خلل وعثرات واضحة تطيح بالأداء الإداري الرشيق وتعيق الوصول لمؤسسات منتجة!

خلل وعثرات واضحة تطيح بالأداء الإداري الرشيق وتعيق الوصول لمؤسسات منتجة!

أخبار سورية

الاثنين، ٢٨ مارس ٢٠٢٢

بتنا اليوم بأمس الحاجة للتغيير وإعادة إعمار الإدارة لمؤسسات ترهّل الروتين بين ثناياها، ولم تقشع الإبداع والتطوير منذ سنوات مضت، لنجد اليوم غياباً ملموساً للمنطق الذي يفصل بين أسس الحقيقة والحقائق الأساسية، وعلى الرغم من المحاولات الخجولة لتحسين الأداء الإداري، إلا أنها لم تنجح في وضع العمل الإداري في مساره الصحيح.
حلول ارتجالية
يُجمع أهل الاختصاص على تغلغل الإهمال بين ثنايا المؤسسات والمديريات، والذي يقود حتماً إلى الفساد، وهذا الإهمال، بحسب الخبراء، لم يأت من فراغ، بل هو نتيجة حتمية لفقدان الثقة بالمؤسسة، أو الشعور بعدم الجدوى من العمل في ظل غياب التقدير المادي أو المعنوي، الأمر الذي يُحتّم التقييم والمراجعة للأنظمة الإدارية بشكل دائم في جميع المؤسسات وفق المتغيرات والمستجدات التي تطرأ على البيئة الداخلية بجوانبها التنظيمية والإدارية، وهذا ما نفتقده في معظم مؤسساتنا، ليكتفي أهل الإدارة بالتشدّق بإنجازات ورقية ارتجالية بعيدة عن التطبيق الفعلي والجذري والآني الذي يبدأ بما يسمى إصلاح الوظيفة العامة، والذي هو ممر إجباري لمكافحة الفساد، لاسيما أن كل خلل على المستوى التنفيذي يلحق ضرراً بالمصلحة العامة هو “فساد”.
منظومة التحفيز
يرى مضر السليمان، “خبير إدارة عامة”، أن مشروع الإصلاح الإداري الذي أطلقه السيد الرئيس بشار الأسد هو رؤية إدارية متطورة فيها من المرونة ما يناسب عثرات الواقع الإداري في مؤسساتنا، ومن الشمولية ما يضمن خلق إيقاع تتناغم فيه المؤسسات بأدائها لترتفع الإنتاجية وتردم الفجوات في وقت أضحت الحاجة إلى التنمية ضرورة ملحة للإدارة العامة السورية بعد أن أصبحت أنظمة العمل الحالية تتعرّض باستمرار إلى العديد من الأعطال والبطء، والكثير من الترهّل والتباعد والتنافر أحياناً، والازدواجية والتماثل في مواقع كثيرة ومتعددة من مفاصل الإدارة، ويجد الخبير الإداري أن المؤسسات القائمة حالياً تعاني من ضعف العملية الإدارية كلياً من خلال نظام إداري محدود مكرر الأخطاء في معظم المؤسسات، إضافة إلى عدم وجود تطابق بين المنصب والخبرات المطلوبة، وأيضاً عدم الالتزام بالأسس الاقتصادية لإدارة المؤسسة، والاعتماد على الوظيفة الاجتماعية، وضعف المنتجات وعدم منافستها وتلبيتها لتطور احتياجات السوق، وارتفاع تكلفة المنتج في القطاع العام رغم مزاياه في الضرائب واحتكار السوق، عدا عن ضعف منظومة التحفيز والقدرة على متابعة الجهد الإبداعي، فالتوجه الإداري الذي ساد يركز على الوظيفة الروتينية، ويرى السليمان أن نقص الرواتب والأجور، وعدم مجاراتها لاحتياجات المعيشة الكريمة، أديا لخلق ثقافة التدبر الشخصي، وضعف الالتزام بالقيم الكبيرة والحاجات العليا في المجتمع، وضعف الثقافة والتعلّم والالتزام النوعي المعرفي، وجمود القدرات البشرية في الإدارة، حيث سادت ثقافة الجمود والعقل الوصائي، وعدم الاعتماد على القدرة العلمية، فتحولت المؤسسات العامة لمؤسسات روتينية غير منتجة وهادرة.‏
نظم وفرضيات
