حمى الأسعار تجرّد المستهلك المفلس من أسلحته! الأجور بحاجة لعملية إنعاش سريعة ينتظرها الموظف على أحر من الجمر

حمى الأسعار تجرّد المستهلك المفلس من أسلحته! الأجور بحاجة لعملية إنعاش سريعة ينتظرها الموظف على أحر من الجمر

أخبار سورية

الخميس، ٣٠ يونيو ٢٠٢٢

غسان فطوم
منذ أكثر من عام بدأت الأسعار في سورية ترتفع بشكل مخيف ومرهق لجيب المواطن، وبشكل دقيق منذ بداية العام 2021 وما زال الغليان مستمراً،  بعد أن فشلت كل محاولات تبريده، حيث لم تسلم أية مادة من الرفع سواء كانت مدعومة أو غير مدعومة، وما يزيد الطين بلة أن دخل المواطن الموظف بقي غير قادر على امتصاص فورات الأسعار فخارت قواه “الراتب” وسقط أرضاً مما انعكس جحيماً على المواطن بسبب تدهور مستوى المعيشة الذي بات بحاجة ماسة لعملية إنعاش سريعة ينتظرها المواطن على أحر من الجمر.
سؤال ساخن
هنا ثمة سؤال يطرح نفسه: ماذا نحن فاعلون وإلى أين ذاهبون، وأين القاضي العادل الذي يحكم بين التاجر الفاجر والمستهلك المفلس الذي فقد كل أسلحة مقاومة وحش الغلاء؟!.
الرواية الحكومية في تبريرها ما يحصل من أزمات على مختلف الصعد والتي نسمعها دائماً في كل مناسبة تقول “عملنا وخططنا وفعلنا كل ما نستطيع لكن الظروف كانت أقوى منا”.
لا ننكر أن الظروف صعبة، فهذا لا يحتاج لتوضيح، فذلك نتيجة طبيعية للحصار والعقوبات المفروضة على البلد، لكن أن نعلق كل شيء على شماعة الظروف، فهذا تبريراً لم يعد مقنعاً، خاصة وأن هناك قضايا وأمور أو مشكلات تنغص حياة المواطن يمكن التعامل معها والسيطرة عليها، وخاصة ما يتعلق بضبط الأسعار وتطويق الفساد، وأوضح صورة له اليوم ما يحدث في محطات الوقود، من تلاعب وغش كان من نتائجه بيع ليتر البنزين في السوق السوداء بـ 7000 ليرة، وبالقرب من محطة الوقود!
من وجهة نظر أهل الاقتصاد كان على الحكومة أن تواجه الغلاء من خلال العمل على زيادة الاستثمارات بإطلاق المشروعات بالتعاون مع القطاع العام والقطاع الخاص أو عن طريق التشاركية فيما بينهما ودعم المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر التي تتيح المزيد من فرص العمل.
من المحرمات!
اليوم من يتجول بالأسواق ويقف أمام واجهات المحال لا بد أن يصاب بالذهول أمام الأسعار الخيالية، سواء محال الألبسة التي تحولت إلى براويز لعرض آخر الموديلات الألبسة أو محال الحلويات العربية وسلع ومواد أخرى باتت كلها من المحرمات على المواطن ينظر إليها ويتحسر عليها، والأمثلة على ذلك كثيرة، فعلى سبيل المثال لا الحصر بنطال الجينز المستورد –إن صحت رواية التجار- وصل سعره لـ 80 ألفاً والمصنّع وطنياً بحدود الـ 35 ألفاً، فيما وصل سعر القميص الرجالي المصنع وطنياً من 15- 25 ألفاً والكنزة نصف كم “ماركة عالمية” بـحدود الـ 50 ألفاً، والحذاء الوطني يتراوح سعره ما بين 28 ألفاً للجلد الصناعي و 50 ألفاً للجلد الطبيعي، وربما، بل على الأكيد أن الأسعار تكون أغلى في بعض المناطق التي تصنف بالراقية لأنه لا ضابط لها في ظل غياب الرقابة والمساءلة!.
