تداعيات الزلزال في سوريا.. هكذا تساهم عقوبات الغرب في مضاعفة الكارثة

تداعيات الزلزال في سوريا.. هكذا تساهم عقوبات الغرب في مضاعفة الكارثة

أخبار سورية

الأربعاء، ٨ فبراير ٢٠٢٣

بين زلزالٍ مدمّرٍ وحصارٍ أكثر تدميراً، تلملم سوريا ضحاياها من تحت الرّكام. وبالحديث عن سوريا وضحاياها، يبرز النفاق الدوليّ والإنسانيّة المجزّأة اللذان ظهرا بأبشع صورة منذ الساعات الأولى لوقوع الكارثة. دمّر الزلزال ما صدّعته عقوبات قيصر، ولكنه لم ينجح في تحريك ضمائر العالم إزاء حجم المأساة السورية.
 
أمام تهافتٍ دوليٍّ على إرسال المساعدات إلى المناطق المنكوبة في تركيا، غابت الحماسة الدوليّة نفسها في تحدّي العقوبات الأميركية وانتشال السوريين من تحت أنقاض الحصار.
 
وفي ظلّ حاجة سوريا الملحّة الى أوسع دعمٍ بالمعدّات والاختصاصيين، ينصاع الغرب مرّةً أخرى لأوامر واشنطن التي تعرقل بعقوباتها أيّ أملٍ للسوريين بإغاثة المنكوبين العالقين تحت الرّكام، والذين تتضاءل فرص نجاتهم مع تقدّم الوقت.
 
الرئيس الأميركي جو بايدن قالها صراحةً، إنّ المساعدة الأميركية لسوريا ستكون عبر مَن سمّاهم الشركاء الإنسانيين المدعومين من الولايات المتّحدة، في تصريحٍ برّر فيه استثناء مناطق سيطرة الدولة السورية من المساعدات التي تعرّت هنا من صفاتها الإنسانية لتأخذ صفةً سياسيةً بحتة.
 
الإنسانية المجزّأة لم تقف عند الحكومات الغربية المنصاعة للإملاءات الأميركية بل تعدّتها لوسائل الإعلام الغربية التي لم تحد عن ازدواجية معاييرها، إمّا في تغييب تغطيتها لحجم الكارثة في سوريا، وإمّا في تصويبها خلال تغطيتها السهام إلى الدولة السوريّة، بدلاً من إظهار حجم الأزمة الاقتصادية التي عمّقت مأساة السوريين الحاليّة.
 
أمام نفاقٍ غربيٍّ وتنفيذٍ لأجنداتٍ سياسيةٍ بحتة كشفهما الزلزال، كانت الدول المحاصَرة من قبَل الغرب هي أوّل من يهبّ لمساعدة سوريا في تحدٍّ للعقوبات الأميركية. روسيا وإيران مثلاً أرسلتا طائرات مساعدات إنسانية الى دمشق، فيما أقام العراق جسراً جوّياً الى سوريا لإرسال مساعداتٍ إغاثيّةٍ عاجلة، حتى لبنان الرازح تحت أزمةٍ اقتصاديةٍ خانقة أرسل فريقاً للمشاركة في عمليّات البحث والإنقاذ، فيما لم تتأخّر تونس والجزائر والأردن والإمارات عن مساعدة سوريا أيضاً. 
 
الحصار زاد من تداعيات الزلزال على سوريا
وفي سياق الحديث عن الكارثة التي ضربت سوريا، وكيفية مساهمتها في إظهار الأثر الأكبر للحصار المفروض على البلاد، أوضحت محلّلة الميادين للشؤون السياسية والثقافية، ديما ناصيف، أنّ "ما زاد من قسوة الحصار وضاعف تداعياته، هو أنّ سوريا كانت تحت الحرب لمدّة 10 سنوات، فالموارد باتت شحيحة، ومستنزفة".
 
وأضافت ناصيف للميادين أنّ ذلك يأتي في وقتٍ "ليس هناك أي إمكانيّة للاستيراد أو للاستعانة بأيّ من الدول التي يمكن أن توضَع فوراً على قائمة العقوبات الأميركية". 
وتابعت أنّ "سوريا، عندما استطاعت استرداد المساحات الواسعة من أراضيها، وكان يُفترَض أن يتمّ فتح المعابر عند وصول الجيش السوري والحلفاء إلى مختلف الحدود، سواءً العراقية أو الأردنية، سارعت واشنطن لتلوّح بعقوبات إذا ما قدّمت لسوريا أي مساعدة في إعادة الإعمار أو في إعادة تأهيل البنى التحتيّة، لتقتصر المساعدات فقط على الغذائية والطبّية والاستخدامات اليومية منها".
 
