“الدواء الحلبي” يشكو أوجاعه .. هموم بالجملة تعيق دورة الإنتاج والحلول غائبة!

“الدواء الحلبي” يشكو أوجاعه .. هموم بالجملة تعيق دورة الإنتاج والحلول غائبة!

أخبار سورية

الخميس، ٢٤ فبراير ٢٠٢٢

معن الغادري
 
لم تكن الصناعات الدوائية في حلب بمنأى عما أصاب معظم القطاعات الحيوية والإستراتيجية من دمار وتخريب العصابات الإرهابية، حيث لحق الأذى والضرر بكبرى المعامل عدا عن سرقة محتوياتها وآلاتها، وبالرغم من أن بعضها توقف عن العمل قسراً، لكن المعامل تحدت الظروف الصعبة والقاسية واستمرت بالإنتاج ولو بنسب متراجعة جداً، علماً ان حلب كانت تنتج ما يغطي 70% من حاجة السوق المحلية من الأدوية من مختلف الأصناف الدوائية.
 
هموم مشتركة
 
يبين مدير المبيعات والتسويق في إحدى شركات صناعة الأدوية أن واقع الصناعة الدوائية بدأ بالتعافي تدريجياً بعد تخطيه للكثير من الصعوبات، ولكن ما زال هناك معوقات كبيرة تؤثر سلباً على العملية الإنتاجية، منها صعوبة تأمين المواد الأولية التي تستورد عن طريق المعابر الرسمية كمرفأٔ طرطوس، بالإضافة إلى صعوبة نقل هذه المواد الأولية إلى الشركات وتكلفة أجورها العالية، لدرجة أن سعر تكلفة النقل بات أعلى من قيمة البضائع، إلى جانب المشكلات المتعلقة بعدم توفر الكهرباء والمحروقات واللتين تشكلان أساس العملية الإنتاجية، مشيراً إلى أن تبعات الحرب أدت إلى خفض الإنتاج، وهناك محاولات وفق ما هو متاح لزيادة وتيرة الإنتاج والمساهمة في تغطية حاجة السوق .
 
