الصناعات النسيجية تحتضر على وقع التسويف.. والخيوط والأقمشة المهربة تملأ السوق!

الصناعات النسيجية تحتضر على وقع التسويف.. والخيوط والأقمشة المهربة تملأ السوق!

أخبار سورية

الجمعة، ٣ فبراير ٢٠٢٣

كمثيلاتها لم تستطع الصناعات النسيجية إلى اليوم الخروج من عنق الزجاجة ونفض غبار الحرب عن معاملها وشركاتها التي لا زالت برسم انتظار الجهات المعنية ريثما تنتهي من لعبة الأرقام وجمع حجم خسائر المعامل والشركات لطرحها في المؤتمرات والورش السنوية والنصف سنوية أمام العمال والإعلام وتعليق سبب فشل خططهم المستقبلية  في إعادة رونق هذه الصناعة التي احتلت على مر العقود المكانة الأولى في صناعاتنا من حيث الجودة والتصدير عالمياً على شماعة الحرب والعقوبات وغيرها من المبررات المقولبة منذ أعوام مضت والمُعدّة لأعوام قادمة بحيث تضمن مراوحة الشركات والمعامل في مكانها لأسباب مجهولة!.
جيوب المسؤولين!
وعلى ما يبدو لم تُثمر مناشدات الصناعيين خلال السنوات الأخيرة لوضع حلول جذرية لإنقاذ هذه الصناعة قبل اندثارها كالكثير من الصناعات التي تهاوت محلياً ووصلت بشيوخ كارها إلى بلدان أخرى استطاعت إنعاشها هناك، فيما تلاشت وانقرضت في بلدهم الأصل، على مرأى من الجهات المعنية التي – برأي الصناعي محمد مرهج – تدعم مصلحة المستوردين وتسهل الطريق لهم كحل أسهل وأنجح وأوفر على جيوب المسؤولين، إذ لا زالت صناعة السجاد والألبسة والأقمشة بمختلف أنواعها تواجه ارتفاع أسعار الأقمشة المحلية والعالمية يرافقها تدني نوعية المنتج المحلي وصباغته وتحضيره وعدم توفير الأقمشة المطلوبة، واتخام السوق بالمنتجات النسيجية المهربة يرافقها تراجع الطلب المحلي بسبب الغلاء وتدني الدخول، وصولاً إلى مرحلة كساد المنتج المحلي وتراجع التصدير لارتفاع سعره مقارنة بأسعار الدول الأخرى، وهذا يعود إلى غياب دعم الحكومة للصناعات المحلية بشكل عام، وعدم تقديمها التسهيلات للصناعيين بسعر الطاقة والوقود وتكاليف الشحن والتأمين وتحويل الأموال ومواد التغليف وغيرها من أساسيات التصنيع والمغفلة من قبل الجهات المعنية لأسباب خارج نطاق معرفة صناعيي القطاعين العام والخاص. وقدّم مرهج مثالاً عن أرقام تم طرحها في ورشة عمل مختصّة بعمل هذا القطاع، نهاية العام الماضي، والتي توضح تراجع نسبة المنشآت الصناعية النسيجية من إجمالي مجموع المنشآت الصناعية المنفذة من 15 % في عام 2010 إلى 2,9 % في العام الماضي، متسائلاً عن جدوى الحلول الورقية المقدمة على شكل مقترحات في نهاية أعمال الورش والمؤتمرات والوعود الخلبية التي تتحدث عنها الحكومة بتقديم التسهيلات وتأمين القطن بكميات كبيرة و اتخاذ الإجراءات والتدابير المتكاملة على مستوى كافة الحلقات لعودة هذا القطاع كرافد هام في الاقتصاد الوطني، لتتلاشى هذه الوعود مع انتهاء أعمال الورش والمؤتمرات ويبقى التسويف والمماطلة الشعار الوحيد الذي يلتزم به المعنيون بدعم هذه الصناعة.
تجاهل وزاري!
ولأن التضرر الأكبر كان من نصيب الشركات النسيجية في القطاع العام توجهنا بأسئلتنا إلى بيت العمال، ليتحدث محمد عزوز، رئيس الاتحاد المهني لنقابات عمال الغزل والنسيج، عن وجود مشاكل في هذا القطاع قبل سنوات الحرب وتضرره بشكل كبير خلال الحرب، إذ تشكل التشابكات المالية بالشركات وتأمين القطع التبديلية ونقص اليد العاملة العائق الأكبر اليوم في استمرارية الإنتاج، إضافة إلى نقص المادة الأولية (القطن)، ما يهدد بإغلاق بعض الشركات، ولفت عزوز إلى الحلول المؤقتة لسد ثغرة نقص العمالة الفنية بإجراء عقود مهنية “خبرة” شبه سنوية لكنها غير مستقرة وغير قانونية بشكل تام، ليصبح العمود الفقري للعمالة الإنتاجية اليوم هي العقود المهنية، لافتاً إلى الخذلان الذي تعرضوا له عند محاولتهم تأمين استقرار لهذه العقود خلال مسابقة وزارة التنمية لكن للأسف تم استبعاد الكثير من الشركات من هذه المسابقة لأسباب غير واضحة.
