الشباب في مهب الريح.. إما على قارعة الطريق أو بانتظار قافلة السفر..!

الشباب في مهب الريح.. إما على قارعة الطريق أو بانتظار قافلة السفر..!

أخبار سورية

الأحد، ١٠ أبريل ٢٠٢٢

من الضروري جداً أن تبقى هموم ومتطلبات الشباب حاضرة بشكل دائم في الإعلام، وطرحها بجرأة، فقضاياهم مهمّة ولا يجوز أن تكون هامشية، إذ من الملاحظ أن الحكومة المشغولة بأمور الدعم الذي بات بالقطارة، والباحثة عن أسباب وأعذار غير مقنعة لتبرّر تعثرها في إدارة الأزمات، نسيت على ما يبدو من يُعوّل عليهم بناء مستقبل البلد، عندما تركتهم لمصيرهم في مهب الريح يصارعون من أجل البقاء!.
 
حالة اللامبالاة هذه غير مقبولة، فليس هناك أهم من قضاياهم، فهم الموارد الأكثر أهمية لبناء سورية المتجدّدة بعد أكثر من عشر سنوات حرب خلّفت الكثير من الكوارث والمآسي على مختلف الصعد كان الشباب فيها أكثر الخاسرين.
 
لا تغني ولا تسمن
 
وعلى الرغم من أن السنوات الماضية شهدت الكثير من المبادرات التي أقيمت تحت شعار تسهيل دخول الشباب لسوق العمل، ونذكر منها على سبيل المثال “المعرض الافتراضي التفاعلي لفرص العمل”، بهدف ربط الباحثين عن عمل بالشركات والمؤسسات وورشات العمل التي نظمها المرصد العمالي للدراسات والبحوث بالتعاون مع هيئة المشروعات الصغيرة، يضاف لها الدورات التي يقيمها مرصد سوق العمل التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وغيرها من المبادرات الشبابية، لكن للأسف كل تلك المبادرات لم تسهم في تأمين فرص عمل بالمعنى الحقيقي، حيث اكتفت بالإشارة إلى المشكلة “البطالة” ولم تُقدم الحلّ العملي لها، بمعنى هي اقترحت وضع استراتيجيات إدارية واقتصادية وفنية واستصدار تشريعات وقوانين مرنة تلبي طموحات الشباب في سوق العمل وفقاً لمتطلباته وحاجاته الحالية.
 
لا يشعر بآلامنا!
 
وبشهادة أحد الشباب أن اليوم الأول في مثل تلك الدورات والورشات يحضره الكثير من الشباب، لكن بعد يومين يبدؤون بالتسرب، عندما يكتشفون أنهم مجرد تلاميذ يستمعون لمحاضر لا يشعر بآلام البطالة!، فاليوم شبابنا يحتاجون للعمل لا للإرشاد والتوجيه، صحيح أن تلك الدورات والورشات مهمة، لكن يبقى الأهم الحصول على فرصة بعدها، خاصة وأن هناك دراسة تفيد بأن سورية تحتاج إلى 30 ألف مشروع سنوياً للتخلص من البطالة، وفق ما ذكره مدير عام هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة في إحدى ورشات العمل التي أقامها المرصد العمالي، لذا على الحكومة التي ملأت سلتهم بالوعود أن تستشعر حساسية وصعوبة المرحلة الراهنة، وتبدأ التنفيذ الفعلي لمشاريعها التي أطربت ودغدغت بها أحلام وأفئدة الشباب الصابر الذي لم يعد قادراً على التحمل.
 
سعادة النواب؟
 
ما يلفت الانتباه على مواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” أن عدداً من السادة أعضاء مجلس الشعب ينشرون مداخلاتهم على صفحاتهم الشخصية تلك التي يطالبون فيها الحكومة بإنصاف الشباب والوقوف جدياً على مطالبهم، غير أن المؤسف أن صدى تلك المداخلات لا يخرج من تحت القبة، وهنا يسأل أحد الشباب: أين اللجنة الشبابية التي شكلها المجلس للنطق بصوتنا والبحث عن حلول لمشكلاتنا، أين ذهبت الشعارات التي كانت تحاكي هموم ومطالب الشباب أثناء الدعاية الانتخابية؟!.
 
أوقفوا النزيف..
 
وخلال العام الفائت كثُر الحديث عن أرقام مرعبة لهجرة الكفاءات السورية من الشباب والخبرات، وسط غياب أي إجراءات حكومية للحدّ منها، والمؤسف أن كل ما فعلته هو محاولة تكذيب الأرقام بدلاً من معالجة الأسباب، والنتيجة استمرار النزيف الشبابي، والمخيف أكثر أن طموح أي شاب لو سألته اليوم عن مستقبله لا يتردّد بالقول أريد السفر لأحقق ما أريده وأحتاجه كشاب جامعي، فقدت الأمل في ظل الفشل المستمر لإيجاد البيئة المناسبة لاحتضان الشباب ومساعدتهم!. وبرأي خبير اقتصادي أننا لم نفشل لأننا لم نحاول بالأصل خلق مثل هذه البيئة، حيث ما زلنا نعتمد الأسلوب النمطي بعيداً عما تتطلبه مشاريع الشباب الصغيرة والمتناهية الصغر!.
 