ودعا ميدر المبيعات إلى الاستمرار بدعم الصناعات الدوائية من خلال توفير حوامل الطاقة والتخفيف من القيود على هذه الصناعة وتسهيل عملية استيراد المواد الأولية لإنتاج كافة الأصناف، مبيناً أن الدواء السوري ما زال منافساً لجهة الجودة والأسعار ومطلوباً في دول الجوار .
تغيير السياسة الدوائية
الدكتورة ميري غريبه وهي مشرفة علمية لإحدى الشركات، أوضحت أنه يوجد فجوة بين الرغبة في إعادة عجلة دوران الصناعة الدوائية، وبين ضحالة الإمكانات وصعوبة تأمين مدخلات الإنتاج، مشيرة إلى أن هذه التحديات تفرض إجراء تغيير حقيقي في السياسة الدوائية تواكب الحاجة الماسة للنهوض بهذا القطاع وزيادة مردوديته، والأهم توفير المناخ الصحي للعملية الإنتاجية من خلال تأمين مستلزمات الإنتاج من كهرباء ومحروقات ومواد أولية لصناعة وتراكيب الأدوية وإيجاد توازن بين الكلف وسعر البيع، وبما يخفف من الأضرار والخسارات ويمنع من توقف العملية الإنتاجية ويتناسب مع الواقع المعيشي ودخل المواطن، وهي سلسلة مرتبطة لا يمكن تجاوز أي حلقة منها، إذا ما أردنا بالفعل إيجاد حالة مثالية في الإنتاج والتسويق والمنافسة على السواء .
فراس الخطيب مدير شركة للتسويق الصيدلاني، أوضح بدوره أن شح المواد الأولية الخام وصعوبات استيرادها يشكل السبب الرئيس في انخفاض الإنتاج وارتفاع أسعار الأدوية، يضاف إلى ذلك ارتفاع أجور النقل وعدم توفر الكهرباء والمحروقات وهما المحرك الأساسي للعملية الصناعية والإنتاجية، وبين الخطيب أنه وبالرغم من كل الظروف الاقتصادية الصعبة والمعقدة يستمر الإنتاج ولو بوتيرة منخفضة لتغطية حاجة السوق المحلي وخلق نوع من المنافسة بين الشركات الدوائية المنتجة، موضحاً أن حلب قادرة على استعادة ريادتها في هذه الصناعة فيما لو توفر الدعم المطلوب من قبل ساسة الاقتصاد .
دون المطلوب!
الصناعي زياد أوبري أشار بدوره إلى أن عدد معامل الأدوية في حلب يبلغ حوالي 40  معملا، إلا إنتاجها ما زال دون المطلوب، متوقعاً ارتفاعه حتى 70% تدريجياً، ونوه أوبري بتميز حلب في إنتاج بعض الأصناف الدوائية كالمنتجات العقيمة الجاهزة للحقن سواء الوريدي والعضلي والمضادات الحيوية، لكن بسبب الوضع الراهن في حلب والناجم عن الحرب الذي أدى إلى تراجع التميز في المنتجات العقيمة، عمدت أكثر من شركة خارج حلب إلى تصنيع المنتجات العقيمة لتغطية حاجة السوق المحلي منها.
وبيّن أوبري أن الحصار المفروض على سورية جعل عدة شركات منتجة للمواد الأولية ترفض بيع المواد الخاصة بالتصنيع للمعامل السورية، ومن أجل هذا الأمر تلجأ المعامل إلى عدة طرق وعبر وسطاء شركات تجارية خارجية بغية شراء المواد الأولية كي تستمر في إنتاجها، مما يؤدي إلى زيادة تكلفة الإنتاج، موضحاً أنه من الصعب إنتاج كافة صنوف الأدوية مثل الأدوية السرطانية والهرمونية، إذ من المفترض حين التفكير في فتح خطوط إنتاج جديدة يبحث الصناعي عن أمرين، أولهما إمكانية الإنتاج ضمن الشروط والآليات المتوافرة، والثاني يتمثل بجدوى الصنف الاقتصادية، فإذا كان الطلب على الصنف قليلا والجدوى الاقتصادية غير مجدية سيمنعان المصنع من إنتاجه، فضلا عن أهمية توافر آليات خاصة وخطوط لإنتاج هذه النوعية من الأدوية.
وعود على الورق!
واعترف المهندس مجد شمشان عضو مجلس غرفة صناعة حلب بالأوضاع الصعبة التي تعيشها صناعة الدواء في حلب نتيجة توفر وانتظام التغذية الكهربائية لتشغيل المعامل بالطاقة الإنتاجية المطلوبة، بالإضافة إلى قلة المحروقات، وارتفاع أسعار كلف الانتاج والمواد الأولية وأجور النقل، وكل ما يتعلق بالصناعة بمختلف أشكالها، مبيناً أن المدينة الصناعية بالشيخ نجار كانت تغذى عبر أربع محطات تحويل، خرجت منها اثنتان من الخدمة بفعل الأعمال الإرهابية، وحالياً تعمل اثنتين فقط ولكن دون انتظام، يضاف إلى ذلك كثرة الأعطال انقطاع التغذية الكهربائية بشكل فجائي، ناهيك عن ضعف التغذية والتي تتسبب في حدوث أطال جسيمة في خطوط الانتاج وتؤدي إلى خسائر كبيرة .
وأشار شمشان إلى أن المشكلة مزمنة وبحاجة إلى حلول جذرية لا إلى وعود دون تنفيذ، مشيراً إلى أن غرفة الصناعة تقدم كل الدعم الممكن وضمن الإمكانات المتاحة لدعم مختلف أنواع الصناعات ومنها الصناعات الدوائية بطبيعة الحال .
شراكة غير مكتملة!
الدكتور الصيدلاني محمد مجنو نقيب الصيادلة بحلب وافق معظم آراء المتحدثين، مشيراً إلى أن الحاجة أكثر من ماسة لحل المشكلات التي تقف عائقاً أمام عجلة دوران الصناعة الدوائية على وجه التحديد لأهميتها، ولأن حلب تعتبر رائدة في هذه الصناعة والتي كان يغطي إنتاجها أكثر من ‎%‎70 من حاجة السوق السوري وتصدر الدواء إلى حوالي 60 دولة .
وأضاف مجنو: إن الصعوبات التي تواجه معامل الأدوية باتت معروفة كغيرها من الصناعات الأخرى، وليست بحاجة إلى شروح إضافية، والمطلوب معالجة هذه الصعوبات، والعمل على رسم خريطة إنتاجية طموحة تتوافر فيها الظروف المثالية والبيئة التحتية المناسبة تسهم في استقرار الصناعات الدوائية .
وعن دور نقابة الصيادلة خلال هذه المرحلة للنهوض بواقع الصناعات الدوائية، أوضح أن نقابة الصيادلة شريك مهم وأساسي وهي تقوم بواجبها وتقدم كل الدعم الممكن للصناعيين لمعاودة إنتاجهم، بالإضافة إلى ما يتعلق بالتسويق واكتساب الخبرات، عبر إقامة مؤتمرات علمية في العلوم الصيدلانية والدوائية وإقامة المعارض التخصصية لمساعدة المعامل على تسويق منتجهم داخلياً وخارجياً.
أخيراً …
مما تقدم وبمؤازاة ما يبذل من جهود ولو كانت بطيئة وغير ملبية على مستوى النهوض بالقطاع الاقتصادي والخدمي على السواء، يمكن القول بأنه بالإمكان ردم الهوة التي تعيق دورة الإنتاج وذلك من خلال إيجاد قواسم مشتركة بين العام والخاص ضمن أجندة عمل واضحة ومكتملة العناصر تؤدي بالنتيجة إلى حلحلة كل العقد التي تعيق العمل، والتفكير جدياً بتعزيز المناخ الاستثماري برؤى متطورة وتوفير البيئة التحتية المناسبة لدورة العمل والإنتاج، بعيداً عن تنظير الاجتماعات والوعود والقرارات التي ما زالت حبراً على الورق، وهو السبيل الوحيد والأقرب للوصول إلى نقطة التحول الحقيقي والاستراتيجي والانتقال من مرحلة التنظير إلى مرحلة التنفيذ والانجاز .
البعث