الحظر الأردني على المنتَجات الزراعية: أبعدُ من «كوليرا»

الحظر الأردني على المنتَجات الزراعية: أبعدُ من «كوليرا»

أخبار سورية

السبت، ٢٤ سبتمبر ٢٠٢٢

بحجّة انتظار ما ستؤول إليه الحالة «الوبائية» المستجدّة في سوريا، أَوقف الأردن، بشكل مفاجئ، ومن دون إعلام جارته، دخول المنتَجات الزراعية السورية إلى أسواقه، لكنّه أبْقى، بحسب بعض المصادر، على سماحه بعبور الشاحنات السورية واللبنانية أراضيه كـ«ترانزيت» فقط، نحو دول الخليج. قرارٌ أثار حالة من الريبة لدى الأوساط السورية المعنيّة، خصوصاً أن تبريره بتفشّي «الكوليرا» لم يبدُ بالنسبة إليها مقنعاً، ما يستدعي - وفقها - مخاوف من أن تكون ثمّة نيّة لاستغلال ظهور هذا الوباء في سوريا، من أجل عرقلة الجهود الرامية إلى رفع قيمة الصادرات المحلّية، واستعادة الأسواق الخارجية التقليدية
تباينت المعلومات المتعلّقة بوقْف الأردن دخول الشاحنات السورية المحمَّلة بالمنتَجات الزراعية إلى أراضيه. إذ بحسب المعطيات الواردة من معبر نصيب الحدودي، فإن المملكة «قرّرت بالفعل وقف دخول المنتَجات الزراعية السورية إلى أسواقها المحلّية»، وذلك على خلفيّة تأكيد وزارة الصحّة السورية، في الأيّام الماضية، اكتشاف عدّة إصابات بوباء «الكوليرا» في البلاد. لكن وسائل إعلام أردنية نقلت عن نقيب أصحاب شركات التخليص ونقل البضائع، ضيف الله أبو عاقولة، أنه «لا مانع من شحْن الخضار والفواكه والمواد الغذائية القادمة من سوريا». وأوضح أبو عاقولة أن ما جرى منْعه هو «المواد الغذائية غير المعلَّبة التي تَرِد مع الركّاب القادمين من سوريا فقط، بسبب مرض الكوليرا».
من جهتها، تُؤكّد مصادر سورية حكومية، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الجانب السوري لم يتبلّغ رسمياً من نظيره الأردني أيّ قرار جديد بخصوص صادرات البلاد من المنتَجات الزراعية إلى الأردن، أو تلك التي تعبُر على شكل ترانزيت باتّجاه دول الخليج»، مستدرِكةً بأن «الأيام الأخيرة شهدت بالفعل وقْف دخول بعض السيّارات السورية المحمَّلة بالمنتَجات الزراعية السورية، وتحديداً تلك التي كان مقصدها النهائي الأسواق الأردنية، حيث لا تزال متوقّفة عند المعبر الحدودي بين البلدَين». وبحسب المعلومات الأوّلية الواردة إلى الجهات الرسمية السورية، فإن «الحكومة الأردنية اتّخذت بالفعل قراراً يقضي بتعليق استيراد المنتَجات الزراعية من سوريا إلى حين دراسة الحالة الوبائية (...) وستتمّ في ضوء ذلك دراسة أوضاع السيّارات المتوقّفة عند الحدود، واتّخاذ القرار المناسب بشأنها». وبالموازاة، تشير المصادر الحكومية إلى أن «الاستيراد من لبنان إلى الأردن كوُجهة نهائية لا يزال مسموحاً، ولم يطرأ عليه أيّ تغيير، وكذلك الأمر بالنسبة إلى تجارة الترانزيت، فالشاحنات القادمة من سوريا ولبنان لا يزال مسموحاً لها عبور الأراضي الأردنية باتّجاه دول أخرى».
السبب سياسي؟
