تشفير قنوات نقل الأحداث الرياضية.. يشعل جذوة سباق «البزنس الرشيق».. والقرصنة خيار الغاية تبرّر الوسيلة

تشفير قنوات نقل الأحداث الرياضية.. يشعل جذوة سباق «البزنس الرشيق».. والقرصنة خيار الغاية تبرّر الوسيلة

أخبار سورية

الجمعة، ٩ ديسمبر ٢٠٢٢

 أيمن فلحوط:
تحولت متابعة الأحداث الرياضية العالمية وحتى العربية وبشكل رئيس على مستوى كرة القدم، مع انتقالها من المتاح في زمن النقل المفتوح إلى زمن التشفير (زمن البزنس)، إلى هاجس لكل أسرة، وهي تبحث عن السبل التي يمكنها مشاهدة تلك الأحداث، وخاصة كرة القدم معشوقة الجماهير، وأبرزها كأس العالم، من دون أن تتكبد أموالاً كبيرة لشراء بطاقات الاشتراك المشفرة، بعد احتكار عملية النقل من قنوات خاصة في كل منطقة من مناطق العالم، سعياً منها لتحقيق المزيد من الأرباح المادية، مستغلة شغف الجماهير في المتابعة، وخاصة لمنتخبات بلدانها المتأهلة للنهائيات في كأس العالم، أو تلك المنتخبات التي تعشقها، فأضحى الموضوع تجارياً بحتاً، فما ذنب المشاهد المحب لمنتخب بلاده أن يحرم من المشاهدة، ويتحمل أعباء اقتصادية، بعد أن كانت بالمجان في عقود سابقة من الزمن، فمن يملك المال الآن هو الذي يشترك فقط في مثل هذه المحطات، وتناسى القائمون على تلك القنوات المحتكرة أن من استحدث نظام التشفير هو العقل البشري، هو أيضاً نفسه الذي يستطيع إلغاءه، وهو ما نراه اليوم على صعيد فك نظام التشفير من خلال برامج معينة تستخدم في الموبايل أو غيره من الأجهزة.
المقاهي أحد الحلول
يرى عدد ممن التقتهم «تشرين» خلال الحديث عن النقل المفتوح والمشفر للأحداث الرياضية، أن المقاهي أضحت أحد الحلول لذلك، لكونها تقدم شاشات كبيرة تحقق متعة المشاهدة من جهة، وتساهم في توفير الفرصة للمشاهد والاحتفال على طريقته مع أصدقائه أو أفراد أسرته، ووصلت تكلفة مشاهدة المباراة للفرد الواحد إلى 4000 ليرة في إحداها في مدينة جرمانا على سبيل المثال، وهو ما يغتنمه أصحاب المطاعم والمقاهي للإعلان عن خدماتهم التي سيقدمونها خلال المونديال العالمي أو الأحداث الرياضية كالدوريات الأوروبية المتابعة ودوري أبطال أوروبا لكرة القدم، وغيرها من تلك الأحداث.
آراء في التشفير
يرى علي سميا أن النقل المفتوح أفضل بكثير من المشفر الذي لا يتابعه مطلقاً، لكونه مرتبطاً بالمال، في حين تشير بسومة سلوم إلى أنها ضد كرة القدم بالشكل الذي وصلت إليه من الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) لأنها أضحت، كما تصفها، تجارة بالبشر، من بيع وشراء للاعبين وتكلفة بالمليارات، في ظل الأزمات الاقتصادية التي تلاحق الشعوب، والفقر الذي نعاني منه في كثير من بلدان العالم، متمنية أن تكون مجانية للجميع، وأن يصل منتخبنا إلى نهائيات كأس العالم في المستقبل القريب.
وتمنى أحمد المنصور أن يقوم التلفزيون السوري بشراء حقوق النقل وينقلها للمواطنين مجاناً، لأن الكثير من الأموال في رأيه تذهب إلى المهرجانات الفارغة، والأولى تحقيق متعة المشاهدة للجماهير.
بدوره الزميل الإعلامي المتقاعد كبرييل الشامي رئيس دائرة الرياضة في صحيفة «تشرين» سابقاً قال: متعة المشاهدة واحدة في الحالتين، خاصة إذا كان فريق التعليق التلفزيوني والتحليل الفني والتحكيمي هو نفسه في القناتين المشفرة والمفتوحة، لكن الحالة النفسية تختلف بين المشاهدين، بين من اعتاد على حضور القنوات المشفرة في المطاعم والصالات، أو في المنزل لقدرته على الاشتراك ومتابعته الدائمة للمباريات الدولية المهمة، وبين من هو غير قادر في الأساس على دفع ما يترتب عليه مالياً للاشتراك في شبكة القنوات الحصرية المشفرة، فهذا الأخير يشعر بسعادة غامرة تفوق أحاسيس الأول عندما يتاح له المجال لمتابعة المباريات في منزله مع أسرته وأصدقائه مجاناً.
مصادر التمويل
الأمين العام المساعد السابق للاتحاد العربي بكرة القدم، الخبرة الكروية العربية والسورية وليد كردي قال: تشكل الحقوق التجارية للأحداث الرياضية (حقوق الرعاية والإعلان والبث التلفزيوني وجميع الوسائل الأخرى الترويجية، التي ترتبط بتلك الأحداث، المصدر الرئيسي لتمويل هذه الأحداث. ففي الماضي كان الاعتماد على الرعاية (كأس العام للشباب كوكا كولا) وعلى الإعلان (لوحات إعلانية ودعائية في الملعب، وفي حدود الاستاد وفي الشوارع وغير ذلك من الوسائل الترويجية).
 
