دُور المعنفات في ألمانيا تحتضن سوريات هاربات من أزواجهن: السوريون يتصدرون قائمة الأجانب العنيفين بنسبة 91%

دُور المعنفات في ألمانيا تحتضن سوريات هاربات من أزواجهن: السوريون يتصدرون قائمة الأجانب العنيفين بنسبة 91%

أخبار سورية

السبت، ٢٥ يونيو ٢٠٢٢

رغد البني (ألمانيا)
آخر جرائم السوريين في ألمانيا كانت قبل بضعة أيام فقط، حينما أقدم رجل في الواحد والأربعين من عمره على قتل زوجته (36 عاما) طعنا بالسكين في ولاية شمال الراين- فيستفالن غرب ألمانيا، علماً أنهما كانا منفصلين.
اتصل الزوج بالشرطة وأخبرها بجريمته، فيما جرى نقل طفليه (4 و5 أعوام) إلى دائرة الرعاية الاجتماعية.
تعلق مسؤولة إحدى دور النساء المعنفات “إخلاص قدوس” في حديثها لهاشتاغ على الجريمة، بالقول: “لو كانت لجأت إلينا حينما تحسّست فعل التهديد أو التعنيف لما حصل ذلك، النساء العربيات مترددات دائما، ومحكومات بما يصلح اجتماعيا وما لا يصلح”، معتبرة أن “دلالات الرجل العنيف كثيرة ولا يشترط أن يضرب زوجته بدايةً حتى نتوقع منه أن يقتلها في النهاية، وخاصة أن الرجل الذي قتل زوجته كان يعرف عنه بين الجيران أنه لطيف و ودود”.
وتبيّن أن بعض الرجال قد يكونوا عنيفين لفظياً فقط وليس جسدياً ولا تتوقع زوجاتهم أن العنف اللفظي دلالة على أن الرجل عنيف وقد يقتلها وأنه لا يجوز العيش معه.
أشكال العنف..
للعنف أشكال عديدة بنظر دور المعنفات، فالعنف الجسدي يشمل الضرب، الركل، الخنق، إمساك المرأة من يدها بقوة، رمي الأشياء وأغراض المنزل.
أما النفسي فيندرج تحته الترهيب، الإهانة، التهديد، التخويف، اللوم. إضافة لأشكال عنف اجتماعي تشمل تقييد ومراقبة الاتصالات، وعنف آخر اقتصادي يتضمن رفض الإنفاق على الزوجة أو سحب أموالها منها والتحكم في مصاريفها.
وكذلك العنف الجنسي وهو الإكراه على الجنس حتى لو كان بين الزوجين، فالزوج الذي يجبر زوجته على مضاجعته يكون بعرف القانون قد اغتصبها حتى وإن كانت زوجته، وكذلك تعتبر المطاردة نوع من أنواع العنف.
دعوى اغتصاب زوجي..
تستشهد مشرفة دور النساء المعنفات “إخلاص قدوس” في حديثها لهاشتاغ على العنف الجنسي بسرد قصة لرجل عراقي رفعت زوجته عليه دعوى اغتصاب، فسحبت منه الإقامة تمهيداً لترحيله إلى بلاده، وطرد من بيته وبقيت زوجته وابنه في البيت، وهو يسعى منذ 5 أعوام وراء المحامين ويلهث وراء المحاكم ليثبت براءته ويستعيد إقامته.
السيدة “قدوس” القادمة من إيران تقول: “لو تم تفعيل هذه القوانين في المجتمعات الشرق أوسطية.. في إيران وجيرانها لكان 90% من الرجال مذنبين ومخالفين للقانون”.
وفي حديثنا مع النساء في إحدى دور المعنفات في هامبورغ: قالت واحدة منهن والقادمة من دولة ليبيا ( 25 عاماً) في حديثها لهاشتاغ أنها طبيبة جراحة وجاءت إلى ألمانيا منذ أربعة أشهر عن طريق إقامة لم شمل تقدم بها زوجها للسلطات الألمانية، لكنها كما تقول غير ممتنة، فهو كما تقول كان يعنفها ولا يهنأ له نوم إلا ويداه محكمة على رقبتها من باب الترهيب والتخويف، إلى أن استنجدت بأصحاب المحلات العربية في هامبورغ وسألتهم عن محامٍ يساعدها وطريقة للخلاص من زوجها، فنصحوها بالتوجه إلى دار المعنفات، وخاصة أنها لم تتعلم الألمانية بعد ولا تعرف شيئاً عن حقوقها.
