مرة أخرى.. “الرجل المناسب في المكان المناسب” حاجة وطن ومواطن

مرة أخرى.. “الرجل المناسب في المكان المناسب” حاجة وطن ومواطن

أخبار سورية

السبت، ١٢ نوفمبر ٢٠٢٢

عبد اللطيف عباس شعبان 
قبل أيام حضرت محاضرة ثقافية تتعلّق بأهم متطلبات تحسين الخبز المشكو من سوء نوعيته في أكثر من مخبز، أكان ذلك في المخابز العامة أو الخاصة، وقد أظهر المحاضر (أستاذ دكتور في الهندسة الغذائية) أن عوامل عديدة تؤثر في نوعية الخبز، ما يوجب أن تراعي إدارة المخبز توفر جميع هذه العوامل التي يتطلّب تحققها مجمل اختبارات وحسابات تظهر ضرورة توافق نتائجها مع الأرقام والنسب المطلوب توفرها علمياً وعملياً في المواد المستخدمة، والحيثيات المطلوبة في إجراءات الإنتاج والتعبئة والتخزين الأولي للمواد المستخدمة والخبز المنتج وطريقة نقله، التي تؤثر بمجملها في نوعية الخبز المنتج حتى وصوله إلى يد المستهلك.
من خلال تمعني في التفاصيل الكثيرة الدقيقة التي أشار لها المحاضر، تذكرت أنه يوجد في جامعاتنا فرع علمي اسمه الهندسة الغذائية، ما يستدعي أن يكون قد تمّ تعيين أكثر من خريج في هذا الاختصاص، في كلّ مخبز حكومي، بحيث لا تخلو وردية إنتاج من مهندس مواظب على دوامه، يدرس ويحسب ويراقب ويحرص على توفر العوامل المطلوبة في مستلزمات ومنتجات المخابز الحكومية، والحال نفسها في مخابز القطاع الخاص، لا بل وفي جميع المنشآت التي تنتج مواد غذائية أكانت عامة أو خاصة، وسواء للاستهلاك البشري أو الحيواني، لأن المنتج الحيواني يصبّ في خانة الاستهلاك البشري.
وأيضاً من المقتضى ضرورة وجود متخصّص الهندسة الغذائية في جميع المعابر الحدودية التي تمرّ عبرها المستوردات الغذائية الجاهزة للاستهلاك أو لغاية استخدامها كمواد وسيطة في إنتاج منتجات غذائية نهائية، لكن استفساراتي وتساؤلاتي من المُحاضِر ومن آخرين، أظهرت لي أن الكثير من المخابز العامة والخاصة ومنشآت إنتاج المواد الغذائية، ومعابر مرورها الحدودية -على تنوعها وتعدّدها- تكاد تكون خالية من وجود هؤلاء المختصين، وتفتقر بعض مستلزمات ومنتجات وإجراءات عملها لتحقق الشروط المطلوبة، وما يجري من اختبارات عرضية تجريها بين حين وآخر بعض الدوريات الرقابية المعنية في ذلك، غالباً ما تكون قليلة ويعتريها ضعف الجدية والموضوعية والصدقية، وقد لا تخلو بعض المخالفات التي تنظمها هذه الدوريات بحق بعض هذه المنشآت من غبن، نظراً لعدم إلمام المعنيين في المنشأة بالشروط المطلوب توفرها فعلياً، وضعف وجود ذلك في بعض مكونات الإنتاج، التي ليس باستطاعة إدارة المخبز أو المنشأة الغذائية التغيير فيها واضطرارها لقبولها كما هي، ويترافق ذلك بخلل الحيثيات المطلوبة في إجراءات الإنتاج، ما يوجب استدراك الاستفادة من خريجي كليات الهندسة الغذائية حيث يجب أن يكونوا.
الحالة نفسها قائمة في خريجي المعاهد والكليات التي تخرّج المختصين في الإحصاء، فمنذ عشرات السنين يوجد معهدا إحصاء في حلب ودمشق، تابعان للمكتب المركزي للإحصاء، وغالباً يوجد قسم إحصاء في أغلب كليات الاقتصاد والتجارة في الجامعات السورية، ومع ذلك يندر أن تمّ تعيين خريجي هذه المعاهد أو الكليات في مديريات المكتب المركزي للإحصاء، أو في مديريات ودوائر وشعب الإحصاء التابعة للوزارات ومديرياتها، ولعقود مضت كانت ولا تزال نسبة كبيرة من العاملين في المكتب المركزي للإحصاء ومديرياته في المحافظات ومديريات ودوائر وشعب الإحصاء في جميع الوزارات والإدارات العامة، من غير المختصين في الإحصاء، وكثيراً ما تمّ تعيين ذوي اختصاصات أخرى في مديريات المكتب، وفي شعب الإحصاء في الجهات العامة باسم تعاقد أو تعيين مؤقت، أو بمسابقة أعطت فرصة الاشتراك فيها لغير المختصين في الإحصاء، علماً أن المقولة الاقتصادية التي تقول: “لا تخطيط بلا إحصاء” تستوجب تكثيف تعيين الخريجين المختصين في الإحصاء، في المكتب المركزي للإحصاء ومديرياته في المحافظات وفي جميع شعب ودوائر ومديريات التخطيط والإحصاء التابعة للجهات العامة، وخاصة وحدات الإدارة المحلية، لضمان تأمين أكبر كمّ رقمي نوعي بين يدي أصحاب القرار.
وأيضاً من الملاحظ ضعف الاستفادة المثلى من خريجي معاهد التنمية الإدارية الحكومية، إذ يشكو أغلب خريجيها من تحييدهم عن المواقع الإدارية المستوجب تعيينهم فيها بعد تخرجهم من هذه المعاهد، علماً أن ترشيحهم تمّ لهذه الغاية، والحال نفسها لكثير من خريجي الكليات الجامعية والمعاهد المتوسطة، الذين لم يجدوا فرصة عمل، علماً أنهم انتسبوا لها لأنها كانت مضمونة التعيين سابقاً، عدا عن عشرات آلاف الخريجين من بقية المعاهد والكليات، ولا يخفى على أحد أن نسبة غير قليلة من الذين يُعيَّنون، لا تتناسب أماكن تعيينهم مع اختصاصاتهم، كلّ ذلك يضعف استثمار جهود من تمّ إنفاق الملايين على تعليمهم، ودوائر الهجرة والجوازات تظهر هجرة أعداد غير قليلة من الخريجين المختصين.
والسؤال الختام: أليست رئاسة مجلس الوزراء معنية -بالدرجة الأولى- باستدراك ذلك، من خلال وزارة التنمية الإدارية، تدعيماً لتطبيق مقولة الرجل المناسب في المكان المناسب، لما في ذلك من خير المواطن والوطن.