د. عاصي لـ الأزمنة: لا أعتقد أن رفع الدعم الحالي ينطوي على أي رغبة بالاقتراض من البنك الدولي.

د. عاصي لـ الأزمنة: لا أعتقد أن رفع الدعم الحالي ينطوي على أي رغبة بالاقتراض من البنك الدولي.

أخبار سورية

السبت، ٥ مارس ٢٠٢٢

نحتاج في البلد الى تغيير جذري في طريقة التفكير بالقضايا الاقتصادية وبطريقة اتخاذ القرار.

أنا مثل كثير من  المواطنين الذين مازالوا مدعومين حسب  معايير الدخل والممتلكات, وأنتظر رسائل تكامل مثل كل الناس.

تكثر الأحاديث والأقاويل في الشارع بعد الحرب الأخيرة التي تشهدها أوكرانيا ،قابلها محلياً قرارات رفع الدعم عن الكثير من المواطنين ، أسئلة تطرح في الشارع البعض من يلقى جواباً لها والبعض الأخر يترقب التصريحات وسلسلة الاجتماعات التي تعقدها الحكومة ... موقع مجلة الأزمنة نقل بعض هذه استفسارات الشارع  للدكتورة لمياء عاصي الوزيرة السابقة في الحكومة السورية فكان لنا معها الحوار الآتي :

بداية سأبدأ حواري من آخر المستجدات الحرب الروسية الأوكرانية –معظم المواطنين يسألون عن مدى تأثير هذه الحرب على الاقتصاد السوري برأيك ؟

سورية ليست بمعزل عن الأحداث  العالمية , وخصوصا تلك التي تنعكس على سلاسل الإمداد والأسعار لمعظم السلع بشكل عام , وخصوصا أن الحروب عادة ترفع أسعار مشتقات الطاقة  وأسعار الشحن والتأمين كأثر مباشر, وبالتأكيد سيكون لها  تأثير شديد على الأسعار في السوق السوري خصوصا أننا نستورد القمح والزيت النباتي وسلع أخرى .

كيف تقرئين التحرك الحكومي لبحث – إيجاد الحلول – مع بداية الحرب على أوكرانيا ؟

حتى الآن التحركات الحكومية اقتصرت على ابداء بعض المرونة مثل تمديد اجازات الاستيراد,  وهو قرار جيد ولكنه غير كافي لمواجهة أزمة كبيرة أصبحت واقعا حيث أدت الى ارتفاعات في الأسعار تصل الى 15%، وقبل أيام جرى اجتماع للحكومة مع رجال الأعمال في محاولة لاحتواء آثار الحرب الروسية الأوكرانية، فتلى رجال الأعمال كثير من مطالبهم أمام الحكومة بدلا من المساعدة في احتواء الأزمة , سبق أن شهدنا اجتماعات مماثلة مع قطاع التجار والصناعيين وهذه الاجتماعات وبغض النظر عن الكلام المنمق لم تسفر عن نتائج ملموسة .

أعتقد , أن القرارات الحكومية يجب أن لا يكون تأثير للقطاع الخاص بل يجب أن تراعى مصلحة غالبية الناس,  الاجراءات الحكومية مطلوبة وفورية لمواجهة أزمة غذائية باتت شبه مؤكدة , حزمة الإجراءات الحكومية  يجب أن تشمل الاستمرار بتثبيت سعر الصرف , وتأمين البدائل  لتأمين السلع المستوردة والاحتياطيات التي قد تشكل مسافة الأمان للمواطنين , وضبط الأسعار وعمليات الاحتكار ,

لأول مرة – يقرأ المواطن السوري – منشور لشخصك – عبر صفحتك الخاصة – تمدحين فيه قرار المركزي – الأخير - ؟

