مراهقات في حالة من الثورة الدائمة وعدم التوازن.. كيف يبني الآباء علاقة مثالية؟

مراهقات في حالة من الثورة الدائمة وعدم التوازن.. كيف يبني الآباء علاقة مثالية؟

أخبار سورية

الاثنين، ١٦ يناير ٢٠٢٣

صور الحياة اليومية في ظل الوضع المعيشي الصعب تنذر بخطر يحدّق بالكثير من الفتيان والفتيات خوفاً من استسهال الحصول على النقود لتلبية حاجياتهن ورغباتهن، خاصة المراهقات منهنّ.
 
وتأخذ التنشئة الاجتماعية للأولاد دوراً كبيراً في الحياة، فعندما يولد الطفل تكون رعايته متقاسمة بين الأب والأم، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هناك عقدة “أوديب” والتي تعني تعلّق الطفل الذكر بوالدته، يقابلها عقدة “إليكترا”  وهو مصطلح يشير إلى التعلق اللاوعي للفتاة بأبيها وغيرتها من أمها. وهكذا يتنافس الأبناء على حب والديهم والشعور بالغيرة ممن يقترب من أحدهما، وفق ما ذكر ، وهذا الوضع يبقى طبيعياً حتى سن سبع سنوات تقريباً ثم يبدأ الانفصال العاطفي حيث يتحول إلى إعجاب وصداقة خاصة بين الأب وابنته، وبين الأم وابنها ويستمر هذا الوضع حتى سن المراهقة.
 
بسلام ولكن؟
 
ويعتبر سن المراهقة، بحسب الدكتور غسان منصور، أستاذ التربية في جامعة دمشق، سنّ المشكلات والصراع بين العواطف والمشاعر، وبين الغرائز والأخلاق والمفاهيم الاجتماعية، حيث يعيش المراهق حالة من التنافس المعرفي بين أنواع الصراع وبين ما هو موجود في الواقع، فإذا كان الواقع جيداً يسوده تبادل المشاعر بين أفراد الأسرة تمرّ مرحلة المراهقة بسلام، ولكن في حال كان الوضع الأسري مفككاَ ستمرّ هذه المرحلة بصعوبة على المراهقة وعلى أهلها.
 
بيئة شرقية
 
ولم يخفِ الدكتور منصور أن الكثير من العائلات في مجتمعنا تعاني من مسألة تفضيل الذكور على الإناث، وهذا الإرث الاجتماعي الصعب يجعل الفتاة تعاني، خاصة عندما لا يستطيع الأب التفاهم مع ابنته المراهقة التي تعاني فقدان العواطف تجاه حبيبها الأول “الأب” ولا تستطيع إخباره بذلك فتعيش حالة من التناقض الصعب ما يجعلها تتجه عاطفياً لكبار السن لتعوّض النقص الحاصل معها، لتبدأ معها مشكلات كثيرة مما يجعلها بحالة ثورة دائمة وعدم توازن لا تستطيع التعايش معه، هنا يحاول بعض الآباء جاهدين السعي إلى الخلاص من هذا الوضع ومحاولة تزويج بناتهن لأول عريس خشية “الخوف من الخطأ، والسمعة السيئة” ولكي يطمئن الأب أن ابنته ستعيش في كنف رجل يخاف عليها ويحافظ عليها.
 
وهذا الموضوع خاطئ تماماً والكلام لـ د. منصور لأن الفتاة تحتاج أبيها في كل مراحل حياتها حتى إن تزوجت فهو حبيبها الأول ولن يكون أحد في منزلته أبداً، لكن ما يحدث في مجتمعاتنا (تفضيل الذكور) لا يمكن حلّه أبداً مهما كانت سمات الحضارة وسمات التحضير يبقى الإرث الاجتماعي أقوى بكثير، والقليل جداً من الآباء ممن يتبادلون الحب والإعجاب مع بناتهم، لذلك لا يمكن الوصول إلى مكانة الذكر في العائلة مهما كانت مكانة الأنثى، وهذه العقدة الاجتماعية هي وراء الكثير من تدمير المشاعر لدى المراهقات والسعي لتعويضها بشكل غير مرغوب اجتماعيا.
 
أفضل رجل في العالم
 
وبحسب الباحثة الاجتماعية ندى بَعبع، فإن الأب هو أفضل رجل في العالم بنظر ابنته، مشيرة إلى أن علاقته بابنته منذ مرحلة الطفولة يمكن أن تُحدّد شخصيتها مع دخولها مرحلة المراهقة ومن ثم النضج، باعتبار فترة المراهقة من أهم المراحل التي يجب أن تكون البنت فيها قريبة من والدها. و برأي بَعبع أن هذا الترابط يعطي نوعاً من التوازن النفسي لدى الفتاة أمّا من الناحية الأخرى، فعلى الأب مسؤولية كبيرة بإظهار حبه وثقته مما يساعد كثيراً في تكوين شخصية ابنته وإعطائها ثقة لمواجهة المجتمع، وإلى جانب ذلك على الأب أن يثق بتصرّفات ابنته في غيابه وأن يعطيها حريّة التصرف، وأن يكون قدوتها بأخلاقه وتصرّفاته، وعليه أن يراقب سلوكه جيداً في التعامل مع الآخرين داخل المنزل وخارجه وخصوصاً الأم، فذلك يُولّد الاحترام، فإذا اختفى هذا الاحترام يوماً ما ستتأثّر العلاقة سلباً ولن يكون الأب هو رمز “الرجل الحقيقي”، وبالتالي ستفقد البنت ثقتها بكل من حولها من الجنس الأخر.
 