رحلة الخلاص من الزوج..
سيدة أخرى قابلناها في ولاية هانوفر قادمة من سوريا وأم لولدين ونتحفظ بغرض ضمان أمنها على ذكر اسمها، قالت إنها وصلت إلى ألمانيا قبل أربعة أشهر بإقامة لم شمل أيضاً تقدم بها زوجها للسلطات الألمانية، لكنها تركته مع أولادها دون أن تخبره أين هي، وتواصلت بمساعدة مقربين منها مع إحدى دور المعنفات لدى خروج زوجها من المنزل، حيث أرشدتها مديرة الدار إلى تعليمات الخروج، وأهمها أن لا يكون زوجها في المنزل حتى لا يتعرض لها، وإحضار الأوراق الرسمية وبعض الثياب وألعاب للأطفال، ثم الوقوف في مكان محدد في الشارع لتأتي إحدى الموظفات وتصطحبها إلى الدار.
ولايجوز إعطاء النساء العنوان فوراً على الهاتف خشية أن يتبعهن أزواجهن، فالعنوان سري، ويمنع على القاطنات نشره أو إخبار أي طرف عنه مهما بلغت درجة قرابته حرصاً على النساء داخله، مع اتخاذ أقصى إجراءات الأمان، فالباب لا يفتح إلا ببطاقة خاصة أو رقم سر على جهاز الكتروني، وبعد رؤية من يدخل ويخرج بواسطة كاميرا خارجية، ومن تخالف تطرد من الدار مباشرة وتخضع لمحاسبة القانون كونها عرّضت غيرها لخطر معرفة المكان في حال قرر الشريك الهجوم عليها.
تتابع السيدة السورية السالف ذكرها ( 50 عاماً) قصتها مع زوجها بالقول: “ما عاش الذي يضربني، ضربني مرتين وضربته بعدهما وأنا لا أسكت على الضرب، ولكن لم أتركه بسببه، بل لأنه بخيل ويخبئ حتى البسكويت والطعام عن أطفاله، فهم يوفرون نصف وجبة الغداء ليأكلوها في العشاء إذا ما جاعوا، كما هددني عدة مرات بأنه سيقبض إعانات الأطفال الشهرية والتي تسمى (Kindergeld) كتعويض عن النفقات التي دفعها على تكاليف لم الشمل.
وتبيّن أن مشكلتها معه لم تبدأ من ألمانيا، بل من سوريا ولبنان، حيث كانت تعاني العوز في لبنان، فلا يرسل إليها مصاريف الأطفال، لدرجة أن الجيران كانوا يتصدقون عليها، تقول: بقيتُ أسايره إلى أن وصلت إلى الأراضي الألمانية وتمسكنت حتى تمكنت، ولا ألوم أي امرأة تترك زوجها بعد لم الشمل، فهذه أفضل طريقة لتعويض سنواتها الضائعة معه ظلماً.
تزوجته لكنه لم يمسّها..
 نورهان شابة سورية من القامشلي (21 عاماً) تعيش أيضاً لدى إحدى دور المعنفات في هامبورغ، وتقول إنها جاءت إلى ألمانيا تهريباً وأراد أهلها إجبارها على الزواج برجل تقول إن مواصفاته الشكلية والسلوكية لم تعجبها، فقررت تركه حتى وإن قاطعها أهلها.
وفعلا هذا ما حصل، منوهة أن والدها قال لها إنه سيطلق والدتها إن لم تتزوج الرجل الذي رسمه لها، كونه يعتقد أن أمها تقف إلى طرفها، ولذلك تزوجته، لكن هذه الزيجة لم تتم فعلاً، فهي لم تسمح له بالاقتراب منها، وتركته هاربةً إلى مقاطعة أخرى نحو إحدى دور المعنفات.
