جامعاتنا.. هل هي قادرة على القيام بـ “المهمة الثالثة” وتحقيق التغيير المجتمعي المطلوب؟

جامعاتنا.. هل هي قادرة على القيام بـ “المهمة الثالثة” وتحقيق التغيير المجتمعي المطلوب؟

أخبار سورية

الثلاثاء، ٢٤ يناير ٢٠٢٣

جهود كبيرة  تُبذل حالياً على مستوى العالم لجعل المسؤولية الاجتماعية للجامعات بُعداً مركزياً للتعليم العالي، وهناك من يتوقع أن “تصبح الجامعات المنخرطة في خدمة المجتمع هي النموذج المهيمن في العقد القادم”.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل جامعاتنا الحكومية والخاصة قادرة على القيام بهذا الدور المهمّ في ظل ما تعانيه من صعوبات فيما يخصّ أداء مهامها ووظائفها في خدمة العملية التعليمية والبحث العلمي؟.
أداء خجول!
للأمانة كان هناك تحرك لبعض الجامعات السورية في هذا الاتجاه، ولكنه ما زال خجولاً كونه محصوراً في إطار ورشات العمل وحلقات النقاش الصغيرة، والتي دعت لإعادة النظر في المناهج والبحث العلمي ومشاريع التخرج، بحيث تتضمن بشكل واضح المسؤولية المجتمعية، فالهدف بالنتيجة هو تنمية مهارات وقدرات الخريجين ليكونوا مواطنين منتجين قادرين على مساعدة مجتمعاتهم وإحداث التغيير الإيجابي في الأثر المجتمعي للجامعات.
ونظراً لافتقاد جامعاتنا لهذا الدور المجتمعي، دعا بعض الأساتذة لترسيخ مفهوم المسؤولية الاجتماعية، بدءاً من المدرسة بكل مراحلها، وذلك بهدف أن ينضج هذا المفهوم لدى الطلاب قبل وصولهم إلى الجامعة، فيما رأى آخرون أن ذلك حتى يتحقق في جامعاتنا يحتاج إضافة بسيطة وهي (تحسين وكفاية الوضع المادي وبعض الرفاهية المقبولة لطاقم التدريس والبحث العلمي حتى يستمر بالعطاء الجيد).
آن الأوان
الدكتور وائل معلا يعتقد أنه آن الأوان لجامعاتنا الوطنية أن تسعى لإدراج المسؤولية الاجتماعية في صلب برامجها التعليمية والبحثية وممارساتها، شأنها في ذلك شأن العديد من جامعات العالم، مشيراً إلى مقال مهمّ نُشر مؤخراً في مجلة عالم الجامعات الإلكترونية التي تصدر في بريطانيا سلط الضوء على هذا الموضوع، حيث توقع القائمون بالدراسة أن تصبح الجامعات المنخرطة في خدمة المجتمع هي النموذج المهيمن في العقد القادم، وخاصة لجهة ترسيخ المسؤولية الاجتماعية في المناهج الدراسية لتخريج خريجين مواطنين ملتزمين، وبناء قدرات أعضاء هيئة التدريس، فالمؤسسات التي تحقق أكبر قدر من الإنجاز في مجال مسؤوليتها الاجتماعية هي تلك التي تستثمر بشكل كبير في رفع قدرات الأساتذة لدمج المسؤولية الاجتماعية في تعليمهم وتطبيق أبحاثهم لتحسين ظروف المجتمع، وجعل المسؤولية الاجتماعية للجامعة أولوية واضحة في التخطيط الاستراتيجي المؤسسي، ووضع تصور لجهود المسؤولية الاجتماعية وتنظيمها باعتبارها سمة أساسية للوظائف الأساسية للتعليم والبحث العلمي وليس ركيزة ثالثة منفصلة.
غير منفصلين
وبرأي الدكتور خليل عجمي رئيس الجامعة الافتراضية السورية أن أثر الجامعات المجتمعي لا ينفصل عن تأديتها لرؤيتها ورسالتها كمؤسسة معنية بالتعلم مدى الحياة ضمن توجهها العام لتطوير سوق العمل، سواء بترسيخ منطق التعلم بدل التعليم، أو بترسيخ منطق التعلم مدى الحياة الذي يبدأ مع الصغار واليافعين ويمتد إلى ما بعد التخرج والانخراط في سوق العمل، أو في التوجه نحو اختصاصات بينية تجمع تخصصات دقيقة متعددة في قالب أكاديمي- مهني متكامل، أو في تطوير البحث العلمي، وجعل كلّ ما سبق موجهاً نحو تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة.
محور التأثير
ولفت الدكتور عجمي إلى أن “التعلم مدى الحياة” بات اليوم بمثابة المهمة الثالثة للجامعات بعد التعليم والبحث العلمي، وهو يشكل محور التأثير الاجتماعي والاقتصادي لأي جامعة، سواء على بيئتها المحلية أو الوطنية كون هذا المحور يلامس سوق العمل مباشرةً ويسعى ليس فقط للتأثر به، وإنما للتأثير فيه من خلال مساعدة المؤسّسات والعاملين فيها على استيعاب التطورات العلمية والتكنولوجية الجديدة التي تولدها مجالات البحث والتطوير، ومن خلال خلق اختصاصات مهنية بينية متعدّدة التخصصات تساعد في تلبية حاجات مهنية ملحة قد لا تتواجد ضمن أنظمة التعليم. فمجالات اختصاصية بينية كالمعلوماتية الحيوية، والتشريع السيبراني، وإدارة التقانة، وهندسة الجودة، ونمذجة أعمال البناء، وغيرها، باتت اليوم حاجات ملحة لتطوير صناعات حيوية خدمةً للتنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة، وهي تشكل أدوات تأثير مجتمعي حيوية للجامعات لما يمكن أن تقدمه من تأهيل مستمر ونوعي ومتطور لشرائح كبيرة من العاملين المنخرطين في سوق العمل وبما ينعكس إيجاباً على قدراتهم وإمكاناتهم.
في الختام نضمّ صوتنا إلى أصوات أساتذة الجامعات بضرورة أن تخطو مؤسساتنا التعليمية هذه الخطوة البناءة، فدور الجامعات في القرن الـ21 لم يعد ينحصر في التعليم ونقل المعرفة والبحث العلمي، وإنما يتعداه إلى أدوار حيوية ومعقدة وسط تحديات كبيرة لجهة دورها ومسؤوليتها في المجتمع، خاصة وأن العلاقة بين الجامعة والمجتمع تتسم بالتشاركية والتفاعلية الكبيرة، فهي تقوم بتأهيل الكوادر البشرية المؤهلة والقادرة على  تنمية المجتمع وتطويره بمختلف المجالات.
وتجدر الإشارة إلى أن جامعاتنا طرحت منذ عدة عقود شعار ربط الجامعة بالمجتمع، لكن هذا الشعار بكل أسف لم يتحقق على أرض الواقع كما خُطّط له، فالبحث العلمي سواء التنموي الاقتصادي أو الموجّه نحو المسؤولية الاجتماعية ما زال في أغلبه ورقياً، وربما معدوماً في شقه الثاني، ومستوى الخريجين عليه الكثير من الإشارات، وهذا ما يتنافى أو لا ينسجم مع الدور المجتمعي للجامعات المعول عليه مستقبلاً، فنحن اليوم أحوج من أي وقت مضى لخريجين قادرين على تحمّل المسؤولية الاجتماعية ليكونوا قادة حقيقيين للتغيير المطلوب في مجتمعاتهم.
غسان فطوم-البعث