وصفة الخبراء الغيورة لعودة “معمرجي” الدولة الإنشائي الذي ذاع صيته في جبهات المشاريع الوطنية والعربية

وصفة الخبراء الغيورة لعودة “معمرجي” الدولة الإنشائي الذي ذاع صيته في جبهات المشاريع الوطنية والعربية

أخبار سورية

الجمعة، ١٧ فبراير ٢٠٢٣

أحدثت الشركات العامة الإنشائية بموجب القانون رقم 1/1976، ولعبت منذ ذلك التاريخ الدور الأكبر في بناء سورية بكل مرافقها من بنى تحتية ومنشآت عامة وسدود وشبكات ري وضواحٍ سكنية تدلّ عليها الصروح القائمة التي تشكل في قسم كبير منها تحفاً معمارية وإنشائية.
وإذا كانت الدولة بمؤسساتها لم تدخر جهداً في تقديم الدعم غير المحدود للشركات الإنشائية، فحريّ بنا التأكيد على أن قطاعنا العام الإنشائي قادر إذا ما أعطي الصلاحيات الكافية التي تتيح له العمل بعقلية القطاع الخاص على تحقيق الأهداف المطلوبة منه في مرحلة إعادة الإعمار، وحتى يتحقق ذلك لا بدّ من تحقيق مجموعة من المتطلبات، أولها تحديث البيئة التشريعية والقانونية الناظمة لعملها، والتي يتمّ العمل على تحديثها حالياً من خلال دعم ومؤازرة وزارة الأشغال العامة والإسكان، وتأمين الحاضنة التي توفر كل السبل لانطلاق الشركات.
ذات التاريخ الطويل
لا يمكن التقليل من قدرة وخبرة وطاقة مؤسّسات وشركات القطاع العام الإنشائي “ذات التاريخ الطويل ” في صياغة سجل من الإنجازات التي تُحسب للدولة في ميادين ومواقع العمل التي أنتجت بنى تحتية وطرقاً وجسوراً وأنفاقاً ومشاريع إستراتيجية أسست لما بات يعرف لاحقاً “بسورية الحديثة ” التي تستحق أن نتفاخر بها على أنها من صنيعة كوادر وكفاءات وإمكانيات الشركات الحكومية التي ذاع صيتها ووصلت مساحة تغطيتها خارج الحدود، وما إنجازات “لبنان، السودان، اليمن، العراق، ليبيا ” وغيرها إلا مثال حيّ لما يمكن أن تقوم به اليد والعقل السوريان.
وبناء على أرضية من هذا القبيل، يرى محلل اقتصادي أنه اليوم ثمة استحقاق وتحدّ جديد تمليه طبيعة المرحلة التي سببت دماراً في البلد، لتقدم الشركات نفسها لمواجهة الامتحان الصعب الذي من المفترض الدخول فيه لاعتبارات وطنية وسياسية واقتصادية تقطع الطريق على اللاهثين والمتاجرين بهذا الملف.
“صقل” شامل
قد يكون التعويل على الكوادر الوطنية ولاسيما الناشطة في الشركات الحكومية محقاً، ولكن في ضوء التطورات والمستجدات تبدو الحاجة ملحة لما يمكن أن نسميه “صقلاً” شاملاً لكل ما هو قائم عبر تأهيل الكوادر، وإعادة تكوين الحالة القائمة ليكون المجال الفني والتنفيذي في دائرة الضوء الذي بتنا نلمسه من خلال نشاط من المفترض أن يكون مفرطاً ومتمثلاً بما يجب أن تقوم به “الأشغال” من جولات وصولات في معارك التأهيل والتدريب، وبالتالي رسم طريق أكثر وضوحاً لما نحن مقبلون عليه من خطط وبرامج ومشاريع لا يمكن الاستهانة بها أو التقليل من حجمها وضخامة الخوض بها.
نظام عقود
في هذا المضمار يفيد الخبير لؤي سمان أنه يمكن تقسيم البيئة المطلوب الاشتغال عليها إلى مجموعتين، الأولى: تشمل القوانين والأنظمة المتعلقة بتنظيم العمالة والإجراءات الداخلية (القانون الأساسي للعاملين بالدولة 2004، المرسوم التشريعي رقم 84 لعام 2005 نظام الاستخدام الصادر بالقرار 1876 لعام 2013)، أما المجموعة الثانية فتشمل القوانين والأنظمة المتعلقة بآليات التعاقد مع الجهات الأخرى (عام وخاص)، وتأمين احتياجات الشركة (القانون رقم 51 لعام 2004 المتضمن نظام عقود الجهات العامة الموحد، دفتر الشروط العامة الصادر بالمرسوم 450 لعام 2004 ومجموعة من الأنظمة والتعليمات)، ومع ذلك يضيف سمان أن هذه القوانين والتعليمات بشكل عام أعطت حين تمّ إصدارها ميزات ساهمت في تنشيط عمل شركات القطاع العام، إلا أنه مع تطور الزمن والأحداث التي يتعرض لها بلدنا، باتت الحاجة ضرورية إلى تطوير وتحديث تلك القوانين والتشريعات، ليأتي ثاني الأولويات تخفيف الأعباء المالية التي تعاني منها شركات الإنشاءات العامة والتي تشكل الديون المترتبة عليها للقطاعين العام والخاص عبئاً كبيراً، أما أهم الأعباء فهي إيجاد آلية لإطفاء تلك الديون أو جدولتها وتقديم الدعم المالي للشركات بما يؤمن السيولة الكافية التي تمكنها من تحقيق خططها.
