بابا نويل” العيد.. ماذا يخبىء لنا بين فرح الطفولة وحلم خلاص عذابات السوريين!

بابا نويل” العيد.. ماذا يخبىء لنا بين فرح الطفولة وحلم خلاص عذابات السوريين!

أخبار سورية

الاثنين، ٢٦ ديسمبر ٢٠٢٢

 وائل علي – محمد محمود – دارين حسن
ماذا يخبىء بابا نويل في جعبته هذا العيد؟ سؤال يتردد على الألسن والشفاه، وفي القلب غصة وخشية وخوف من الغد، ليس عبثاً عندما نحتفي بعيد ميلاد السيد المسيح علينا من ذكره السلام، وليس عبثاً أن تزدان البيوت السورية – كل البيوت- وتضاء بأشجار الميلاد ومغارة طفل الميلاد وأمه السيدة مريم عليها السلام وتُردد التراتيل والأناشيد احتفالاً بميلاد المسيح، وأن تتسابق مختلف الفعاليات الاجتماعية والاقتصادية والدينية لإضاءة شجرة الميلاد في الساحات العامة والحدائق تعبيراً عن الفرح الذي يسكن الصدور والأمل بالفرج القادم الذي ربما تحمله معها “بقجة” بابا نويل الممتطي عربته وسط الدروب المثلجة مطلقاً صيحته وقهقهات ضحكته الشهيرة التي يحفظها الصغار والكبار على حد سواء حتى باتت على كل شفاه ولسان.
علّ عيد الميلاد يخلصنا من العذابات التي تُطْبِقُ على السوريين في كل الاتجاهات والصعد، من هنا أهمية عيد الميلاد، عيد المحبة والسلام والتسامح والتآخي.
نستضيء في هذا الملف بعيد الميلاد وبهجة معانيه وخصاله من خلال الريبورتاج التالي
كلمة الله
الشيخ عبد الله السيد مدير أوقاف طرطوس يقول: كان سيدنا المسيح عليه السلام كلمة الله، وسره ومعجزته، ولطالما أثنى عليه، وعلى أمه مريم العذراء في القرآن الكريم (إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين) آل عمران -45-.
مؤكداً: من لا يعرف الحب لن يستطيع أن يكتب عن السيد المسيح عليه السلام فهو رسول المحبة الذي جاء بروح النصوص، وعدم الوقوف عند حرفيتها، وحمل القيم العظيمة، وكرس الأخلاق في دعوته وبشارته. وأن الاحتفال بالسيد المسيح عليه السلام ليس مجرد فعاليات، أو مظاهر أو استعراض إنما ينبغي أن يكون إحياء للقيم التي حملها، وجاء بها للعالمين. ولاسيما القيم التي تحفظ المجتمع، وتبني العلاقة بين أبنائه على أسس المحبة والعطاء والتكافل والإحساس بحاجة الفقير والمحروم، والعيد فترة للفرح ينسى الناس بها الهم، ويتعالى الموجوع عن وجعه، والمحزون عن حزنه، وهو فرصة للفرح، والفرح عنوانه الرحمة، فنرحم الضعيف، والفقير بيد إحسان تدخل الفرح إلى قلبه، كما قال السيد المسيح عيسى ابن مريم “طوبى للمتراحمين أولئك المرحومون يوم القيامة”.
دور مستمر
وعن دور مديرية الأوقاف في هذه المناسبة وغيرها من المناسبات الدينية أشار السيد إلى أنها حاضرة فيها دوما بكافة جوانبها بالتنسيق مع الكنائس ورجال الدين المسيحي حيث تقام عدة فعاليات تختلف من عام لآخر حسب ما تقتضيه الظروف، ففي العام الماضي على سبيل المثال كان هناك حفل ضخم وغداء لأبناء الشهداء نظمته مديرية الأوقاف بمناسبة عيد الميلاد بالتعاون مع الكنائس في طرطوس، وكذلك أيضا تم على مستوى سورية حفل إطلاق لكتاب (العلاقة الإسلامية المسيحية سورية نموذجا للعالم) بين وزارة الأوقاف وبطريركية الروم الأرثوذكس حيث تم إطلاق الكتاب من الكنيسة المريمية بدمشق.