وتضيف بقوة: ولى الزمن الذي كانت البنات تتزوج فيه رجالاً بالإجبار، فرغم أني كنت بعمر 19 عاماً حين تركت زوجي، إلا أني حينما أتخذ قرارا فلا أتراجع عنه حتى ولو قاطعني أهلي ووقف بوجهي العالم.
سيدة سورية أخرى تسمى غادة (اسم مستعار حرصا على سلامتها) وهي في منتصف الثلاثينات، تقيم في إحدى دور المعنفات في مقاطعة هانوفر، وعلى يديها علامات زرقاء بسبب ضرب زوجها لها بحزام بنطاله، تقول إنها تحملت معه وعلى مدى أربع سنوات شتى صنوف الضرب والإهانات والخيانة مع نساء أخريات لكنها كانت تعطيه الفرصة تلو الأخرى، وتوصلت أخيراً إلى قناعة أن العنيف لا يتغير مهما طال الزمن، وأن النساء اللواتي يعولن على تغيير طباع الرجل يهدرن عمرهن ويشردن أطفالهن، رغم أن هذا الاعتبار الأخير ليس وارداً في دولة مثل ألمانيا، حيث لا يتشرد طفل فيها، لكن هناك أثر نفسي بسبب أنه سيحرم من والده في حال كان معنفاً، وربما يحرم كذلك من والدته ما لم تكن أهلاً لتحمل المسؤولية.
وبالحديث عن الأطفال تقول (آنا ميرا) إحدى مشرفات دور المعنفات في هامبورغ لهاشتاغ: “نوضح لكل سيدة تأتي إلينا أن أولادها لهم كل الاحترام والاهتمام، وفي حال غابوا عن نظرها ولو دقيقة في دار المعنفات نفسه فإنها تخضع لتنبيه وتحذير، وفي حال تكرر ذلك فيعتبر دليل إهمال. أما الضرب أو التعنيف اللفظي بحق الطفل فهي أمور لا تستوجب التنبيه، فأول ضربة من الأم لابنها تعني أنها تُحرم منه ويذهب لدور رعاية الشباب”.
خشية الترحيل..
 جميع النساء اللواتي يحملن إقامة لم شمل ويقمن في دور المعنفات يخشين من موضوع ترحيلهن إلى سوريا، لأن إقاماتهن مرتبطة بإقامات أزواجهن، كون هؤلاء الأخيرون هم وساطة دخولهن إلى ألمانيا، لكن المشرفة ميرا السالف ذكرها تقول: “نحاول جاهدين حل مشاكل هؤلاء النساء، من خلال تعليمهن اللغة وإرشادهن لمحامين، ونساعدهم في استصدار جميع وثائقهن ومستنداتهن، ونوفر لهن كل الرعاية إلى أن يتقن اللغة الألمانية، ولو أن قسماً كبيراً منهن لم يتقنها كونهن تحت تأثير صدمات نفسية، ولا يمكن ممارسة ضغط إضافي عليهن لتعلم اللغة والعمل”.
دُور المعنفات من الداخل..
يختلف حال دور المعنفات من مقاطعة إلى أخرى، فهناك نساء تقمن في دور تعتبر أكثر من جيدة، والنساء فيها ممتنات من استقبالهن، في حين أن هناك دور أخرى لا تحمل كل مقومات النظافة والرتابة، وذلك بسبب النساء المقيمات أنفسهن.
فالدور التي تستجلب سيدات يعملن بمجال التنظيف تكون غالباً متسخة وذلك بعد انتهاء فترة دوامهن، لكن الدور التي تفرض نظام تنظيف على المقيمات فيها تعتبر نوعا ما نظيفة، كون جميع النساء مضطرات للخضوع لهذا النظام وإلا فإنهن يخضعن للسؤال.
وإضافة لمشكلة التنظيف فهناك مشكلة أخرى تخص وجود أماكن شاغرة، وخاصة في بعض المقاطعات الكبيرة مثل هامبورغ، إذ أنها تعتبر ممتلئة وبالكاد تجد النساء فيها مكاناً لهن فيها، ومن هنا تضطر الإدارة لنقل النساء اللواتي لا مكان لهن إلى دور في مقاطعات أخرى.