ومن منطلق أن العملية الإصلاحية لا تمر دون معوقات تقف في وجهها، كان من المفترض العمل على دراستها وكشفها وإبعادها عن طريق الإصلاح الإداري، إذ يجد الخبير الإداري  محمد كوسا أن التنمية الإدارية يجب أن تعمل على تطوير نظم إدارة الموارد البشرية لا حصر عملها بإعداد وتأهيل هذه الموارد، واصفاً الواقع الحالي بالفوضى الذي يحتاج إلى تغيير في ظل البعد التقني والمعرفي المتجدد نتيجة تجدد العلوم وتطورها، لذا على التنمية أن تجد تلك المسارات والمواقع غير الموجودة في الراهن من الأنظمة الإدارية والهياكل التنظيمية، وأن تكون هذه المسارات والمواقع مخصصة لأولئك الذين أثبتوا تميزاً وتفرداً في الواقع، وبذلك تتعادل الفرص، ويرى كوسا أن الحاضنة الإدارية هي منظومة قيم وأفعال وأخلاق وتشريعات، وليست هياكل تنظيمية، وهذه الحاضنة يجب أن ترتكز على ثلاث فرضيات لخّصها بفرضية السبب والنتيجة، فلكل نتيجة سبب، وكل سلوك خلفه دافع، وبدراسة الدوافع وأسباب السلوك يمكننا توقع النتائج، وعقلنة السبب والنتيجة تعتمد على التخطيط والتنبؤ، كذلك فرضية تعدد الأفعال والمهام التي تقود إلى فشل كبير وتباين واضح في المواقف، وبالتالي إلى تشتت إداري، إضافة إلى فرضية ردود الأفعال التي تتمحور حول قراءة ما وراء الواقع، وفهم ما يقال بحدوده الصحيحة في عالم الإدارة.
خلخلة وحلول
لم يُخف الخبير الإداري وجود خلل وشرخ كبير في العمل الإداري الذي أعاد سببه إلى تواجد القيادات التي أهملت وطنيتها، واعتمدت على أنانيتها وطمعها، متخلية عن القيم والأخلاق التي كان يجب أن تلتزم بها بمواكبة التطور، وإحداث تغيير إيجابي في نواظم العمل الإداري من قوانين وأنظمة، والتفكير بخلق مواقع جديدة تساهم في بناء الاقتصاد، وقدم كوسا مثالاً عن الخلل الإداري الذي نلحظه في بطاقات الوصف الوظيفي التي لا يمكن أن تعمل في ظل القانون الأساسي للعاملين في الدولة، ليكون الحل بتوزيع العمالة بين المؤسسات، والاستفادة منها أو التدوير الوظيفي، إضافة إلى وجود حلول أكثر منطقية إذا أردنا العمل بها سنصل إلى عدالة وظيفية، أهمها التأسيس لمعايير أداء ورقابة يتم على أساسها فرز وتحييد الفساد، وتؤدي إلى تمايز المواهب والقدرات، وكذلك تحسين الرواتب والأجور من خلال نظام حوافز مبتكر، وربط الرواتب والأجور بالأداء، والعمل على زيادة حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، وشق طرائق للإنتاج، ومواقع اقتصادية جديدة، مع إنتاج منظومة قرار تعطي الحكومة تفوقاً زمنياً وتكاليف أقل في اتخاذ القرار، كذلك يرى كوسا ضرورة  إعطاء الفرصة للتطوير والإبداع في الاقتصاد، مع صياغة قوانين وسياسات ومشاريع منتجة تدر عوائد حقيقية، مع مشاركة القطاع الأهلي في النهوض بعد الحرب، إضافة إلى إعداد كوادر إدارية متنافسة لا متصارعة، والتوجه نحو اللامركزية في تحمّل الأعباء .
فلسفة إدارية
وعلى الرغم من البدء بمشروع الإصلاح الإداري، إلا أن الإجراءات مازالت معقدة، والروتين مازال قائماً، والسرعات في الإنجاز بطيئة، والمرونة متدنية جداً في الاستجابة للواقع، ومازلنا نشهد ضعفاً كبيراً في المديرين المتواجدين على رأس القيادات الإدارية في مؤسسات غير مؤهلين لها، مسببين بوجودهم الكثير من المشاكل التي تعصف بكل الجوانب وعلى مختلف الصعد، لاسيما ما تسببه من فقدان للثقة بالإدارة الحكومية، واتهامها من قبل المجتمع بالتقليدية المعيقة، الأمر الذي يتطلب خلق فلسفة إدارية خاصة لكل قطاع أو وزارة أو جهة عامة يكون لها سقف مقبول للتحقق، ومُقنع في التطبيق.
 ميس بركات-البعث