مهمة وحيوية
ومع أنه تمّ اعتبار الشركات مطورين عقاريين، إلا أنه من الملح العمل حالياً  –حسب إفادات صادرة عن جامعة دمشق “كلية العمارة”- على الاستفادة من العقارات والأراضي والأملاك العائدة للشركات للاستفادة منها في التطوير العقاري، وتأمين استثمارات ومشاريع مهمة وحيوية، وتعزيز دور التشاركية مع القطاعين العام والخاص، كل ذلك يؤمن زيادة في المردود المادي للشركات، ويزيد من قوتها المادية وفرص منافستها في السوق المحلية لتكون مساهماً أساسياً في إعادة البناء والإعمار.
مزدحمة بالأنشطة
تبدو الصورة التي تدور دوائرها في أروقة “القطاعات الإنشائية” مزدحمة بالأنشطة والتحركات التي تصبّ في خانة الإكثار من الدورات والورشات وحلقات البحث وفرق البحث والتقصي والترصد التي تؤمن الحدود الكفيلة لتعزيز الإرادة الرامية للبناء والتشييد، والأهم الاستناد إلى مخططات تنظيمية عامة وتفصيلية وأنظمة بناء وإعداد مسوحات طبوغرافية وتخطيط عمراني، وهذا الأساس الذي من المفترض الاشتغال علية بالتوازي مع الحقيبة التشريعية والقانونية التي من المفترض تجهيزها للمرحلة القادمة.
في تقفي أثر ما تدرسه وزارة الأشغال، هناك العديد من المخططات التنظيمية قيد الدراسة، في وقت تتسارع الخطى للتصديق على المخططات التي ترد كما يؤكد أصحاب القرار هناك، ليبدو أن ثمة إصراراً على تسريع الخطى، وهذا ما يعدّ ضرورة كي لا يقطعنا الوقت ونصبح “مضغوطين ومزروكين” في ورشات إعمار الحرب وما خلفته الزلازل؟!.
آثار وثمار
بالعموم.. لقد أطلقت سنوات الدمار العنان لنمط مختلف من التعاطي الديناميكي مع الخطط والبرامج، تقوم على بعد النظر الذي يجب أن يستفيد من أخطاء الماضي ويبني على التجارب الموفقة في الأداء التي تتجلى في أكثرها بآثار وثمار التنمية المستدامة التي ترتبط وثيقاً بمختلف ميادين تطور الحياة الاقتصادية والاجتماعية للقطاعات وللمواطن معاً.
وإذا كان التخطيط الإقليمي العنوان الأهم لعملية إعادة الإعمار والتنمية المستدامة –وفق الإدراك الرسمي والأكاديمي والمجتمعي- للارتقاء بآلية العمل إلى أفضل المستويات، فإن الأهم وفق الرواية الحكومية أن تكون البرامج الزمنية لتنفيذ الاستراتيجيات مدروسة ومحدّدة بدقة كبيرة شرط توفر الكادر البشري اللازم لإعداد الخطط وتنفيذ مراحلها.
ولأن تطوير قطاع السكن وفق رؤية تتماشى مع محددات الإطار الوطني للتخطيط الإقليمي يعدّ تحدياً مرحلياً في سياق الخروج من تحت الرماد والتحرك من بين الأنقاض، كان التوجه الذي شهدناه منذ سنوات بموافقة المجلس الأعلى للتخطيط الإقليمي على قيام الجهات المعنية بالإعداد لعقد مؤتمر حول الإستراتيجية الوطنية للسكن والإسكان بمشاركة كافة الجهات والنقابات والمنظمات الشعبية، على نية اعتماد مخرجاته لتطوير قطاع السكن في سورية وفق رؤية تتماشى مع محددات الإطار الوطني للتخطيط الإقليمي.
عكاز القدرة
هنا كان “العكاز” الأهم في قدرة المخططين والمبرمجين على صياغة أشكال من حسن التنفيذ ضرورة تأمين الكوادر البشرية اللازمة والإمكانيات لهيئة التخطيط الإقليمي، وهذا لن يحصل ما لم يتم إجراء مراجعة لآلية عمل هيئة الإشراف على التمويل العقاري لجهة الصلاحيات والتشريعات، نظراً لأهمية دورها في المرحلة القادمة، في وقت لابد من تعزيز دور المكتب المركزي للإحصاء ليقوم بالدور المنوط به في وضع قاعدة بيانات تسهم في تنفيذ إستراتيجية السكن والإسكان.
خارطة سكن وإسكان
أمام هكذا تطلعات ثمة ما يدعو -في سياق التركيز على الخارطة الوطنية للسكن– إلى ضرورة تأمين الأراضي ومصادر التمويل وتوفير التقنيات والمستلزمات ومحور الأطر المؤسساتية والقانونية ورؤية القطاع الخاص، وبهذا تكون الخارطة الوطنية للإسكان مدعمة بعملية التخطيط  بما يخصّ قطاع الإسكان في وزارة الأشغال خلال المرحلة القادمة، ولتكون الأمور سلسة لابد من دراسة التخطيط المكاني لجميع الأراضي وفق معايير فنية ومؤشرات تخطيطية،، كل ذلك لأن خارطة السكن والإسكان أهم الأولويات في هذه المرحلة والتي تسهم في إعادة الإعمار وفق أسس تخطيطية تنموية صحيحة.
علي بلال قاسم