وبيّنت ناصيف للميادين أنّ "عمل المنظّمات الدولية يقتصر فقط على تقديم هذا النوع من المساعدات طيلة فترة الحرب، وبالتالي جرى استنزاف للمواد واستنزاف للبنية التحتية، وهذا ما توضّح بشكل أساسي اليوم في هذه الكارثة". 
 
وتابعت أنّ "سوريا لا تملك الموارد الكافية لإزالة الأنقاض، ولا الموارد الكافية لإيجاد كوادر وفرق للإغاثة"، مشيرةً إلى "وجود الكثير من البنايات التي كانت يجب أن تخضع لعمليّات تدعيم وترميم، لكن لم يُتَح لها ذلك بسبب نقص المواد التي يمكن أن تساهم في هذه العمليات، ما أدّى إلى انهيارها بشكل كامل، وخاصّةً في مدينة حلب".
وفي السياق، لفتت ناصيف إلى "حراك دبلوماسي نشط سواءً من دمشق أو من الحلفاء من أجل تقديم هذه مساعدات لسوريا"، مشيرةً إلى أنّ "الحديث هنا لا يقتصر عن المساعدات الإيرانية والروسية، لأنّها بطبيعة الأحوال مساعدات متوقَّعة، إذ إنّ هذا موقف الحلفاء طيلة الحرب".
 
وأضافت للميادين أنّ "ما تشهده سوريا حتى اللحظة، هو مساعدات من الإمارات وكذلك الجزائر، وطبعاً يُتوقَّع أن تصل أيضاً مساعدات من الهند وباكستان والعراق وربّما يكون في مرحلة متقدمة أيضاً لبنان". 
 
وبالتالي، "يشكّل ذلك كسراً للحصار، وإن كانت لا تزال المساعدات هي فقط على مستوى الطبي والغذائي، لكن ربما في مرحلة متقدّمة قد تدخ آليّات وأدوات تساعد أكثر في انتشال الضحايا وإزالة الأنقاض".
 
وبشأن الثمن الذي دفعه الشعب السوري، المواطن، الإنسان في سوريا نتيجة الإجراءات الغربية، فأكّدت ناصيف للميادين أنّ "الثمن كان باهظاً بشكل كبير جداً، لأنّه عدا عن الاستنزاف الذي كان كبيراً أو طويلاً خلال العشر سنوات أو أكثر، كان هناك استنزاف حتى الموارد الشخصية للعائلات السورية، وحتى المدّخرات، وربّما مَن كان ربّما يملك عقارات وإلى ما هنالك".
 
وعزت ناصيف ذلك "لعدم وجود دورة اقتصادية صحيحة حتى يستطيع المرء أن يستردّ قيمة الأموال التي يدفعها، ولانهيار قيمة العملة السورية بشكل كبير جداً خلال فترة الحرب". 
 
الولايات المتّحدة ضالعة في الجريمة التي تُرتكَب بحقّ سوريا
وبشأن تعامل الإدارة الأميركية مع كارثة الزلزال في سوريا، مقارنةً بكيفيّة تعاملها مع الكارثة في تركيا، قال مدير مكتب الميادين في واشنطن منذر سليمان، إنّه "كان هناك اتّصالات مباشرةً بإردوغان ووزير الخارجية التركي من قبل الرئيس الأميركي جو بايدن". 
 
وأشار سليمان للميادين إلى "صدور تصريحات بإرسال وفديّ إغاثة وبحث من الولايات المتّحدة، واستعداد أيضاً لتقديم المعونات الصحّية وغيرها لتركيا، لكن عندما سُئل الناطق الرسمي باسم الخارجية عن التقديمات الأميركية لسوريا، عاد إلى المعزوفة التي تردّدها الإدارة، بأنّ النظام في سوريا هو مسؤول عن المأساة التي يعانيها شعبه وبالتالي لا يوجد". 
وتابع أنّ "الولايات المتّحدة تتجاهل أنّ الدولة السورية هي دولة شرعيّة ممثَّلة رسمياً، ويُفترَض أن يتمّ التعامل معها مباشرةً وليس محاولة تجاوزها إن كانت المنظّمات التي فقط تتعامل معها الولايات المتّحدة عبر وكالة التنمية الدوليّة أو مباشرةً عبر المساعدات، أو حتى عبر المساعدات من قبَل المنظّمات الأميركية".
 
وبحسب سليمان، فإنّ "الولايات المتّحدة لا تزال ضالعة في الجريمة التي تُرتكَب بحقّ سوريا، وهي تحتلّ الأراضي السورية بطريقة غير مشروعة"، مضيفاً أنّ  "هذه الكارثة يُقترض أن تكون فرصةً للولايات المتّحدة لتصويب هذه السياسة الإجرامية والعودة عنها".
 
