“مونة الشتوية” العين بصيرة واليد قصيرة.. غلاء المواد والتكاليف يجعلها حلماً صعب المنال!

“مونة الشتوية” العين بصيرة واليد قصيرة.. غلاء المواد والتكاليف يجعلها حلماً صعب المنال!

أخبار سورية

الخميس، ١٨ أغسطس ٢٠٢٢

كالعادة في مثل هذه الأيام من كلّ عام، اعتادت الأسرة السورية على تأمين “مونة الشتوية” من المكدوس والجبن و”الشنكليش” والمربيات بكافة أنواعها، ثم في شهر تشرين يأتي تأمين “مونة” الزيتون، وأيضاً الزيت الذي وصل سعره إلى حدود الـ300 ألف ليرة لصفيحة الـ20 ليتراً، ولكن “وا أسفاه.. العين بصيرة واليد قصيرة”، فالظرف المعيشي الصعب لغالبية الأسر جعل المونة مجرد حلم صعب المنال أو لنقل صعب المذاق، ومحظوظ من يستطيع تأمين الحدّ الأدنى من تلك الحاجيات في ظل ارتفاع تكاليفها قياساً بالمستوى المعيشي الصعب.
أسعار فلكية!
بحسب نشرة حماية المستهلك والتي لا تعبّر في كثير من الأحيان عن الأسعار الحقيقية في السوق السوداء، أكد رئيس دائرة الأسعار في مديرية التجارة الداخلية في حماة أحمد حوراني أن سعر كيلو الباذنجان مابين 600 إلى 900 ليرة حسب الصنف، أما الفليفلة الحارة فيصل سعر الكيلو الواحد منها إلى 1500 ليرة، وسعر كيلو الثوم نحو 1000 ليرة، وسعر كيلو الجوز في السوق نحو 40 ألف ليرة، وسعر تنكة الزيت 300 ألف، أضف إلى ذلك تكاليف أخرى كالغاز، حيث يصل سعر الأسطوانة في السوق السوداء إلى نحو 90 ألفاً، وبحسبة بسيطة وقياساً بالأسعار السابقة التي ذكرها رئيس دائرة الأسعار، فإن تكلفة 100 كيلو مكدوس تتجاوز الـ700 ألف ليرة!.
أما بالنسبة للجبن فسعر الكيلو في السوق حالياً 12 ألف ليرة، وبالتالي فإن سعر تنكة الجبن قد يصل إلى 250 ألفاً، وتحتاج الأسرة السورية لتنكتين كحدّ أدنى، أما سعر كيلو القريشة لصنع الشنكليش فيصل إلى نحو 12 ألفاً، في الوقت الذي تحتاج الأسرة لـ40 كيلو كحدّ أدنى أي ما يزيد عن 450 ألف ليرة، وعلى اعتبار أن إنتاج الزيتون هذا العام متدنٍ فقد يصل الكيلو منه إلى نحو 5000 ليرة وتحتاج الأسرة الصغيرة لـ50 كيلو، أما الزيت فيصل سعر التنكة حالياً إلى 280 ألفاً ويحتاج كل منزل لنحو 6 أو 7 “تنكات” منها تُقدّر تكلفتها بأكثر من مليونين، وبعملية حسابية سريعة فإن مؤونة هذا العام قد تكلف المواطن نحو 4- 5 ملايين ليرة، وهو بلا شك رقم فلكي بالنسبة للأسر الفقيرة محدودة الدخل!.
“ضربتين ع الراس”
على الرغم من إمكانية تحايل بعض المواطنين على الكثير من الحاجيات الضرورية وتدبير أمورهم، ترى الدكتورة لمياء عاصي “وزيرة سابقة” أن التحايل على الموضوع لا يبدو ممكناً اقتصادياً لأسباب متعدّدة، أهمها تدني القدرة الشرائية لأغلب المواطنين بسبب ضعف الدخول، وبرأيها أن السؤال عن الحلّ سيبقى مطروحاً، في ظل هذه الظروف طالما أن الفجوة لازالت كبيرة بين الرواتب ومتطلبات الحياة الأساسية بحدودها الدنيا، وهذا غير قابل للجسر بشكل عملي.
ونشير هنا إلى أن غالبية الناس تلجأ اليوم للتركيز على مادة واحدة أو مادتين من المونة كالمكدوس مثلاً وبتكاليف تكاد تكون مقبولة نوعاً ما من خلال شراء أصناف أقل جودة كفستق العبيد بدلاً من الجوز، والتقليل ما أمكن بالكميات كما يمكن أن يستغني المواطن عن الجبن واللبنة والشنكليش والمخللات وغيرها من هذه الأصناف، والاقتصاد بزيت الزيتون وزيوت الصنف الأول، ومع ذلك سيبقى مهزوماً بالديون في حال تأمين تلك الحاجيات بالحدّ الأدنى، ليأتي بعدها بأيام افتتاح المدارس وما يحمله من متاعب لأغلب الأسر التي ستسعى لتأمين حاجيات أبنائها من اللباس والقرطاسية وغيرها، وعلى الرغم من محاولة السورية للتجارة التخفيف من أعباء المواطنين بمنح قرض بقيمة 500 ألف ليرة يتمكّن صاحبه من شراء حاجيات أبنائه من القرطاسية، إلا أن هذا سيؤدي لذهاب “السكرة لتأتي الفكرة” بعد حين عندما سيتمّ اقتصاص مبلغ 45 ألف ليرة تقريباً لسداد القرض شهرياً، وهذا عبء إضافي على الراتب في أول أيام الشهر.
يوماً بيوم
ومن خلال جولة قامت بها “البعث” لاستبيان إمكانيات بعض الأسر لتأمين متطلبات “المونة” وحاجيات أبنائهم المدرسية، ذكرت السيدة علياء أنه في ظل هذه الظروف واعتمادها وزوجها على رواتبهم المحدودة لا يمكن التفكير بتأمين المونة نهائياً، وأن تفكيرهم منحصر بتأمين حاجات أبنائهم الثلاثة، حيث يمضون حياتهم المعيشية يوماً بيوم. بينما العم أبو عمار لم يعد يفكر بالغد ويكاد تفكيره ينحصر بيومه لاهثاً لتأمين متطلبات حياته اليومية وبأقل التكاليف الممكنة، لأنه بات عاجزاً عن امتلاك الحلول البديلة، حسب قوله!.
لم تعد كذلك
ويتذكّر أبو إبراهيم الأيام الخوالي التي كانت فيها البيوت عامرة بكل أصناف “المونة” وبكميات تزيد عن الحاجة، حيث لم تكن الأسرة بحاجة للشراء والتسوق إلا ما ندر، ويروي أن الناس كانت توزع من المونة للأسرة الفقيرة المحتاجة، وخاصة مشتقات الألبان وأنواع المخللات والمربيات والبقوليات من الحمص والفول والعدس والبازلاء وأكياس البرغل والرز وحتى السكر، مضيفاً: بيوتنا لم تكن تخلو أيضاً من الكسائد كالباذنجان والبامياء والزبيب وزيت الزيتون لأكثر من عام.
“الله يرجّع أيام زمان”، دعوات كانت على لسان كلّ من قابلناهم وهم يشكون ألمهم وحسرتهم على ما آلت إليه الأمور، وكلنا أمل أن تنفرج الأحوال وتعود الأيام الجميلة عندما ينقشع الظلام ويعود الخير الوفير ليعمّ كل البيوت ويدخل الفرحة لكل أسرة تحمّلت وأبت أن تغادر أرض الوطن.
البعث- ذكاء أسعد