تَعطُّل آلية المساعدات الإنسانية: الصراع الروسي ــ الأميركي يتصاعد

تَعطُّل آلية المساعدات الإنسانية: الصراع الروسي ــ الأميركي يتصاعد

أخبار سورية

الثلاثاء، ١٢ يوليو ٢٠٢٢

تصدّر الصراع الدائر في مجلس الأمن الدولي حول ملفّ إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا المشهد السياسي، بعدما تعثّرت الجهود للخروج بقرار توافقي بين واشنطن، التي تريد تمديد الآلية المتّبعة وضمان استمرار الوضع القائم ميدانياً وسياسياً على ما هو عليه؛ وموسكو التي تحاول جاهدة إفشال مساعي واشنطن، والخروج بآلية جديدة تضمن وحدة الأراضي السورية، وتعطي دفعةً لانفراجة ميدانية وسياسية تحقّق بعض التوازن على الأرض
كما كان متوقّعاً، انتهت، أوّل من أمس، مفاعيل القرار الأممي الذي يسمح بإدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا عبر معبر باب الهوى مع تركيا شمال إدلب، والذي تسيطر عليه «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة)، إذ أعلنت روسيا مراراً رفضها تمديد الآلية المتبعة منذ عام 2014. وترى موسكو أن الآلية المذكورة توفّر للفصائل المصنّفة على قوائم الإرهاب مصادرَ دخل مهمّة، وتعمل على ترسيخ حدود السيطرة القائمة حالياً، وهو ما يهدّد، بحسبها، وحدة الأراضي السورية، وخصوصاً أنها تتجاهل موافقة دمشق.
وكانت روسيا قد وافقت، في تموز من العام الماضي، على تمديد الآلية، بعد جدال تعهّدت خلاله الولايات المتحدة بتقديم دفعة لعمليات «التعافي المبكر» في سوريا - أي توفير تسهيلات لإعادة إعمار البنية التحتية في قطاعات رئيسة، أبرزها القطاع الصحي ومياه الشرب والكهرباء -، والعمل على زيادة المساعدات المُرسلة عبر الحدود. وتقضي الآلية المعطّلة بإدخال المساعدات الإنسانية عبر معبر باب الهوى، بإشراف الحكومة السورية في دمشق التي تقوم بنقلها من نقاط التماس إلى شمال سوريا، حيث تنتشر مئات المخيمات التي يقطنها نازحون قرب الحدود مع تركيا. وتضمّن القرار الذي وافقت عليه موسكو العام الماضي، تمديد العمل بآلية المساعدات لمدّة ستة أشهر، يتبعها تمديد لستة أشهر أخرى، في حال التزام واشنطن بتعهداتها، الأمر الذي أثار صراعاً سورياً – أميركياً جانبياً في شهر كانون الثاني الماضي، حين وافقت روسيا على تمديد الآلية بعدما جدّدت واشنطن تعهّداتها. وخلال الأشهر الستة الماضية، لم تطرأ أيّ تغييرات فعلية على طريقة إدخال المساعدات، حيث استمرّ تدفّقها عبر الحدود بما يفوق إدخالها عبر خطوط التماس بعشرات المرّات، كما لم تخفّف الولايات المتحدة من قيودها المفروضة على إعادة إعمار وإحياء القطاعات الحيوية، وهو ما دفع روسيا إلى الإعلان صراحة عن رفضها تمديد الآلية، مستخدمةً حقّ النقض على مشروع القرار الذي تقدّمت به النروج وإيرلندا، وعلّلت رفضها بالإشارة إلى أن استمرار العمل في الآلية «يتجاهل السيادة السورية».
في هذا الوقت، تقدّمت روسيا بمشروع قرار جديد يتضمّن تعديلات ومحدّدات واضحة لآليّة إدخال المساعدات، أبرزها: مراقبة الكميات المُرسلة، وإجراء مراجعة دورية كل شهر أو شهرين كحدّ أقصى، بالإضافة إلى تقسيم القرار إلى فترتَين، تمتدّ كل واحدة على ستة أشهر، بهدف ضمان إجراء تعديلات في حال عدم الالتزام الفعلي بالآلية. وتضمن هذه الآلية، وفق موسكو، إيصال المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين في الشمال السوري بشكل فعلي وبرقابة واضحة من المنظمات الإنسانية بما فيها «الهلال الأحمر السوري»، والعمل على زيادة قنوات التواصل بين مناطق سيطرة الحكومة السورية والمناطق الخارجة عن سيطرتها، بالإضافة إلى التأكّد من تقديم دفع حقيقي لآليات «التعافي المبكر» عبر نصّ واضح ضمن القرار يؤكد على «تعزيز وزيادة الجهود الدولية والمبادرات لتوسيع نطاق النشاطات الإنسانية داخل سوريا (...)».
المشروع الروسي الذي قوبل بالرفض في ظلّ الضغوط الأميركية - الأوروبية لإفشال موسكو، حيث صوّتت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا ضدّه، وامتنع الأعضاء العشرة غير الدائمين عن التصويت، فيما حظي بتأييد عضوين فقط، هما روسيا والصين، ترافق مع حملة إعلامية موسّعة تضمّنت إغفال ذكره من جهة، والتركيز على «الفيتو» الروسي على المشروع الذي تقدّمت به النروج وإيرلندا، من جهة ثانية. وأريد ممّا تقدّم، تحميل موسكو، التي تواجه ضغوطاً كبيرة على خلفية الحرب الأوكرانية، مسؤولية فقدان نحو أربعة ملايين سوري أحد أبرز سبل عيشهم، في ظلّ الظروف الإنسانية الصعبة التي يعيشونها.
وتدور في أروقة مجلس الأمن محاولات عديدة للخروج بحلّ وسطي، بعدما رفضت روسيا مشروع قرار مشترك تقدّمت به الإمارات، والبرازيل التي تتولّى الرئاسة الدورية لأعمال المجلس هذا الشهر، يتضمّن تمديد الآلية لتسعة أشهر أخرى، كما رفضت أيّ حديث عن إرجاء الصراع مع واشنطن إلى ستة أشهر لاحقة، الأمر الذي ما زالت الوفود الموجودة في مجلس الأمن تحاول إيجاد مخرج واضح له، وخصوصاً أن الموقف الروسي بدا حازماً هذه المرة. ويقابل هذا الموقف آخر أميركي يحاول بشتّى الطرق الإبقاء على الآلية المتبعة وتجاهل دور دمشق، والحرص على عدم تقديم أيّ دفعة حقيقية لـ«التعافي المبكر»، وسط توقّعات بأن يَعقد المجلس جلسة طارئة بعد إعلان النروج وإيرلندا إجراء تعديلات على مشروع القرار المشترك، من دون الإفصاح عن البنود التي تمّ تعديلها. وأيّاً كان القرار الذي سيتم التوافق عليه، يشكّل الصدام القائم حالياً، انطلاقةً لمرحلة جديدة لآلية التعاطي الدولي مع دمشق، والتي تحوَّل اهتمام روسيا بمساعدتها إلى التأكيد على دور الحكومة فيها وعلى سيادتها، ما يعني منْع تجاهل هذه الحكومة في أيّ قرار يتعلّق بسوريا، وإعادة ممارسة دورها الطبيعي كممثل شرعي عن الشعب السوري، الأمر الذي تعتبره كل من دمشق وموسكو، ومعهما الصين، السياق الطبيعي لتطوّر الأحداث في هذا البلد والتي وصلت إلى نقطة إعادة الإعمار، وضمان وحدة الأراضي السورية، والتي تعتبر خطاً أحمر لم يَعُد من المسموح تجاوزه.