يثير القرار الأردني المفاجئ تساؤلات عدّة حول خلفيّاته، لا سيما وأن المبرِّر المعلَن له حتى الآن، والمتعلّق بـ«الكوليرا»، يبدو غير مقنع بحسب مصادر سورية مطّلعة تحدّثت إلى «الأخبار». وتُفنّد المصادر هذَين السببَين بما يلي: أوّلهما، هو أن خطورة الإصابة بهذا الوباء مصدرها الخُضار الورقية، وليس الخُضار غير الورقية والفواكه، والسلطات الصحّية في سوريا منعت منذ عدّة أيّام تقديم الأولى في جميع مطاعمها ومنشآتها السياحية والشعبية، في سياق مجموعة إجراءات اتّخذتها للحدّ من انتشار الوباء. أمّا السبب الثاني، فيتعلّق بالتوزّع الجغرافي للإصابات المكتشَفة في البلاد إلى اليوم، والتي تتركّز في المنطقتَين الشمالية والشرقية، وفقاً لما تضمّنته البيانات الإحصائية الرسمية، والتي كشفت وفق تحديثها للثلاثاء الماضي، أن العدد الإجمالي التراكمي للإصابات المثبَتة بالاختبار السريع وصل إلى حوالى 253 إصابة، 180 منها في محافظة حلب، أي ما نسبته 71%، ثمّ دير الزور بحوالى 29 إصابة وما نسبته 11.4%، فالحسكة ثالثةً بحوالى 25 إصابة وبنسبة قدرها 9.8%. وبالتالي فإن نسبة الإصابات المسجَّلة في محافظات المنطقة الشرقية (باستثناء الرقة) والشمالية (باستثناء إدلب)، تمثّل ما يعادل 92.4% من إجمالي عدد الإصابات الموزَّعة على ستّ محافظات، ليست من بينها تلك المنتِجة للخضار والفواكه كريف دمشق ودرعا.
وانطلاقاً ما تتقدّم، لا تقتصر المخاوف السورية على الخسائر التي يمكن أن يتكبّدها مصدِّرو ومزارعو الخضار والفواكه، وإنّما تتعدّاها إلى احتمال استغلال جهات إقليمية ودولية ظهور «الكوليرا» في البلاد، بُغية «الإساءة» إلى المنتَجات الزراعية السورية خصوصاً، والمنتجات المصدَّرة عموماً، وتالياً عرقلة الجهود الرامية إلى زيادة قيمة الصادرات المحلّية، واستعادة الأسواق الخارجية التقليدية للسلع السورية، والتي كانت للأخيرة فيها الكلمة الفصل قبل سنوات الحرب. ولم تتجاوز الصادرات الزراعية السورية إلى الأردن نسبتها المحدودة من إجمالي قيمة صادرات سوريا (2%) في العام الماضي، إلّا أنها تبقى مهمّة لبلد يعيش أوضاعاً اقتصادية صعبة، ويعاني حصاراً غربياً وصلت تأثيراته إلى الغذاء والدواء. إذ تُظهر البيانات الإحصائية التي حصلت عليها «الأخبار»، أن قيمة المنتَجات الزراعية السورية المصدَّرة إلى الأردن ارتفعت من حوالى 4.3 ملايين يورو في عام 2020، إلى حوالى 13 مليون يورو في عام 2021، أي بنسبة زيادة تصل إلى حوالى 200%. أمّا صادرات العام الحالي، فإن البيانات الأوّلية تشير إلى أن قيمتها في الأشهر الثمانية الأولى منه، بلغت حوالى 6.8 ملايين يورو، فيما كان يُتوقّع لها أن تبلغ المستوى نفسه المُسجَّل العام الفائت، بالنظر إلى أن بعض المنتَجات ترتفع قيَم صادراتها في الأشهر الأخيرة من كلّ سنة.
عدم استقرار
منذ أن عاد المعبر الحدودي بين البلدَين إلى العمل الجزئي في عام 2018، بعد طرد الجيش السوري المسلّحين من المنطقة، يشهد النشاط التجاري البرّي تقلّبات عديدة، جلّها مرتبطة بالمواقف السياسية للدولتَين، والضغوط الأميركية، والمخاوف من التعرّض لعقوبات قانون «قيصر». وعلى ذلك، فقد بات تكرار توقّف الشاحنات المحمَّلة بالبضائع والمتّجهة نحو الأسواق الأردنية والخليجية، مشهداً معتاداً يستدعي في كلّ مرّة تدخّل مسؤولي البلدَين لمعالجته. كما أن إجراءات السماح بدخول المنتَجات السورية إلى الأسواق الأردنية عانت من حالة عدم استقرار، كانت تُفضي أحياناً إلى صدور قرار مفاجئ بمنْع دخول بعض السلع والمنتَجات دون غيرها، وبحجج مختلفة.