غياب الأب
 
وتؤكد الباحثة الاجتماعية أن غياب الأب عن حياة ابنته قد يتسبب في ضعف شخصيتها وفشلها في التعامل مع الآخرين، فمهما كانت الأم قوية الشخصية فهي لا تُعوّض مكانة الأب، وبالتالي يزداد شعور الفتاة بالحزن، بالإضافة إلى زيادة احتمالية الإصابة بالقلق الاجتماعي، والاكتئاب، خاصةً في حال كان هذا الغياب ناجماً عن رفض الأب لابنته، أو تخلّيه عن واجباته الأبوية تماماً.
 
معتقد خاطئ
 
من الأخطاء التي يقع بها الآباء في تربية ابنتهم المراهقة إعطاءها المحاضرات والأوامر ما يؤدي إلى نشوء النزاعات بينهم، ومن هنا ينصح خبراء علم النفس وفق “بعبع” باعتماد أسلوب الحوار مع المراهقة والأخذ بوجهة نظرها، ومن الأخطاء أيضاً التجاهل على الرغم من أن الهوّة قد تكون في كثير من الأحيان واسعة ما بين الطرفين إلا أن الأهل يجب أن يكونوا مدركين لهذا الأمر وأن يعملوا على الحدّ منه وعدم التركيز على سلبيات المراهقة على الرغم من أن الفتاة في هذه الفترة تكون صعبة المزاج.
 
الأمان النفسي
 
إعداد الأطفال في مرحلة الطفولة هو إعداد لمواجهة تحديات المستقبل حيث يكون الجهاز العصبي للطفل مرناً في هذه السن مما يجعله شديد التأثر بمن حوله وخاصة للأنثى لذا يجب أن تنال من التربية المزيد من الحب والاهتمام والإشباع العاطفي وفق المرشدة الاجتماعية نسيبة مسلم، لأن العاطفة  تشكل مساحة واسعة في نفسها وهي تكوّن نفسيتها وتبني شخصيتها وعندما نتحدث عن التربية نخصّ الأم، ولكن للأب أيضا دور كبير في حياة ابنته، باعتباره الجندي المجهول لكل بنت، فدوره لا يقتصر على العناية المادية والاجتماعية ولكن الأهم من ذلك الأمان النفسي، لأن التوازن النفسي لدى البنت يكون من قبل الأب منذ نعومة أظافرها.
 
مرنة لا مقيّدة
 
وشددت المرشدة الاجتماعية على ضرورة أن تكون العلاقة بين الأب وابنته مرنة كلما كبرت، لا أن تكون علاقة سلطوية مقيّدة بقوانين بحجّة أنها أنثى، منوّهة بأنّ الضوابط الدينية والأخلاقية لا تمنع البنت من الأخطاء بقدر ما يمنعها توازنها واكتفاؤها النفسي، فالأب هو ميزان التوازن النفسي لدى البنت فالإشباع العاطفي من قبله ينعكس عليها بالسعادة والراحة النفسية والتفوّق الدراسي، وهو حصنها المنيع من الفساد الذي ينتشر بالمجتمع وصعوبة جرّها للانحراف واستغلالها.
 
ضغط وحرمان عاطفي
 
وبينت المرشدة مسلم أن غياب الأب أو غياب وجوده وتعامله بقسوة وعنف مع ابنته يعتبر السبب الأول لانحرافها خاصة في سن المراهقة، فالتوازن النفسي للبنت يعاني من نقص حاد في مجتمعنا بسبب تفكّك الأسرة، ناهيك عن الوضع الاقتصادي الراهن والضغوط على الأب وعدم صحبته لابنته وإشباعها عاطفياً ومادياً مما يجعلها تنحرف لأن الحرمان العاطفي يلازم البنت طول الحياة وبالتالي تُستغل بسبب ما تشعر به من عدم الاستحقاق وعدم الثقة بالنفس.
 
وتلفت المرشدة إلى أن نسبة 7% من البنات يعانينَ من ضغط نفسي بسب الحرمان العاطفي ما يؤدي لانحرافهن في سن المراهقة بغية الحصول على المال لتلبية مستلزماتهن، لذا على كل أب ألا يغفل عن ابنته ريحانة قلبه وأن يترجم حبه لها بالأفعال لأن أغلب الآباء مبرمجون من قبل المجتمع بأن الدلال يُفسد البنت، ومن واجب كل أب أن يكرّم ابنته “كريمته” بحبه وماله ويسعى قدر استطاعته لتأمين كل ما تحتاجه.
 
ليندا تلي