ووجه الشيخ عبد الله السيد رسالة بمناسبة الاحتفاء بالسيد المسيح عليه السلام مؤكدا أنها ذكرى ينبغي أن تجعلنا محبين ومخلصين وصادقين نحس بآلام بعضنا ونتحسس أوجاع الآخرين عسى أن نخرج من هذا الضيق، وتلك الأزمة التي تمر ببلادنا.
أخوة واحدة
من جهته المونسنيور أنطون ديب النائب العام لمطرانية اللاذقية وطرطوس وحمص وحماة للموارنة قال: في هذا الزمن المقدس الذي يتحضر به العالم بأسره للاحتفال بعيد تجسد كلمة الله على أرضنا، فكل نبوءات أنبياء العهد القديم انتظرت هذه اللحظة، وقبل سبعمائة سنة من تجسد المسيح تنبأ اشعيا وقال “ها إن العذراء ستحبل وتلد ابنا يدعى عمنويل وترجمها إلهنا معنا” ففرحت الأرض بقبول نعمة الله الذي تجسد طفلا متواضعا وديعا دون زرع بشري في حشا مريم العذراء، وأصبح الكون بأسره يتهلل سعيدا فالملائكة رتلوا وهتفوا “المجد لله في العلا، وعلى الأرض السلام، والرجاء الصالح لبني البشر”.
وحين بشر الملاك الرعاة بولادة الطفل يسوع قال لهم ها أني أبشركم بفرح عظيم وباختصار ولادة المسيح على ارضنا يزرع في قلوبنا الفرح الإلهي وليس الفرح البشري ويمنحنا السلام والطمأنينة وهو الذي قال “سلامي أعطيكم لا كما يعطيه العالم”.
مضيفا: اليوم في زمن قل فيه الفرح ونقصت فيه السعادة، والسلام أصبح شبه معدوم ما أحوجنا لميلاد جديد يزرع في قلوبنا هذه النعم، والخصال السماوية ويجعل من البشرية جمعاء إخوة واحدة تتعايش بقلب نقي لا يشوبه حقد أو كراهية أو تفرقة.
قلوب نظيفة
وبين المونسنيور أنطون ديب كيف نتحضر لهذا العيد بالقول: علينا قبل كل شيء أن نتهيأ روحيا بالتوبة والمغفرة لمن أساء إلينا وبالقلب النظيف والفكر الصافي، صحيح أن العادات والتقاليد الأخرى التي نعرفها جميلة جدا كالمغارة والزينة والشجرة والحلويات، لكن كل هذه الأمور ليست جوهرية وإنما قشور، والجوهر أن يكون قلبي وعقلي مغارة تستقبل هذا الطفل الإلهي، وأن أشع من خلال ملاقاتي مع الآخر محبة المسيح فبهذه الطريقة أكون إنجيلا بشريا.
أما البعد الثاني بعد القلب النقي والفكر الصافي والذي هو بيت القصيد فهو –حسب ديب- مساعدة المحتاجين واليتامى والأرامل والفقراء لأن المسيح كان بإمكانه أن يولد في قصر إنما اختار أن يكون سريره مزوّد ومعلف البقر والبهائم وكانت مدفأته نفس الحيوانات.