وعمد الاتحاد العربي، وفقاً للكردي، إلى البحث عن مصادر تمويل لبطولاته، من خلال تأمين مبلغ مقبول في أول تجربة عام 1985 في بطولة كأس العرب في الطائف، وظل الأمر على هذه الحال عدة سنوات، ومن دون الحصول على أي عائد من حقوق البث التلفزيوني، تلبية لطلب وزراء الإعلام العرب تشجيعاً لقنوات التلفزيون العربية على نقل البطولات العربية، إذاعات وتلفزيونات، وقد تم تفويض اتحاد إذاعات الدول العربية، ومركزه تونس، بالتنسيق مع الاتحاد العربي لكرة القدم بهذا الخصوص.
التنافس التجاري
بدخول قنوات التلفزيون الفضائية الخاصة في مجال الإعلام أصبح للبث التلفزيوني للأحداث الرياضية أهمية كبيرة، كما يشير الكردي لذلك، حيث أصبحت مشاهدة المباريات ومتابعتها متاحة للجميع، وبذلك أصبحت لتلك القنوات أهمية كبيرة لا تصل إليها قنوات التلفزيون الرسمية .من هنا بدأ التنافس التجاري، حيث لم يعد للقنوات الرسمية سوى شراء حقوق البث التلفزيوني للأحداث الرياضية أرضياً (محلياً)، وأصبح التنافس محصوراً بين القنوات الخاصة.
أرقام خيالية
في ظل التطور الهائل بالبنية التحتية للمنشآت الرياضية، والمتطلبات الهائلة للدول المنظّمة للبطولات الإقليمية والدولية، واستخدام التكنولوجيا في كل مناحي التنظيم، وفي ضوء المتطلبات العالية على الأندية، بعقود اللاعبين والملاعب النموذجية التي تجذب الممولين، أو وجود النجوم في النادي طمعاً بالحصول على ممولين يستطيعون تغطية جزء مهم من النفقات، وكذلك الأمر بالنسبة للاتحادات الوطنية والقارية والدولية التي تنظم الأحداث والبطولات وتتحمل أعباء مادية عالية، ازدادت قيمة حقوق البث لأرقام خيالية مشروطة بالتشفير التام.
ويذكر الكردي الأرقام التي سبق للاتحاد الدولي الإعلان عنها فيما يخص حقوق البث التلفزيوني في المونديالات السابقة القريبة:
كوريا واليابان 2002 أقل من مليار دولار.
ألمانيا 2006 مليار و300 مليون دولار.
جنوب إفريقيا ملياران ونصف مليون دولار تقريباً.
البرازيل 2015 ملياران ونصف مليون دولار .
روسيا 2018 ملياران و800 ألف دولار.
ووصلت تكاليف تنظيم قطر لبطولة كأس العالم إلى 250 مليار دولار.
ليصل إلى نتيجة مفادها: “لا أرى في الأفق إلا التشفير ولا أعتقد أن المقارنة بين التشفير والفتح عادلة”.
لم يعد هناك أي شيء مجاني
رئيس دائرة البرامج الرياضية في التلفزيون السوري – رئيس لجنة الصحفيين الرياضيين – الزميل إياد ناصر أجاب عن العديد من التساؤلات التي تتعلق في هذا الجانب وبالمشاهد السوري، موضحاً قضايا أساسية أهمها أن كل الأحداث الرياضية المحلية والعالمية بحاجة لامتلاك حقوق البث، ولم يعد هناك أي شيء مجاني، أو حدث ينقل بطريقة غير شرعية.