حلول ترقيعية 
وفيما يتعلق بالتشابكات المالية بين الشركات تحدث رئيس الاتحاد عن سلسلة عمل الشركات بحيث تأخذ مؤسسة الأقطان القطن من الفلاح بأسعار تحددها اللجنة الاقتصادية ومن ثم تحلج المؤسسة مادة القطن وتوزعه على شركات القطاع العام وفق حاجة الشركات، إلّا أن عمليات شراء القطن والنسيج تتم بالدين، إضافة إلى أن العقود المبرمة مع إدارة المهمات تعمل على آلية الدفع اللاحقة من إدارة المهمات والمتأخرة دوماً بالدفع، أما نقص المادة الأولية والمتمثلة “بالقطن” نوّه عزوز إلى الفائض الكبير بالمادة قبل الأزمة حيث تم حلج ما يقارب الـ 2000 مليون طن في عام 2000 ليتراجع الإنتاج عاماً بعد الآخر نتيجة نقص المياه اللازمة للري لنصل إلى إنتاج 200 ألف طن على مستوى القطر يكفي حاجة القطاعين قبل الحرب، لكن وخلال الحرب تم خروج منطقة الجزيرة عن السيطرة وبالتالي خرج الخزان الأساسي لمادة القطن من يد شركتنا لاسيّما وأن  75% من خطتنا الزراعية لمادة القطن هي في منطقة الجزيرة، لنصل خلال عام 2021 إلى استلام حوالي الـ 7000 طن قطن محبوب ينتج عنه 1200 طن قطن محلوج في الوقت الذي نحتاج وسطيا لعمل شركاتنا 25 ألف طن، وتم العمل على معالجة الموضوع بطرح ما يسمى “شراء مباشر” من القطاع الخاص، حيث تم  شراء 5000 طن قطن من أحد العارضين، لكن نوعية القطن كانت سيئة لعدم وجود بديل خلال الموسم الماضي، أما هذا العام  فجاء تقرير استلام مؤسسة الأقطان بحدود 14 ألف طن قطن محبوب سينتج عنه حوالي 3000 طن قطن محلوج، لافتاً إلى مبادرة مؤسسة الأقطان هذا العام بإعلانها  عن مناقصة لشراء 5000 طن من القطن، لكن هذه الحلول تبقى حلول اسعافية مؤقتة لا تفي بالغرض المطلوب.
كساد وتهريب
وألقى رئيس الاتحاد المهني اللوم على تأخر اللجنة الاقتصادية بتسعير مادة القطن، وانتظارهم أشهر بعد زراعة الفلاح القطن لوضع تسعيرة، الأمر الذي أدى إلى عزوف الكثير من الفلاحين عن الزراعة لعدم معرفتهم بسعر المادة قبيل زراعتها بالتالي حساب تكاليف الزراعة ونسبة أرباحهم بشكل مُسبق، كما تطرق عزوز إلى الحديث عن غياب الدعم الحكومي لمعامل القطاع العام بما يخص موضوع الطاقة الكهربائية ومعاملة معاملنا كمعامل القطاع الخاص من خلال نظام الشرائح، وأضاف: على الرغم من مطالبنا بأن تتحمل الدولة جزء من دعم هذا القطاع ودفعه من خزينتها كدعم الشركات النسيجية بموضوع الطاقة الكهربائية مثلا، إلاّ أن أحد لم يصغ، الأمر الذي أثر على سعر المنتج النهائي بالتالي الإضرار به بشكل غير مباشر نتيجة تآكل القدرة الشرائية وارتفاع أسعار الألبسة والمنسوجات المحلية مقارنة بسعر الخيوط  والأقمشة المهربة من الدول الأخرى بأسعار أقل من أسعارنا المحلية لينعكس ذلك على نسيجنا المحلي وتخزين وكساد المنتج السوري في المستودعات بدلاً من تصريفها محلياً وخارجياً، منوّهاً إلى انعدام تصدير المنتجات النسيجية في الوقت الراهن مع غلبة سمة التقليدية على صناعات السجاد في معامل القطاع العام نتيجة قدم الأنوال والعمل في معملي دمشق والسويداء الوحيدين بآلات يدوية بدائية “أكل الزمن عليها وشرب”، فتغيير نقشة السجاد يؤخر عمل المعمل حوالي ال6 أشهر، في حين تمتلك معامل القطاع الخاص آلات ومعدات متطورة، لكن ما يميز صناعة سجادنا هو أن نسبة الصوف الداخلة 100% في حين تحوي صناعة السجاد في الخاص على نسبة من النايلون تصل إلى 25%.