وأشار للميادين إلى "بدعة اخترعها الأميركيون والغربيون بأنّ هناك عقوبات ذكيّة، وبدأت هذه البدعة خلال حصار العراق في الثمانينيات والتسعينيات، ثمّ انطلقت لكي يتمّ تطبيقها على الدول الأخرى بما فيها سوريا، بمعنى أنّ تغيير سلوك الأنظمة يتمّ عبر فرض عقوبات اختياريّة انتقائيّة".
لكن الأمر الحقيقي، هو أنّ "هذه العقوبات وهذا الحصار يطال الشعب وليس فقط الحكومات، وبالتالي الولايات المتّحدة عندما تحاول تبرير هذه السياسة عليها أن تعود لتقرّ، بأنّ هذه السياسة هي سياسة فاشلة"، بحسب سليمان. 
 
وقال للميادين إنّ "هناك بالفعل نوع من التغطية على أنّ سياسة العقوبات هي سياسة تستهدف الشعب كله وليس النظام، لأنّه في نهاية الأمر النتائج السلبيّة لها تعود على الشعب، وإذا كانت جائحة كورونا لم تكن مبرّراً كافياً لوقف الحصار والعقوبات فالزلازل يُفترَض أن تكون، ونحن نشاهد كيف يتصرّف العالم الغربي حيال هذا الأمر". 
 
وبالإجابة على سؤال عمّا إذا كان من الممكن أن تشكّل هذه الكارثة فرصة للدول العربية والغربية لتغيير سياسة العقوبات والعزل تجاه سوريا، أشار إلى أنّ ذلك "نوع من التمنّى ويُفترَض أن يحصل".
 
ووفق سليمان، فربما على الأقلّ "سيؤدي هذا الزلزاا إلى أن تراجع تركيا أيضاً سياستها نحو سوريا، الأمر الذي يسرّع في عمليّة التقارب"، ومن جهةٍ ثانية قد ربما تساهم هذه الكارثة في أن "تصحّح هذه الدول التي تآمرت على سوريا خاصةً الدول العربية، من مواقفها، وأن تتّخذ منها فرصة".
 
كيف تساهم بعض المنظّمات الإنسانية بالحصار الأميركي على سوريا
وعن دلالات وأبعاد تجاهل الولايات المتحدة وأيضاً الدول الغربية الإشارة إلى ضحايا الكارثة في سوريا، أكّد محلل الميادين للشؤون السياسية والدوليّة قاسم عز الدين أنّ "الولايات المتّحدة والدول الغربية تتحمّل نصيباً وافراً من مأساة دفن الضحايا أحياءً تحت الأنقاض". 
 
وأضاف عز الدين أنّ "عدم تحرّك هذه الدول بكل عنجهيّتها وبكل ادّعاءاتها، هو دليل على أنّها شريكة بالجريمة أو هي المسؤول الأساسي عن الجريمة، لأنّ الزلزال له تداعيات كبيرة، والناس ستحصد هذه التداعيات آجلاً أو عاجلاً". 
وشدّد على أنّ "الحدّ الأدنى الفطري الإنساني البسيط الأوّلي البدائي هو ألّا يسكت الإنسان على منظر بهذا الحجم، على مأساة بهذا الحجم، وأن يفعل، وإذا كان لا يريد أن يفعل، أن يقول ما يجب أن يُقال". 
 
ورداً على سؤال عن سبب التزام المنظّمات الإنسانية بالحصار والعقوبات التي تفرضها واشنطن، طالما أنّ هذه المنظّمات المعنيّة بالإغاثة منظّمات أمميّة، فبيّن عز الدين للميادين أنّ ذلك اسم هذه المنظمات "هو اسم على غير مسمّى". 
 
وأعرب عن اعتقاده بأنّ "التدخّل لما يُسمى المجتمع الدولي للإنقاذ والإغاثة في سوريا، هو الأرجح كثير من الجعجعة، وقليل من الطحين، سواءً بالنسبة إلى جنوب تركيا، أو لشمال سوريا، في المنطقة التي تسيطر عليها تركيا"، قائلاً إنّ ذلك "دعاية أكثر ما هو فعل".
 
وأوضح عز الدين، في هذا السياق، أنّ "الأمم المتّحدة التي يُفترَض أن تكون هي الحوكَمة الرشيدة للعالَم، لديها صندوق طوارئ، ولديها وكالة للإغاثة، ولديها وكالة للشؤون الإنسانية وللتنسيق، أي تملك وكالات على مدّ العين والنظر، لكن في نهاية المطاف لا يتحرّك أي مكتب من هذه المكاتب المنتشرة للمساعدة". 
 
ولفت للميادين إلى أنّ "مكاتب الأمم المتحدة وُجدت لخدمة مصالح الدول عندما تحتاج وتستعين بها، وتتدخّل فيها، وخاصّةً ما رأيناه في سوريا وفي العراق وفي أفريقيا وفي كل مكان، واليوم في أوكرانيا وغيرها".