دوّامة التزوير تلهب مخاوف المواطن على أملاكه.. عندما يحتال الابن على أبيه يكون ثمة حديثُ آخر لا ترغب «المصالح العقارية» بسماعه..

دوّامة التزوير تلهب مخاوف المواطن على أملاكه.. عندما يحتال الابن على أبيه يكون ثمة حديثُ آخر لا ترغب «المصالح العقارية» بسماعه..

أخبار سورية

الأحد، ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٢

بادية الونوس:
بالتأكيد موضوع تزوير ملكية العقارات من تبعات الظروف التي مرت بها البلاد، وما نتج عنها من ضعف المنظومة الأخلاقية وانتشار الفوضى والفساد والاحتيال بأشكاله إلى حدّ احتيال الابن على أبيه أو الأقارب فيما بينهم أو الصديق على صديقه، هذه الظاهرة موجودة بكثرة وخاصة في المناطق التي تعرضت للتدمير والتخريب.
إذاً ما الإجراءات التي اتخذتها وزارة العدل؟.. وهل القوانين كافية ورادعة وخاصة بعد أن أصبح هناك استسهال لارتكاب الجرم مهما كان نوعه؟
من الواقع
حالات كثيرة رواها لنا أصحاب الشأن بأساليب تزوير متنوعة، لكن الصدمة وفق ما رواه لنا البعض أنها تحدث بكثرة في مجتمعنا حتى فيما بين العائلة الواحدة.
صدمة كبيرة كادت تودي بحياة أبو سعيد لدى سماعه أن المحكمة حجزت على بيته الكائن في داريا، ليتبين بعد التحقيق أن الابن قام بتزوير وكالة عدلية وإمضاءات تم بموجبها التنازل من الأب عن أملاكه لصالح ابنه.
هذه حالة من حالات تحصل هنا وهناك لتزوير ملكية العقارات التي من السهل ربما التلاعب بأوراقها، وخاصة في المناطق التي تم إحراق السجلات العدلية فيها من المجموعات المسلحة.
حالات كثيرة تحدث هنا وهناك بأساليب مختلفة، هل من إجراءات اتخذتها وزارة العدل للحدّ منها والحفاظ على أملاك الناس؟
يؤكد تيسير صمادي معاون وزير العدل لـ”تشرين” أن حالات التزوير في السابق كانت معدودة ومضبوطة ولا تتعدى حالتين سنوياً، لكن الوضع اختلف بسبب ظروف الحرب، حيث بدأت خلال السنوات الأخيرة تحدث حالات استغلال الأشخاص الذين تم تهجيرهم من بيوتهم، إذ تم استغلال غياب هؤلاء الأشخاص ليتم الادعاء بشرائها من خلال عقود بيع غالباً تكون مزورة، كأن يتم استخراج قيد عقاري مزور ليتم التنازل عن العقار.
بالتأكيد هذه الدعاوى ازدادت لكن الوزارة قامت بوضع جملة من الإجراءات حدّت من حالات التزوير والاحتيال على ملكيات الناس، منها يقول معاون وزير العدل إنه في حال ادعاء على عقار بيع أو شراء تم إلزام المحكمة بإنجاز كشف أو تحقيق محلي عن وضع العقار، وفي هذه الحالة يتوجب على القاضي أن التدقيق والتثبت من البيع أنه حقيقي، إضافة إلى توجيه المحاكم للتحقق من صحة بصمة أو التواقيع من الدوائر المحفوظ فيها، لافتاً إلى أن هذه الإجراءات حدّت من التزوير بعقود البيع أو الاحتيال، ناهيك بموضوع التحقق من الهويات عبر أجهزة معينة عالية الدقة تمرر عبر قارئ البطاقات بتقنية عالية، ويتم اكتشاف أي حالة في حال كانت غير نظامية.
وأضاف: تتم ملاحقة الأشخاص الذين تلاعبوا بأوراق الملكية وفرض العقوبات بحقهم، ففي الماضي يلجأ بعض المزورين لشراء ملكية العقار بشكل صوري لأحد أقربائه ويتم بيعه لمرات عديدة حتى يوهم القانون أنه (حسن النية)، ولكن يبقى حق المالك محفوظاً حتى لو حدث تزوير ما، ففي حال اكتشف مالك البيت اللعبة تتم إعادة منزله حتى لو بيع البيت أربع مرات وتتم إعادة العقار لصاحبه الأصلي.
أرشفة 13 مليون وثيقة
يشير معاون وزير العدل إلى أن الكثير من القصور العدلية تعرضت للخراب والتدمير كما السجلات التي تعرضت للتلف والضياع، الأمر الذي سمح للبعض بتزوير الوكالات، وقد عملت الوزارة في هذا الخصوص بالتعميم والتوجيه لكل المحامين العامين بعدم استعمال أي وكالة إلّا بعد مطابقتها مع الأصل.