أولويات 
وعلى الرغم من انتهاء فصول الحرب في أغلب المناطق الصناعية إلّا أن إقلاع المعامل المدمرة لا زال برسم الانتظار، إذ يوجد 11 شركة نسيجية متوقفة عن العمل و موزعة بين حلب ودمشق إضافة إلى وجود شركتين متوقفتين قبل الحرب، في حين استطاعت شركة زنوبيا وشمرا في حلب الإقلاع في العام الماضي وباشرت العمل والربح، كما انتعشت شركة الخماسية في دمشق وعادت للعمل، ولفت عزوز إلى وجود خمس شركات غزل عاملة في القطر اليوم، وثلاث شركات للنسيج،  أما شركات الإنتاج الأخرى فيوجد شركة وسيم والشرق وزنوبيا وشمرا والجوارب والنايلون والأصواف والسجاد، وجميعها تعمل بالحد الأدنى من الطاقات المتاحة، إذ بلغت كمية إنتاج الغزول القطنية 2475 طن لغاية شهر تشرين الثاني من العام الماضي، في حين وصل إنتاج الغزول الممزوجة إلى 730 طن وهي أرقام متواضعة بالنسبة للخطة الموضوعة لعدم توفر المادة الأولية.
وقدّم رئيس الاتحاد جملة من الأولويات التي يجب السعي لها ويأتي في مقدمتها  الحفاظ على استمرارية الإنتاج والحفاظ على الجودة بنسبة ولو قليلة، إضافة إلى ضرورة تحديث الآلات القديمة وتحفيز العمال العاملين اليوم على تأهيل الآلات الميتة والتي دخلت في مرحلة الاهتلاك وإعادة إحياءها بأيدي خبيرة، إذ لا تصل صلاحية المدير العام لمكافئة العمال لأكثر من 3000 ليرة فقط، ناهيك عن ضرورة السعي لتثبيت العمال لتحقيق الاستقرار المالي والاجتماعي، ودعا عزوز إلى استثمار أراضي الشركات المدمرة غير القادرين على تأهيلها بحيث نضع عائدية الاستثمار بخدمة تطوير عمل وآلات الشركات العاملة.
ربع طاقة! 
تجاهل الحلول والمقترحات والتوصيات التي تخرج بها الورش والندوات من قبل المسؤولين قد يقلص الصناعات المحلية بشكل عام والصناعات النسيجية بشكل خاص برأي الخبير الاقتصادي إسماعيل مهنا، فالمعامل التي بقيت تعمل لا تنتج اليوم أكثر من ربع طاقتها الإنتاجية بسبب عدم توفر التيار الكهربائي بالشكل المطلوب الذي له التأثير الأكبر على انخفاض إنتاجية المصانع، وكذلك فإن حجم العمالة ودفع رواتبهم أيضاً له تأثير كبير على انخفاض الإنتاجية، الأمر الذي يتطلب دعم مصانع النسيج عن طريق تأمين المواد الأولية، وتوجيه جميع منتجات النسيج لتلبية الاحتياجات المحلية والعودة إلى التصدير ومنافسة المنتجات العالمية، لافتاً إلى فقداننا هذه المكانة لسنوات طويلة لا بسبب الحرب فقط بل نتيجة السياسات الاقتصادية وتراجع محصول القطن السوري منذ السنة الأولى للحرب لنصل اليوم إلى حالة احتضار هذه الصناعة ما لم يتم إنقاذها في الرمق الأخير، لذا لابدّ من البدء بإعداد ملفات الفرص الاستثمارية ذات الأولوية للمشاريع الصناعية الضرورية، إضافة إلى إعداد دراسات جدوى اقتصادية وفنية موسعة لشركات القطاع العام الصناعي التي دمرت بفعل الأزمة سواء لتغيير نشاطها، أو متابعة نشاطها القديم، وإعداد برامج تأهيل للعاملين الحاليين والجدد في كافة الاختصاصات التي تتطلبها مرحلة إعادة الإعمار، وخاصة الصناعات ذات الأولوية، وفي مقدمتها الصناعات النسيجية، مع ضمان توفير الحوافز اللازمة لتشجيع العمال على الاستمرار بالعمل وتطويره.
ميس بركات-البعث