التلفزيون السوري كان ينقل ما استطاع محلياً العديد من الأحداث الرياضية، وكان الاتحاد الرياضي والاتحادات المعنية تتمنى على شاشاتنا الوطنية نقل هذا الحدث أو ذاك، فاليوم إذا أرادت أي وسيلة تغطية خبر كرة قدم أو كرة سلة عليها أن تدفع رسوماً مالية لهذا الاتحاد أو ذاك، فما بالكم باقتناء حقوق بث دوري محلي؟ هذه القضية لا يمكن أن تحل إلا بتطوير القوانين والآليات الناظمة للمؤسستين الإعلامية والرياضية.
وأضاف: من حق المشاهد أن يرى رياضة بلده عبر شاشته، ومن حق الاتحاد الرياضي أن يسوق بطولاته، وهذا يشكل رافداً لموارده المالية، وتالياً النقل المحلي يتطلب تطويراً في تقنيات البث التقني والهندسي وعربات النقل… إلخ، فكيف يحصل ذلك إذا كانت الآليات المعمول بها لا تسمح بهذا الإنفاق المالي، ناهيك بزيادة الصعوبات بهذه النقطة في ظل الحصار المفروض على بلدنا، إذ تفاقمت الصعوبات، ونضيف إليها عدم وجود قناة رياضية محلية، وهذا يزيد من حجم المعاناة، وحتما لو وجدت القناة لكانت هناك مرونة أكبر في العمل الإعلامي.
تبدلت الحال
وبيّن ناصر أن نقل الأحداث الدولية كان أسهل سابقاً في نقل مباريات كأس العالم، والدورات الأولمبية من خلال اتحاد إذاعات الدول العربية، وكانت كل دولة تدفع حصصاً مالية للاتحاد، ومقابل ذلك يحق لها البث التلفزيوني الفضائي لكبرى البطولات الرياضية، وكانت القنوات السورية من ضمن المحطات الناقلة وفق الآلية السابقة. اليوم تبدلت الحال، فلم يعد الاتحاد يقتني كبرى البطولات، وحلت مكانه قنوات محددة احتكرت حقوق النقل لأهم البطولات، لتحل مكان منظومة من عدة دول، ولتصبح هي صاحبة الحق الحصري وهذا انعكس سلباً على دور المحطات المحلية، وأيضاً المشاهد المحلي المُطالب بدفع اشتراكات كبيرة لاقتناء جهاز و«كرت» خاص لمتابعة هذه الأحداث عبر تلك القناة الحصرية، وهذا أوصلنا إلى مفهوم (عولمة النقل التلفزيوني من خلال ما تقدمه القناة الحصرية) إخراجاً وتعليقاً… إلخ.
 
اليوم كل المحطات العربية الرسمية تبدو عاجزة عن الدخول في صراع اقتناء حقوق البث التلفزيوني للبطولات الدولية، وحتى المحلية للأسف اللهم إلا ما ندر.. وإن توفر المال فقد يتيح ذلك نقلاً جزئياً، ولكن عبر البث الأرضي فقط، ولبعض الأحداث التي لا ترتقي حتماً لمتابعة كأس العالم بكرة القدم عبر البث الأرضي؟