وللعلم كان القميص الرجالي يباع في سورية مع بداية الحرب عام 2011 بـ 500 ليرة للنوع العادي وربما أقل، فيما أفضل ماركة كان لا يزيد سعرها عن 3500 ليرة، والبنطال من القماش المستورد بحدود 4000 ليرة، وقس على ذلك لباقي المواد والمستلزمات التي كانت في متناول غالبية المواطنين رغم أن سقف الراتب كان في ذاك الوقت لا يساوي ربع الراتب هذه الأيام!.
وفيما يتعلق بالتنزيلات الدارجة نهاية كل موسم لم يعد احد يثق بها لأن نسب الحسم وهمية كون الأسعار المعروضة هي الحقيقيةـ ليبقى موسم التنزيلات مجرد لعبة متقنة من أصحاب المحال لاصطياد المستهلك الباحث عن فرصة للشراء على أمل التوفير، ولكن للأسف هو لا يعلم أنه يشتري القطعة بسعرها الحقيقي وليست بالجودة التي يُعلن عنها!.
صعوبات كثيرة
بحسب أحد الصناعيين أن الأسعار واحدة لا تتغير على عكس ما يتوهم المواطن، والسبب يعود لانخفاض القيمة الشرائية لليرة، فيما رأى آخر يعمل في مجال الصناعات النسيجية أن هناك صعوبات كثيرة تواجه الصناعيين كنقص خيوط القطن على سبيل المثال, مما يؤدي لارتفاع أسعار الألبسة عدا عن ارتفاع أجور اليد العاملة والخبيرة التي هاجر قسم كبير منها بفعل تدمير المصانع وتخريبها أو سرقتها من قبل العصابات الإرهابية، وهنا نسأل: ماذا فعلت اللجان التي تم تشكيلها بهدف وضع الإجراءات المناسبة والضرورية لاستعادة واستقطاب ممن هاجر من عمالنا المهرة والفنيين سواء ممن يعملون في صناعة المنسوجات أو الصناعات الأخرى؟.
التاجر والسمسار
في الأسواق المحلية على اختلاف أنواعها لا بد أن تتوقف عند سؤال يردده غالبية المواطنين وهو: لماذا دائماً يوجه الاتهام للتاجر والسمسار بأنهما المسؤولان الوحيدان عن ارتفاع الأسعار في الوقت الذي نرى فيه قرارات حكومية بزيادة الأسعار كارتفاع أسعار المحروقات والطاقة وما يتعلق بالأسمدة والأعلاف والبيض والفروج؟، فكرتونة البيض تباع اليوم بـ 12000 ألف ليرة، والفروج الحي من المدجنة بـ 8000 ليرة وفي المحال بـ 9000 ليرة!.
هذا الارتفاع الجنوني للأسعار جعل الكثيرين من المزارعين والمنتجين والصناعيين وغيرهم من أصحاب المهن يهجرون أعمالهم في ظل عدم تدخل الجهات المعنية للتعويض لهم عن خسائرهم المتكررة، وطالما الشيء بالشيء يذكر يطالب الفلاحون وزارة الزراعة واتحاد الفلاحين بالتدخل لجهة لجم غلاء ساعة الفلاحة التي وصلت لحدود الـ 70 ألفاً نتيجة نقص المازوت مما يجعل أصحاب الجرارات يتحكمون بالسعر على مزاجهم بحجة أنهم يشترون المازوت من السوق السوداء!.
والمطالبة هذه لم تجدِ في الموسم الماضي، فهل تلقى الصدى هذا الموسم حتى نضمن البقية الباقية من الراغبين بالعمل في الأرض؟
بالمختصر، أمننا الغذائي في خطر نتيجة العقوبات وضعف الإنتاج، وفوضى الأسعار في أسواقنا في ظل غياب الإدارة القوية وضعف الرقابة والمساءلة، وهذا ما يحتاج لمعالجة سريعة لكل الملفات الشائكة بحلول جذرية وليست اسعافية تجميلية يزول أثرها بعيد أسابيع!.
ويبقى السؤال الذي نضعه برسم المعنيين: ماذا تنتظرون وإلى متى نبقى  في مرحلة تشخيص الواقع، إلى متى نبقى نعاني من الترهل الإداري وانعدام التدخل الإيجابي الحقيقي في معالجة الأزمات المتلاحقة التي أصبحت كجبل شاهق يصعب إزالته؟!.
البعث