تنفي مشرفة إحدى دور المعنفات في هامبورغ “آنا ميرا” فكرة أن النساء يأتين إلى دور المعنفات ترفاً ولأنهن يردن التمرد فحسب، فتقول: الوضع في دور المعنفات ليس مثالياً، ولا يوجد سيدة تترك بيتها وتأتي إلينا ما لم تكن مضطرة لذلك “هناك نساء تركن عملهن وأضعن مستقبلهن المهني وانتقلن لولايات جديدة، ومالم يكن وضعهن مأساوي جداً لما لجأن إلى هذه الخطوة” كما تقول.
السوريون يتصدرون:
أما عن جنسيات النساء في دور المعنفات، فتقول “ميرا”، إن الدور تستقبل جميع النساء دون تفريق، لكن النساء الألمانيات هنّ الأقل في الدار كونهن قويات بطبيعة الحال ولا يسمحن لشركائهن بالتمادي في تعنيفهن، ويلجأن للشرطة مباشرة، وهذا ما تخاف منه المرأة الشرقية، ولكن هذا لايعني أن المجتمع الألماني يخلو من العنف كما تروج بعض وسائل الإعلام، وإنما الفرق هو باختلاف طريقة العنف بين الرجل الألماني ونظيره العربي، فالألماني يسيء لزوجته على سبيل المثال لا الحصر من خلال تناول المخدرات والكحول، وهذا ما ينعكس سلباً على الأطفال وينعكس عدوانية تجاه الزوجة.
أما العنف لدى الرجل العربي فيرتبط بثقافة المجتمع الشرقي القائمة على أن الرجل قوّام ومسيطر وأنه الآمر الناهي.
فالكثير من الرجال ومن جميع الجنسيات لا يستوعبون أن تتركهم زوجاتهم، ويفضلون قتلها والتعفن في السجن على تركهم وحيدين.
وتظهر إحدى الإحصائيات الخاصة بالعنف والصادرة عن المكتب الاتحادي لمكافحة الجريمة في ألمانيا أن الأجانب ككل يشكلون 34% من مرتكبي الجرائم الزوجية، وأن 8,3 بالمئة من هذه النسبة تعود لسوريين. ولكن بالنظر إلى نسبة (المشتبه بهم) بارتكاب جرائم عنف أو محاولة ارتكابها بين الأجانب فنجد أن نسبة السوريين هنا تصل إلى 2,8%
وبالحديث عن توزع هذه النسبة بين الجنسين الذكور والاناث، تبين الاحصائية أن الذكور السوريين المشتبه بارتكابهم الجرائم مسؤولون عن 91% من إجمالي عدد الجرائم التي ارتكبها السوريون والتي ذكرنا أن نسبتها في ألمانيا بالأكمل هي 2.8%، وليس من اجمالي عدد الجرائم التي ارتكبها الأجانب بالمجمل.
ووصل عدد الجرائم في ألمانيا إلى ما يزيد عن 122 ألف جريمة، وقد نفذ الألمان منها 80 ألف جريمة، فيما نفذ الأجانب سوريون وغيرهم 41 ألف جريمة، وتشكل النساء 80.5% من ضحايا جرائم العنف الزوجي.
“المندمجة”:
يعود تصدر السوريين للمرتبة الأولى لكون أعدادهم حسب ما يبررون هي الأعلى بعد الأتراك في ألمانيا، فيما يرى وينشر آخرون على صفحات التواصل الاجتماعي أن السبب يعود إلى صدمة حضارية لم يستوعبها السوريين، ونمط اجتماعي غريب عما تربوا عليه لجهة الأدوار النمطية بين الرجل والمرأة، حتى صار يطلق على النساء العربيات اللواتي يبحثن عن الحماية في دار المعنفات صفات بشعة تخص أخلاقهن. وإن كان التعبير لطيفاً فيقال عنهن أنهن “مندمجات”.
ورغم ما لهذه الكلمة من مدلول إيجابي، إلا أنها تعني شتيمة بعرف اللاجئين، حيث يُنظر إلى “المندمجة” على أنها تلك التي تخلّت عن أصلها وفصلها وانسلخت عن مجتمعها وتحاول تقليد المجتمعات الغربية المنفتحة والتي يعتبرها اللاجئون “متفلتة”.