ليست المرة الأولى , التي أبدي فيها الارتياح لقرار يصب في مصلحة اقتصاد البلد والناس، القرار الأخير يخص رفع سقف السحب اليومي من البنك, وكنت دائما أرى بأن تحديد سقوف متدنية للسحب اليومي من الإيداعات الخاصة بالناس يضر على المدى المتوسط بعمليات الإيداع وبالعملية الاقتصادية ككل ويسبب نتائج عكسية ,  بشكل عام , الانتقادات التي وجهت  للمركزي بوقت سابق, كانت تطال السياسات النقدية, التي اعتقدت أنها خاطئة سواء بالنسبة للسعر الرسمي لليرة أمام العملات الأجنبية أو بما يخص تمويل المستوردات أو أسعار الحوالات وغيرها , وقد عدلت لاحقا هذه السياسات من قبل المصرف المركزي بعد تكبده خسائر فادحة  , لذلك دعوت أكثر من مرة بأن يكون القرار جماعي ولا يخضع لتأثيرات  .

قرار آخر وهو – تسليم المواطنين الحوالات – بالعملة الواردة إليهم – كيف تنظرين لهذا القرار أيضاً ؟

هذا القرار والذي ينص على تسليم الحوالات التي تفوق 5000 دولار للناس بالعملة الواردة بها، خطوة جيدة وبالاتجاه الصحيح، ما زلت اعتقد بأن محاصرة السوق السوداء لا تتم فقط عبر الاجراءات الزجرية، وانما النظر الى أي موضوع بشكل عقلاني وفتح منافذ للناس لكي يعملوا ضمن القانون.

الوزيرة - لمياء عاصي – خارج الدعم الحكومي – أم من المدعومين؟

لا شيء في القانون يعطي استثناءات للوزراء السابقين، وأنا مثل كثير من  المواطنين الذين مازالوا مدعومين حسب  معايير الدخل والممتلكات, وأنتظر رسائل تكامل مثل كل الناس.

البعض يشير أن خطوة رفع الدعم – هي إحدى شروط – البنك الدولي لإعطاء الدول قروضاً – برأيك هل ستتجه سورية للحصول على قرض مالي من البنك الدولي ؟

برغم أن رفع الدعم، هو أحد متطلبات الحصول على قروض من البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي, بجانب مواضيع أخرى مطلوبة مثل الخصخصة وضغط الانفاق العام لتفادي العجز المالي الكبير , إضافة للإعادة هيكلة الضرائب ورسم معدلات جديدة لأسعار الفائدة , وتحرير التجارة والاستثمارات , وحقوق الملكية , وتخفيض تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي بشكل عام , الحقيقة أن هذه النقاط العشر المسماة "توافق واشنطن" , تؤدي الى انكماش اقتصادي وفقر لغالبية الناس , بالمجمل  هذه شروط صعبة,  وتؤدي الى افقار البلد والناس أكثر ,

وعودة الى السؤال , عند الحديث عن القروض من البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي هناك أجندة وشروط سياسية تحكم موضوع الإقراض, وبكل الأحوال,  لا أعتقد أن رفع الدعم الحالي ينطوي على أي رغبة بالاقتراض من البنك الدولي , بل أن هدفه الأساسي هو معالجة العجز المالي في الموازنة والتغلب على ضعف الإيرادات العامة من خلال تخفيف فاتورة الدعم .

برأيك أخطأت الحكومة بتوقيت رفع الدعم؟

المشكلة في عملية رفع الدعم, أنها حصلت في وقت يعاني غالبية الناس من ظروف معيشية صعبة, وبدون دراسات كافية,  وكما شاهدنا ترافقت عملية رفع الدعم بكثير من الأخطاء التقنية والمنطقية,

ماهي البدائل لمعالجة النقص في الموازنة العامة ؟

في معالجة مشاكل العجز المالي في الموازنة, اعتمدت الحكومة على ضغط الانفاق بدل الاعتماد على تنمية الإيرادات بشكل مترافق لترشيد النفقات , معروف أن ضغط الانفاق العام يؤثر بشكل سلبي على النشاط الاقتصادي في البلد, فكيف أذا كان الانفاق الاستثماري أصلا ضعيف جدا ولا يتجاوز 15% من اجمالي الموازنة , والسياسات النقدية أصلا مصممة للحفاظ على سعر الصرف بغض النظر عن العملية الاقتصادية ككل,

