سوريون يعتاشون على مصادر دخل أنتجتها الأزمة.. خبير تنموي يطالب الحكومة برعايتهم وحماية حقوقهم

سوريون يعتاشون على مصادر دخل أنتجتها الأزمة.. خبير تنموي يطالب الحكومة برعايتهم وحماية حقوقهم

أخبار سورية

السبت، ٣ سبتمبر ٢٠٢٢

 راشيل الذيب:
“هيجان الأسعار وانعدام الأجور” معادلة  تختصر صراع السوريين اليومي لتأمين قوتهم في أبسط أشكاله، وبينما كانت الوظيفة هي المأمن من الفقر، فإنها اليوم أصبحت طرفا في المعاناة، ولئن كان صمود الراتب الشهري أكثر من يومين ضرباً من الخيال توجب الوقوف عند إعجاز السوريين في تأمين احتياجاتهم الأساسية والاستفسار عن مصادر دخلهم الجديدة التي فرضتها اثنتا عشرة سنة من الحرب.
 
كثيرون ممن التقتهم “تشرين” أجمعوا على أن الحوالات المالية التي تصلهم من أقربائهم في المغترب هي خير معيل لهم في ظل هذه الظروف الاقتصادية القاهرة ويقول أحدهم: “لا راتب ولا راتبين بكفي لولا الحوالات كنا متنا من الجوع”.
 
أبو أمجد (أب لخمسة شبان) أوضح أن أجر أتعابه الذي ظفر به لقاء تعهده بالإشراف على عملية إكساء شقة قريبه المغترب وصل خلال فترة قياسية إلى عشرة أضعاف أجره الذي يتلقاه من عمله الرسمي، فكان ذلك مبلغا “إسعافياً”، إن جاز التعبير، تزامن مع موسم المؤونة وكفاه شر إطالة قائمة ديونه.
 
بدوره (أبو وائل) قال إنه وضع شهاداته العلمية جانباً، كما أخذ إجازة من دون أجر من عمله ولجأ إلى تعقيب المعاملات، موضحاً: كلما كانت المعاملة أكثر دسامة وتعقيداً درّت عليّ تعويضا أكبر، سواء كانت لمغتربين أم غيرهم ممن تعوقهم ظروفهم، أي كانت، عن متابعة خطوات سير معاملاتهم بأنفسهم، فهذا يريد دفع بدل نقدي للإعفاء من الخدمة العسكرية، وآخر عليه دعاوى قضائية تستوجب المتابعة و”الدوران” في دهاليز المحاكم، وثالث يريد تجديد جواز سفره وهلم جرا.
 
وللإناث نصيب أيضاً في هذه الانتعاشة المهنية.. (نادين) تعرب عن سعادتها بمواكبتها سوق العمل الرائج، فكان أن خصصت ركناً صغيراً في منزلها لعرض المنتجات التجميلية والبضائع النسائية برأسمال صغير وخطوات ترويجية بسيطة أمّنتها صفحتها ” الفيسبوكية”، فكانت بذلك سنداً لزوجها ومعيناً لعائلتها.
 
ولكي لا نتهم بعدم الموضوعية لا يسعنا إلا أن نذكر مفرزات الحرب الأخرى، من أنشطة لا أخلاقية وغير شرعية أحياناً، ندرجها تجاوزاً ضمن إطار (المهن)، فقد أصبحت مصدر دخل ثابتا اعتاش منه كثيرون بدءاً بالمتاجرة بالخبز والغاز والمازوت، وانتهاءً بالاتجار بالبشر والمخدرات والممنوعات والتسول وكل ما استطاعوا إليه سبيلا.
 
يعتبر الاستشاري في التنمية البشرية محمد خير اللبابيدي في تعليق ل”تشرين” أن الحاجة أم الاختراع، فالإنسان تحت ضغط الحاجة يجتهد ويفكر ويبحث عن بدائل وآفاق أخرى يجد فيها ما يعينه في حياته، لافتاً إلى أن هذه السبل قد تكون مشروعة تخدم الآخرين، وقد تكون خلاف ذلك، أي قائمة على الاستغلال، فتضيق على الآخرين سبل عيشهم، وطبعاً هذا الأمر يرجع أولاً وأخيراً إلى أخلاق الإنسان وتربيته ومعتقداته ووطنيته، وقبل كل ذلك إنسانيته.
 
ولفت اللبابيدي إلى أنه نتيجة الظروف الاقتصادية وانقطاع سبل الأعمال أوجد العديد من السوريين أعمالاً أخرى غير تلك التي اعتادوا عليها، فنجد مثلاً من استثمر مواهبه ومهاراته في استخدام التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي للترويج لموهبته والبحث عن عمل يتوافق معها، ونجد آخرين عملوا في التجارة والوساطة عبر الإنترنت، وبعضهم اتجه لحل مشكلة انقطاع التيار الكهربائي عن طريق شراء مولدات وبيع الكهرباء للناس، وغير ذلك من المهن والأعمال الجديدة التي وجدت نتيجة الضغوط التي ولدها الحصار المفروض على البلاد.
 
وقال اللبابيدي: كل هذه المهن والأعمال هي أعمال مشروعة ما دامت ضمن نطاق الرحمة والأسعار المنطقية والعدالة، مضيفاً: لكن للأسف هناك أناس اعتادوا على الاستغلال، فاستغلوا الأزمة لتحقيق موارد مالية لهم من دون رحمة، بل وصلت بهم الأمور إلى خلق أزمات جديدة في المجتمع واستغلالها عن طريق الاحتكار، كاحتكار المواد المدعومة والمقننة والمتاجرة بها، أو سرقة بعض مقتنيات الناس في المناطق المدمرة وبيعها، أو شراء كميات من المواد الغذائية وتخزينها وبيعها عند ندرة توفرها في الأسواق، وكل هذه الأعمال غير المشروعة تنم عن سوء طوية وتربية فاعليها.
 
وشدد اللبابيدي على أهمية دور الحكومة في دعم الفريق الأول من السوريين ممن أوجدوا أعمالاً تساعد الآخرين وتهون عليهم معيشتهم، والتضييق على الفريق الثاني وأهله الذين يعملون بأعمال قائمة على استغلال الناس والتضييق عليهم.
تشرين