وفِي مكان آخر من الإنجيل يقول المسيح: “كنت جائعا كنت عريانا كنت سجينا كنت مريضا، فيقولون له متى رأيناك جائعا ومريضا وعريانا فيجيبهم قائلا كل ما صنعتموه لأحد إخوتي الصغار فلي قد فعلتموه” وفِي مكان آخر من الكتاب المقدس يقول: إن من يحسّن للفقير إنما يقرض الله تعالى فنحن في تعليمنا المسيحي لا تقتصر هذه الأمور فقط في أزمنة الأعياد ولكن يجب علينا كما هو الحال في مطرانيتنا فعلى مدار السنة نساعد المرضى من خلال تقديم الدواء وإجراء العمليات ونساعد الطلاب ببدل شهري، وهناك بدل ايجار المستأجرين النازحين وحليب أطفال وحفاضات، وهذا كله بفضل راعي الأبرشية المطران انطون جبير اللبناني الجنسية، الذي أحب سورية، فيذهب مسافرا إلى بلاد الاغتراب ليدعم ويساعد أسر الشهداء بلا تمييز، وتحسين واقع سجن طرطوس.
دعوات مأمولة
ما نتمناه في هذا العيد المبارك أن يمنح المسيح المولود على أرضنا لكل السوريين نعمة الصبر لأن هذه المرحلة الصعبة التي نمر بها نتيجة الحالة الاقتصادية والحصار وكل هذه المعوقات لا نتخطاها إلا بالصبر والصلاة.
ولنتعلم من أجدادنا الذي ضاعوا وفقدوا في السفر برلك، وزمن المجاعات فاتكلوا على نعمة الله ورفضوا الهجرة، وأطلب من الله في كل صلاة أن يحفظ رؤساءنا الروحيين والمدنيين وأن يمن عليهم بالحكمة ليقودوا سورية الغالية موطن مار مارون ومار سمعان العمودي إلى بر الأمان وعلى رأسهم السيد الرئيس بشار الأسد ادامه الله وحفظه.
رغم الصعوبات
رغم الصعوبات والملمات والحصار والخناق تتابع الطوائف المسيحية التحضيرات للاحتفال بميلاد السيد المسيح، رسول المحبة والسلام، لتصنع حبا وتنشد فرحا وتعلن أملا بغد يملؤه الحب والتسامح والأمن والأمان في بلد السلام، وفي غمرة التحضيرات ومن أجواء الفرح أفاد الأب يوسف سلوم كاهن رعية الكفرون ورفقة زريق وكفرون بدرة ونبع كركر وجبل السيدة  “للبعث الأسبوعية” أنه في كل سنة بهذه الفترة التي تسبق عيد الميلاد المجيد بتاريخ ٢٥ / ١٢ حسب التقويم الشرقي تستعد الطوائف المسيحية كاملة لاستقبال ذكرى ميلاد الرب يسوع المسيح، رسول المحبة والسلام، وعند ولادة الرب يسوع المسيح هتفت الملائكة “المجد لله في العلا وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة” فهذه الآية سبب تسمية الرب يسوع بأنه رسول المحبة والسلام.
إضاءة شمعة في عتمة
وأضاف سلوم: نحاول هذا العام أن تكون أعيادنا متوائمة مع ظروف البلاد وأحوال العباد، وجل هدفنا أن ندخل الفرحة لقلوب الناس المنتظرة من عام لآخر، مبينا أن العيد يبدأ بفترة احتفالات وذلك بإضاءة شجرات الميلاد، ففي طرطوس تم إضاءة شجرة وكذلك في اللاذقية، وفي الرعية لدينا في/٢٣/ الشهر الجاري الساعة السادسة مساء إضاءة شجرة في كفرون بدرة، لافتا إلى أن الشجرة ستكون تدوير لشجرة العام الماضي تجنبا للبذخ، وبنفس الوقت نشعل شمعة بهذه العتمة الكبيرة، كما ندرب الأطفال على تقديم كورال وأغاني ميلادية وتراتيل، حيث سيكون لدينا عرض للكورال يوم الاثنين /١٩/ الشهر في كورال المشتى والكفرون بكنيسة المشتى الساعة السادسة مساء.