البداية الصحيحة
 
الكثير من الشباب الذي التقيناهم في أكثر من كلية بجامعة دمشق أجمعوا على أن البداية الصحيحة لحلّ مشكلاتهم، والتخفيف من معاناتهم، تكمن بالدرجة الأولى باجتثاث الفساد في المؤسّسات والقضاء على داء الواسطة والمحسوبية التي تشلّ طموحاتهم وتعرقل أفكارهم المبدعة، منتقدين في الوقت نفسه الخطط الورقية والوعود المعسولة، وما هي بنظرهم سوى تخدير مرير يوهمهم بأن هناك من يعمل لأجل مستقبلهم.
 
وبحسب قيس /طالب جامعي/ لا يجد الشباب من يشجعهم ولا من يعمل لتمكينهم من العمل والمشاركة في صنع القرار الذي يتعلق بمستقبلهم، علماً أنهم يمتلكون الرؤية الصحيحة، فهم أدرى بشعابهم –على حدّ قوله- متسائلاً: لماذا الإصرار على التفكير بعقلنا والتكلم بلساننا ونحن الأقدر على التعبير؟!.
 
نريد الاحترام
 
سؤال “قيس” في محله، لأنه ضرب على الوتر الحساس، بحسب زميلته هيام التي لم تتردّد في المطالبة باحترام العلم والنجاح والتفوق بعيداً عن الواسطة، وفجرت السؤال الآخر الساخن: ما الفائدة من تعبنا سنوات وتفوقنا دراسياً، ولا نجد من يُقدّر ذلك؟، الشباب يريدون فرص عمل حقيقية تجنّبهم الانتظار لسنوات على قارعة طريق البطالة التي تزداد نسبتها بشكل مخيف نظراً لغياب سياسات وبرامج التشغيل ذات البعد الإستراتيجي.
 
انتظار ممل
 
ويتألم عيسى وهو يشاهد آلاف الشباب ممن تخلوا عن أحلامهم، وبعضهم وضعها في الثلاجة، فيما آخرون وهم كثر “ضبوها” في حقيبة سفر وشدوا الرحال إلى غير رجعة، عندما تأكدوا أنه لا فائدة من الانتظار الممل، وهم يرون أصحاب الخبرات مهمشين لا دور لهم، مضيفاً: في مناسبات عديدة كنا نلاحظ سيل الوعود لجهة المشاريع التي ستصبّ في مصلحة الشباب وتنعش آمالهم بتحقيق أحلامهم المؤجلة، لكن مع مرور الوقت كان يتضح أنها وعود بمشاريع افتراضية، ليبقى الكلام في سياق الاستعراض الإعلامي، عندها أيقن الشباب أنهم على الهامش!!.
 
ليس طاقات فقط
 
وقدّمت سمر عتباً كبيراً على المنظمات التي تُعنى بالشباب لأنها لا توصل أصواتهم للجهات التنفيذية، وتقول: الشباب ليس فقط نشاطات ومبادرات تطوعية، الشباب هم قادة التغيير الحقيقي، فهم يحتاجون لمن يضعهم على السكة الصحيحة من الضغط والدعوة لتبني مشاريعهم ودعمهم في سوق العمل وإعطائهم الفرصة لإثبات قدراتهم وأيضا تبني مقترحاتهم.
 
لا للمشاريع الافتراضية
 
بالمختصر، الشباب ملّوا حالة الفراغ المادي والمعنوي، ويعانون من ألم التهميش، صحيح ليس هناك حلول سحرية لمشكلات الشباب وتحقيق أمنياتهم، لكن هذا لا يعني أن نقف مكتوفي الأيدي متكئين على شماعة الظروف والعقوبات، لأن الشباب تحملوا بما فيه الكفاية ولم يعد مقبولاً تركهم يعانون، وفي الوقت نفسه لا نستطيع إجبارهم على البقاء ونحن غير قادرين على تأمين أبسط متطلباتهم وحقوقهم وهي “فرصة عمل”، ومع معرفتنا بغياب الرؤية الإستراتيجية لإدارة الموارد البشرية في مختلف مؤسّساتنا الرسمية على اختلاف مستوياتها، لا نعتقد أن هناك ما يمنع من وضع الخطط والبرامج الإسعافية لتطويق مشكلات الشباب والتخفيف منها والمحافظة على البقية الباقية منهم قبل أن يشدّوا الرحال.
 
بالنتيجة نحتاج فريق عمل يعرف جيداً كيف يضع برامج توظيف وتدريب، لتعزيز تشغيل الشباب، حتى وإن كنّا نعاني من انكماش فرص العمل نتيجة تراجع الإنتاج الاقتصادي.
 
غسان فطوم-البعث