 في معالجة العجز المالي , هناك الكثير من الطرق التي يمكن اللجوء اليها مثل : إدارة موارد البلاد الطبيعية , ولا سيما المؤسسات والثروات المملوكة للدولة بطريقة أكثر كفاءة من الوضع الحالي , إضافة الى مكافحة التهرب الضريبي الذي ما زالت معدلاته عالية, حسب تصريحات وزارة المالية امام البرلمان منذ أيام , أما الدوريات والزيارات المباغتة  والتكاليف العشوائية للمالية كان لها تأثيرات سلبية على الإنتاج والعملية الاقتصادية, أكثر من فوائدها المؤقتة على موارد الخزينة العامة , كذلك مكافحة الفساد "فوق الطاولة " الذي يمكن كشفه والفساد "تحت الطاولة" الذي لا يظهر للعيان .

برأيك هل هناك فشلاً في إدارة الموارد في البلاد ؟

إدارة الموارد في البلد بطريقة تقليدية وبذهنية نمطية لم تعد تصلح لتحقيق التنمية الاقتصادية التي تحتاجها بالبلد، ولا تعمل بطريقة كفوءة تمكن الدولة من اجتياز الصعوبات الكبيرة التي خلقتها ظروف الحرب على سورية والأحداث العالمية التي تسبب مزيدا من الاختناقات غير المتوقعة مثل زيادة أسعار كل السلع الضرورية بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية.

هل نفتقد في بلدنا لعقل اقتصادي ناجح؟

نحتاج في البلد الى تغيير جذري في طريقة التفكير بالقضايا الاقتصادية وبطريقة اتخاذ القرار, الطريقة الحالية أثبتت أنها قاصرة عن إيجاد حلول او معالجة حقيقية وأكثر من مرة تستدعي قراراتنا التعديل أو الاستبدال بقرارات أخرى,  ولكن بعد تكبدنا خسائر كبيرة , يعني "بعد الهنا بسنة ".

المشكلة الأساسية في البلد أن القرارات الاقتصادية جميعها تتخذ من قبل الحكومة أو اللجنة الاقتصادية، أي أن الاعتماد على  مجموعة صغيرة من الأشخاص "النخبة" , التي قد تصيب أو تخطئ في تلك القرارات وقد تكون عرضة لتضليل أو تأثير بشكل أو بآخر,  القرارات الأساسية والكبيرة يجب أن تتخذ  بشكل جماعي, وبآلية تجعل التأثيرات عليها ضئيلة أو شيه معدومة,  وبمساعدة أناس اختصاصين ومتفرغين لمعالجة القضايا الاقتصادية ومشهود لهم بالكفاءة والمهنية, بهذا المعنى, نعم نفتقد عقل جمعي اقتصادي.

ما هي توقعاتك للمرحلة القادمة ؟

الحقيقة أنها أمنيات وليست توقعات، أتمنى أن ننتقل بمعالجة الأزمات التي تحيط بنا أو تلك تشكل حياتنا اليومية من الشكل النمطي الى شكل آخر يتناسب مع عمق التحديات والمصاعب التي نواجهها، وأن نتمكن من السير خطوات تدريجية نحو اللامركزية الاقتصادية ويتضمن مشاركة أكبر، بما يحقق شبه استقلال اقتصادي للمناطق والمجتمعات المحلية، فمثلا: الطرق المؤدية لمدينة حلب تحتاج لتأهيل وصيانة منذ ثمان سنوات، لماذا لا تضطلع بذلك السلطات المحلية للمدينة؟؟ ولماذا انتظار التمويل من الموازنة العامة المثقلة بكثير من الضروريات والأولويات؟؟؟ التوجه نحو اللامركزية وإعطاء مجالس المدن صلاحيات للبت بكثير من المشاريع المحلية وتأمين التمويل بالشكل المناسب , من شأنه  رفع كفاءة وانتاجية الأعمال التي يقومون بها, و تخفيف الأعباء عن كاهل الإدارة المركزية.

دمشق_ الأزمنة _ إعداد وحوار _ محمد أنور المصري