لما لا ندرس إبداعات أجدادنا.. التغيرات المناخية ستجعل خيارنا – حتمياً – تحلية مياه البحر

لما لا ندرس إبداعات أجدادنا.. التغيرات المناخية ستجعل خيارنا – حتمياً – تحلية مياه البحر

أخبار سورية

الثلاثاء، ٢ أغسطس ٢٠٢٢

 قسيم دحدل
بداية لعلّ المفارقةَ في وضع إدارتنا لمواردنا المائية، قديماً وحديثاً، هي ما تدفعنا للتذكير بالكيفية والطريقة التي كان أهل جزيرة أرواد (زمن الرومان) يحصلون فيها على المياه العذبة، حيث لجؤوا إلى صنع غطاء على شكل قمع من المعدن الثقيل، ويضعون له أنبوباً معالجاً (كخرطوم المياه اليوم)، ثم يقومون بإنزاله إلى قعر البحر ويضعونه على فوهة أحد الينابيع العذبة المتدفقة، ويقطفون الماء.
هذا الذي كان يجعلنا نقول: إنه لا بدّ من الاعتراف بأن إدارة مواردنا المائية ليست على ما يرام، بل نكاد نجزم أنها لا تزال متخلفة في مواجهة أي تحديات مائية طارئة، فكيف بالاستراتيجية؟!، مقارنة بما كان اتخذه أجدادنا من وسائل وأبدعوه من طرق وأساليب للحصول على المياه، حيث إمكانيات ومعدات زمان لا تقارن أبداً بإمكانيات ومقدرات دولة في القرن الحادي والعشرين!.
واقع مائي إلى تقهقر خطير، في منطقتنا عامة وسورية خاصة، كانت أكدته العديد من التقارير والبحوث والدراسات المائية العالمية والوطنية، ولا تزال تؤكده وتؤكد تفاقمه، ورغم ذلك لم نفلح لغاية الآن في ترجمة بارقة أمل لفعل شيء في هذه القضية الوجودية، اللهم سوى التصريحات والإعلان عن مشاريع طالما سمعنا عنها: كجرّ مياه الفرات أو نبع السن إلى دمشق والمنطقة الجنوبية، أو تحلية مياه البحر الحديث طرحها في عام 2018.. إلخ.
مشروعات لم يوضع أي حجر أساس لها -على الأقل – علماً أنه قد مرّ على طرحها سنوات، حيث كان رئيس مجلس الوزراء كشف، عام 2021، عن وجود مشروع ضخم يهدف لتحلية مياه البحر، بالإضافة إلى جر المياه من نهر الفرات إلى مدينة دمشق والمنطقة الجنوبية بشكلٍ عام، وبيَّن أنّ هذا المشروع الكبير سوف يأتي ضمن إطار واحد يهدف إلى تأمين مياه الشرب بعد أن بات حاجة ضرورية، مع انخفاض مناسيب المياه الجوفية وقلّة الأمطار، بالإضافة إلى التوجّه الحكومي نحو استثمار الطاقة البديلة لتوليد الكهرباء، مع وجود مشكلة حقيقية بتوفير الطاقة الكهربائية على كامل البلاد.
كشفُ رئيس الوزراء لم يكن جديداً، حيث كان قد صرّح قبله نبيل الحسن وزير الموارد المائية السابق، في عام 2018، عن عمل الوزارة على تحلية مياه البحر، وأكّد حينها أن المشروع متكامل من جميع الجوانب (مائي كهربائي)، واستراتيجي وبكلفة عالية، مشيراً إلى أنه تمّت ملاحظة بعض الأماكن على الشواطئ للاستملاك، إلا أن المشروع توقف حينها.
تصريحات في مقابل تنامي مشاريع التحلية في عدد من الدولة العربية منذ 40 عاماً، وصلت في مستوى تعدّدها وزيادتها وتطورها مؤخراً إلى مرحلة استخدام الطاقة المتجددة (الشمسية) لتحلية مياه البحر، ففي الجزائر -مثلاً لا حصراً- أصبحت منشآت تحلية مياه البحر تغطي نحو 17% من احتياجات السكان للماء، وهي القدرات التي ما زالت مرشحة للزيادة خلال السنوات القادمة بفضل المشاريع التي هي في طور الإنجاز.
بناءً عليه وبالاستناد إلى أن سورية تقع في نقطة قريبة من خط الفقر المائي، وبالنظر إلى أن عدد سكانها البالغ 23 مليون نسمة، فإن هذا الواقع يتطلّب أن تكون الواردات المائية المتاحة للاستخدام نحو 23 مليار متر مكعب من المياه.
ولعلّ هذا العام بتأثيرات تغيّراته المناخية العالمية والمحلية الواضحة والملموسة، يجعلنا نقرع ناقوس الخطر المائي، وخاصة في ظل تنامي المتطلبات المائية لإعادة الإعمار، وما يرافقها أيضاً من تضاعف الطلب على المياه في الصناعة والزراعة والسياحة.. إلخ، نتيجة لدخول مشاريع جديدة حيّز التشغيل.
وإذا كانت الإشكالية التي واجهت الكثير من الدول العربية هي كلفة التحلية التي تساوي نحو 3 أضعاف كلفة ضخ وتصفية المياه الجوفية، فقد انخفضت نتيجة للتقدم والتطور في مصادر الطاقة البديلة، ليس هذا فحسب، بل أصبحنا نقرأ عن مشاريع تحلية بكلفة منخفضة تحقّق الاشتراطات البيئية عبر تطبيقات “الاقتصاد الأخضر” و”الاقتصاد الدائري” اللذين يمكّنان من تحويل مخلفات تحلية مياه البحر إلى منتجات مفيدة مثل: الملح الصناعي عالي النقاء، والبروم والبورون والبوتاسيوم والجبس والماغنسيوم وعدد من المواد الأولية المعدنية النادرة، التي سيتمّ استثمارها لتغذية عدد من الصناعات والقطاعات الأخرى، وبالتالي الحدّ من التأثير البيئي.
وبرأينا فإن انتظارنا حتى تصبح قضية تحلية المياه خياراً حتمياً لمواجهة ندرة عصب الحياة، هو مخاطرة كبرى وتضاعف كبير للتكاليف والخسائر، فهل نستدرك ونعالج بالسرعة المطلوبة، ونعمل على توطين التكنولوجيا وتوابعها من التدريب وإعداد الكوادر والكفاءات القادرة والمؤهلة لتنفيذ وإدارة مثل هذه التكنولوجيا وتطويرها؟.
البعث