مواقع التواصل تُفقد مؤسسات الضبط الاجتماعي هيبتها وتُفصل الشباب عن مجتمعاتهم وتدفعهم للتخلي عن أدوارهم!

مواقع التواصل تُفقد مؤسسات الضبط الاجتماعي هيبتها وتُفصل الشباب عن مجتمعاتهم وتدفعهم للتخلي عن أدوارهم!

أخبار سورية

الاثنين، ٢٨ مارس ٢٠٢٢

في ظل التطور التكنولوجي المذهل وطغيان مواقع التواصل الاجتماعي لم تعد المجتمعات في مأمن، وخاصة فيما يتعلق بتهديد الهوية الثقافية للشعوب وتغيير نمط التفكير والعادات وخاصة بين جيل الشباب الذي بات يرى نفسه يختلف عن أهله ومحيطه وغير قادر على الانسجام وبالنتيجة فقد القدرة على تحمل المسؤولية وممارسة دوره!.
شباب يأس!
الباحث الدكتور أكرم القش بين أن المخططات التي تم العمل عليها قبل الحرب على سورية تسببت في تشويه المؤسسات الاجتماعية (الأسرة، المدرسة، المؤسسات الدينية، الإعلام، مؤسسات المجتمع الأهلي )، ما أدى إلى حدوث خلل في عملها وبالتالي لم تعد وسائل الضبط الاجتماعي تنجح في العمل فلا المعلم مهاب ولا الأسرة ولا حتى وسائل الضبط الرسمية، ووفي ظل ذلك بدأ الشباب بالبحث عن جماعات مرجعية بديلة!.
وكشف القش عن نتائج دراسة بحثية استخدمت عدة مؤشرات، منها العمل، التعليم ، وغيرهما، بينت أن نسبة تطوع الشباب في المشاركة الاجتماعية لا يتعدى الـ  4%ِ ما يشير إلى أن الشباب غير مهتم بمجتمعه، حتى عندما تم إجراء دراسات عن البطالة تم اكتشاف أن معدل الإحباط واليأس عند الشباب وصل لـ 5%، سواء في المشاركة الاجتماعية أو التعليم أو الحصول على عمل، كما أن كثيرا من الشباب ليس لديه رغبة في متابعة التعليم ولم تتعد نسبة الالتحاق بالتعليم الثانوي 45% فقط، حين بلغت نسبة الالتحاق بالجامعات 23%، والخطير في الأمر أن الشباب لا يرى نفسه أنه ينتمي إلى هذا المجتمع وتحديداً لجهة أن تفكيره وسلوكه ومتطلباته باتت مختلفة عن الأسرة والجيران وبالتالي انفصل عن المجتمع.
ويرى القش أنه بات من الضروري أن يحصل تغيير في نمط العلاقات الاجتماعية ما بين الأفراد في زمن التنشئة الاجتماعية الحديثة بعيداً عن عادات كانت سائدة سابقا تتماشى مع مجتمع سابق كانت طبيعة العلاقات فيه عمودية.
بيد شركة واحدة!
وأشار رئيس قسم الصحافة والنشر في كلية الإعلام بجامعة دمشق الدكتور محمد خليل الرفاعي إلى حجم الخطر الكبير الذي يُهدد العالم جراء تغلغل مواقع التواصل الاجتماعي في كل بيت، وبيّن أن هناك أكثر من 2 مليار و500 مليون ناشط على منصة الفيسبوك، علماً أن المسجلين فعلياً هم بحدود الـ 3 مليار و400 مليون أي أكثر من ربع سكان الكرة الأرضية تحت رحمة منصة واحدة، وبرأيه من غير المشروع أو المقبول أن تقوم شركة واحدة بجمع بيانات ربع سكان العالم!.
ولفت الرفاعي إلى وجود مبادرات فردية لبعض المدارس والمعلمين وجهات أخرى على مستوى العالم لمواجهة وسائل التواصل الاجتماعي وعدم السماح لها بتدمير الأسرة والأبناء والتحذير الدائم من خطورتها على الأبناء من كل النواحي، داعياً إلى عدم التهاون في هذا الأمر.
دعموا الستلايت !
واستذكر الباحث الدكتور أديب عقيل لحظات إدخال “الستلايت” على الأسواق المحلية بأسعار عالية جداً، في حين دعموا وسائل التواصل الاجتماعي التي غزت كل البيوت، واستطاع مشغلوها أن يحققوا ما يريدون فيما عجزوا عن تحقيقه بالدبابة والطيارة!، واستغرب عقيل استمرار الكثير من الأسر بترك الحرية لأبنائهم في استخدام الموبايل حتى وهم في سن الطفولة، حيث يقدمون لهم أحدث الموبايلات كهدية دون أن يدركوا حجم الخطر في تصرفهم هذا، وهذا برأيه عبارة عن عملية إفساد منظم للجيل بعدما تم اختراق الأسرة، بل المجتمع مع تراجع دور الشباب وانتشار اللامبالاة في تصرفاتهم وكأنهم لا يعيشون في مجتمع يعنيهم!.