وأشار سلوم إلى أن الكنيسة تسعى مع أبناء البلد والمغترب والجمعيات من لجان الكنيسة لصنع الهدايا لتوزيعها للأطفال، كما سيكون لدينا مجموعة من الشباب في ثلاث قرى هي كفرون وبدرة والنبع، يقومون بدور بابا نويل وبإيصال الهدايا لمنازل الأطفال ليلة /٢٣ و٢٤/ الشهر، من الساعة الرابعة حتى الثامنة، لينشروا بهجة وفرح العيد في قلوب الأطفال والكبار، وينطلق البعد الإنساني لعيد الميلاد، حسب سلوم من اهتمام الإنسان بأخيه الإنسان، وإيماننا يفرض علينا أن نخدم الإنسان المحتاج مهما كان لونه ودينه وجنسه، فهكذا علمنا الرب يسوع المسيح في الإنجيل، كما نعلم أولادنا أغنية: عندما نسقي عطشانا كأس ماء نكون في ميلاد٠٠٠ وعندما نكفكف الدموع نكون في ميلاد٠٠ وعندما نكسي عريانا نكون في ميلاد، وبالتالي يكون مبدأ العطاء هو العيد وهو ما نستمده من قصة الميلاد نفسها كيف أن المجوس أتوا من الشرق ليقدموا للمسيح هدايا عبارة عن ذهب ولبان ومر، فالذهب يقدم للملوك واللبان يقدم للآلهة والمر للأموات وقال: إن المتغيرات بين الأمس واليوم في أعياد الميلاد، مؤكدا أن النفس الاستهلاكي أكبر والغربة عن العيد الحقيقي، مشيرا إلى أن عمق العيد هو بلقاء الإنسان بالآخر، المحتاج والضعيف للشعور بالأمان، موضحا أن معاناة الطوائف المسيحية لا تختلف عن معاناة عموم الشعب، فلا وجود للكهرباء لإضاءة الشجرة التي ستضاء وقت الافتتاح فقط، كما توجد صعوبة بتأمين المحروقات، لذلك نكتفي في صلواتنا المسائية بالصلاة على الشموع.
وأشار الخوري وفيق عيسى من كنيسة البرج بصافيتا إلى أنه وفي كل عام يقام في مدينة صافيتا مهرجان فرح، يتجلى بإضاءة شجرة الميلاد واحتفال لأهالي المدينة وفي الكنائس، ونرفع الصلوات في الأعياد الدينية التي تشارك بها كل الفعاليات، حيث كان لكورال حلم وكورال حنين مشاركة في قصر الثقافة بصافيتا، موضحا أن شجرة الميلاد تقام من خلال متبرعين.
وذكر الأرشمنديت مروان الحلو من كنيسة السيدة في مشتى الحلو أن الكنيسة الأرثوزكسية تؤمن أن الصلوات إلى صاحب العيد السيد المسيح، لإبعاد الشر والفساد من أفكارنا، كما نقوم بمساعدة المحتاجين والفقراء، حسب الإمكانيات ومساعدة الميسورين، وقال: في أعيادنا اليوم يبرز العوز والضائقة الاقتصادية لكن إيماننا وفرحنا بالمولود باق، والفرح سيستمر رغم التعب الكبير، وأن الظروف الخارجية هي التي تغيرت وتحكمت بنا كأنها غمامة سوداء، لكننا نطلب من رعايانا الصبر، لأن المحبة هي التي تسود على كل شيء، العقبات كثيرة وكبيرة لكن يبقى نور المسيح هو الذي ينير كل ظلام.
عيد السلام والمحبة
أكد الخوري زياد ابراهيم من كنيسة السيدة للروم الأرثوذكس في قرية اليازدية بصافيتا أنه ورغم كل الظروف القاسية التي نمر بها، فإننا نستمر في إضاءة شجرة الميلاد مع فرقة مراسم الكنيسة الموسيقية، لأن العيد للفرح والسلام والمحبة، ولأنه كذلك فإننا لا ننسى العائلات المحتاجة حيث نقدم لهم كل سنة وباستمرار المعونات ليفرحوا كغيرهم وهذا العيد هو عيد الفقراء، كما علمنا السيد المسيح بمجيئه المتواضع.
البعث