وأضاف: إن الوزارة لجأت إلى أرشفة الوكالات إلكترونياً منذ عام 2016 حيث تمت أرشفة 13 مليون وثيقة في أنحاء القطر، ففي دمشق لوحدها تمت أرشفة 5.2 ملايين وثيقة وتتم مطابقة أي وثيقة مع الحاسوب للتأكد في حال طرأ أي تغيير أو عزل.
مشيراً إلى أن العديد من المحافظات أصبح فيها إصدار آلي للوكالات ويتم تعديل أي ورقة آلياً وبالتالي تم الحدّ من التزوير وصار لدينا مراكز إصدار في دمشق وريفها وحمص وحماة.
ضعاف النفوس
يرى صمادي أن العقوبات كافية ورادعة ومتناسبة مع الجرم لكن الاستسهال يعود إلى ضعاف النفوس واستغلالهم للظروف الراهنة، لافتاً إلى أنه في كل بلدان العالم التي تعرضت للحروب يصبح فيها خلل في تطبيق القانون، وتكثر وقائع التزوير في المناطق التي تقع خارج سيطرة الدولة، على سبيل المثال داريا تم فيها تدمير المحكمة والسجلات العامة وهذا أثّر على ملكية الناس وازدادت حالات تزوير الملكيات يقابلها زيادة طفيفة في المناطق الآمنة.
كما أنه تتم محاسبة أي موظف تثبت إدانته في هذا الموضوع بدليل أنه تم توقيف عدد من كتاب العدل، إضافة إلى فصل عدد آخر من عدلية دمشق وريفها.
لها أسبابها
لم تقنع العقوبات أو الغرامات أياً كان وتالياً هناك استسهال لارتكاب أي جرم تزوير، في هذا الصدد يؤكد المحامي عبد الفتاح الداية أن من أسباب ظاهرة تزوير ملكية العقارات سفر أصحاب العقارات، واحتراق الكثير من الوثائق الرسمية في كثير من المناطق، وتالياً انتشار الفوضى، فكل تلك الأسباب أدت إلى انتشارها وهي جريمة يعاقب عليها القانون.
لافتاً إلى تعدد أساليب التزوير، منها ما يتم عن طريق تزوير الهويات الشخصية، أو عن طريق تزوير الوكالات العدلية ومنها ما يتم عن طريق تزوير عقود البيع، ومن ثم الذهاب بها إلى المحاكم لتثبيت ونقل الملكيات.
وأضاف: هذه الظاهرة انتشرت كثيراً في المناطق التي بقيت غير آمنة لفترات خلال سنوات الحرب لذلك اتجه القضاء باتجاه التريث في قضايا تثبيت الملكيات للتأكد من صحة الوكالات في دعاوى تثبيت البيع وذلك حتى لا تضيع حقوق الناس.
تعديل العقوبات
يرى المحامي الداية أمام هذا الواقع أن القانون بحاجة لتعديل العقوبات وزيادة الغرامات، بموازاة إيجاد حلول تمنع وقوع هذا الفعل، كأن يكون هناك ربط وتعاون بين المحاكم والوزارات المعنية، للتأكد من صحة الأوراق وإدخال الأتمتة لصلب العمل وتنفيذ دورات تدريبية لأصحاب الخبرات الفنية.
عن العقوبات المعمول بها حالياً يبين المحامي الداية أنه يعاقب الموظف بالأشغال الشاقة المؤقتة خمس سنوات الذي يرتكب تزويراً في الأوراق الرسمية إما بإساءته استعمال إمضاء أو ختم أو صنع صك أو مخطوط ولا تنقص العقوبة عن سبع سنوات إذا كان السند المزور من السندات التي يعمل بها أو في حال إتلافه السند إتلافاً كلياً أو جزئياً، إضافة إلى جملة من العقوبات التي نص عليها قانون العقوبات.
تخفيض العقوبة
ولم يغفل القانون المجرم الذي تقدم بوثيقة من الوثائق لإثبات ملكية مزورة بالعقوبات المنصوص عنها في القانون وبيّن المحامي الداية أنه وفقاً للمادة 454 إذا أقر المجرم بالفعل الجرمي قبل الاستعمال والملاحقة أعفي من العقاب.
المصالح العقارية لا تجيب!
يبدو أن متلازمة (مين بعتك، مين دفعك، مين دفعلك) هي التي تسيطر على ذهنية القيمين على بعض الإدارات، لأننا حاولنا مراراً التواصل مع مديرية المصالح العقارية لريف دمشق وبعد إرسال الأسئلة للمدير بناء على رغبته عبر الواتس حول وجهة نظرهم بهذا الموضوع وما هي الإجراءات المتخذة كجهة معنية في هذا الموضوع..إلّا أنهم فضلوا سياسة الأبواب المغلقة إلى تاريخ كتابة هذه الكلمات، رغم أننا وإياهم نعمل للصالح العام وليس ” للمصالح”!