التربية والتحديات
في الماضي كانت وظيفة التربية تقتصر على نقل الثقافة المرجوة والمستقرة نسبياً إلى الأجيال الجديدة، ولكن مع تطور المجتمع، ظهرت الحاجة الماسة إلى التغيير في التربية الحديثة، وقد اكتسبت عملية التغيير هذه أبعاداً جديدة، تمثلت في سرعة التغيير وغزارته وكثافته، حتى أن القدرة على التغيير المستمر والتلاؤم والابتكار، تكاد أن تصبح من خصائص التربية الحديثة، وهنا يرى أمين اللجنة الوطنية لليونسكو في سورية الدكتور نضال حسن أننا بتنا أمام تحديات كبيرة في ظل هذا الطوفان المعلوماتي والإعلامي المخيف، الأمر الذي يحتم العمل على بناء الإنسان، والبدء بعملية واسعة لمعالجة أشكال الخلل في أدوار ومهام الأجهزة التربوية والمؤسسات التعليمية لمواجهة تحديات الانفتاح والمأسسة التي ترسم مستقبل النظام التربوي لبناء إنسان القرن الحادي والعشرين، عدا عن تحديات الإدارة التعليمية لجهة توفير بيئة تربوية بمضمون أكاديمي وثقافي، إضافة إلى تحديات تربوية و أسرية تتمثل في كيفية تربية الأبناء وتمكينهم من مواجهة تحديات العالم المعاصر.
الرفض والقبول
وبرأي الدكتور حسن أنه ليس من الحكمة أن نتعامل مع التقدم التكنولوجي والغزو الثقافي بمنطق الرفض المطلق، أو القبول المطلق، فالعولمة عملية تاريخية، والرفض المطلق لها لن يمكن الدول والمجتمعات من تجنب مخاطرها، كما أن القبول المطلق لها لن يمكنها من الاستفادة التامة منها، وفي هذا الإطار تبرز وسائل عديدة لمواجهة خطر العولمة في المجالات المتعددة وهي تعزيز الهوية بأقوى عناصرها ، وإصلاح أوضاعنا الداخلية وتأهيلها للتعامل بفاعلية مع متطلبات عصر العولمة وتحدياته، وتطوير سياسات و إدارات التكامل الإقليمي، والتركيز على تحقيق تنمية وطنية نشطة ومتوازنة ومستقلة، وكذلك الاتجاه إلى تحديد الثقافة، و إغناء الهوية، والدفاع عن الخصوصية، ومقاومة الغزو الثقافي الذي يمارسه المالكون للعلم والتكنولوجيا.
الأمر مشروط!
ويرى حسن أن نجاح أي بلد في الحفاظ على الهوية والدفاع عن الخصوصية، مشروط بمدى عمق عملية الانخراط الواعي في عصر العلم والتكنولوجيا، والوسيلة في كل ذلك هي اعتماد الإمكانيات والاتجاهات الإيجابية التي توفرها العولمة ويمكن تحقيق ذلك من خلال صياغة إستراتيجية عربية للتعامل مع العلم والتكنولوجيا الحديثة، وإعادة النظر في المناهج الدراسية والجامعية على نحو يهدف إلى ترسيخ الملامح الحضارية في الشخصية لمواجهة تحولات عالم اليوم، مع التنسيق والتعاون بصورة متكاملة في وزارات التربية والتعليم العالي والثقافة والإعلام، وغيرها من الجهات للمحافظة على الهوية الوطنية من أي مؤثرات سلبية، ودعا إلى تأسيس إعلام ناضج يبني الإنسان الواعي والقادر على الفعالية في حوار الثقافات ، والمحصن ضد أخطار العولمة، والمحافظة على هويته الوطنية وقيمتها، مع فهم أبعادها الثقافية، والكشف عن مواطن القوة والضعف فيها، ودراسة سلبياتها وإيجابياتها برؤية غايتها البحث والدراسة العلمية، و تطبيق فكرة التعليم المتوائم الذي يحقق التكامل بين الخصوصية الثقافية ومتطلبات المنظومة العلمية، علماً أن ثقافة التربية المجتمعية المطلوبة في زمن العولمة، لابد أن تجدد النظام التربوي وفق معطيات العلم الحديث، وبما يضمن حل المشكلات التربوية وتجويد التعليم كماً وكيفاً.
فداء شاهين-البعث