّا أنه وبرأي “سليمان” لم ولن نلحظ أي تغيير يذكر، فالمواطن لا زال ممتنعاً عن الشكوى كونه غير وصي ومُجبر بضبط هذه الظاهرة لاسيّما مع وجود جهات معنية أقدر على ضبطها وتطبيق القانون عليها.
 
آلية جديدة
 
وفي بحثنا عن إجابات لتساؤلاتنا عند الوزارة المعنيّة بالموضوع جاء رد وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل مفصلاً بوجود آلية تم اعتمادها مؤخراً تقوم على التنسيق بين جميع الوزارات المعنية وبتعاون المواطنين والمجتمع لضبط حالات التسول والتشرد، ولفتت الوزارة في إجاباتها إلى الإطار الإجرائي العام لضبط التسول حيث يتم بآلية الرصد والإبلاغ والإحالة تتبع ورصد الحالات الموجودة في الشوارع والإبلاغ أصولاً عنها ومن ثم التحرك لضبطها، ويتم بعد ذلك استكمال الإجراءات القانونية لعرضها على المحامين العامين ليصار إلى إيداعها في الدور والمراكز المخصصة “سواء التابعة للوزارة أو للجمعيات الأهلية” أو إحالتها للقضاء المختص.
 
إعادة دمج
 
أما الرعاية وإعادة التأهيل فأكدت الوزارة أن ذلك يتم ضمن دور الرعاية المخصصة “الحكومية والأهلية” وهو ما يعتبر التدبير الاجتماعي لمعالجة الظاهرة، وحول الآلية الجديدة المعتمدة  فتكلف قيادات الشرطة في كل محافظة بضبط المتسولين وبالتعاون بين الشرطة والشرطة السياحية حيث تم تخصيص خطوط خاصة “ساخنة” للتواصل مع الشرطة للإبلاغ عن أي حالة تسول بالرقم “1120108” بالنسبة لمحافظة دمشق بالإضافة للمحافظات الأخرى مسبوقا بالنداء الخاص بها، وتقوم غرفة عمليات الشرطة عند تلقي البلاغات عبر الخطوط الهاتفية بإعلام الدوريات الموجودة في اقرب منطقة والتوجه لها وضبط الحالة وإيداعها في أقرب قسم شرطة، فتودع حالات الرجال لدى أقسام الشرطة وحالات النساء لدى معهد التربية الاجتماعية للفتيات الكائن في باب مصلى وتحدد في باقي المحافظات دور تابعة للوزارة للإيداع المؤقت لهذه الحالات مع مراعاة ما يتعلق بمعايير التعامل مع الأطفال، وبحسب الآلية الجديدة المحددة من قبل الوزارة تقوم غرفة عمليات الشرطة صباح كل يوم بإعلام مكتب مكافحة التسول الشؤون والتي تتضمن التوصيف الدقيق من حيث الفئة العمرية والجنس، ويتخذ المحامون العامون والقضاة المختصون التدبير الأشد لناحية العقوبة ومدة التوقيف والإيداع لدى الدور وفقا لما تم الاتفاق عليه مع وزارة العدل، ويتم تقديم الخدمات اللازمة من غذاء ولباس في هذه الدور وتجرى دراسة اجتماعية عن الحالة وفق استمارات إدارة الحالة، كما تنظم ملفات الحالات متضمنة مسار تطور الحالة من قبل الاختصاصيين الاجتماعيين، وعند تخريج النزلاء من الدور يقوم الاختصاصيون الاجتماعيون بمتابعة أوضاع الحالات ضمن الأسر والمجتمع ضمانا لعدم العودة لممارسة التسول.
البعث