“حصاد المياه” تقانة حديثة لحل مشكلات العجز والهدر المائي.. لماذا لا نعتمدها؟

“حصاد المياه” تقانة حديثة لحل مشكلات العجز والهدر المائي.. لماذا لا نعتمدها؟

أخبار سورية

الخميس، ٢٧ يناير ٢٠٢٢

تأتي المياه السطحية في المرتبة الأولى من حيث الأهمية في سورية، وتفرض زيادة السكان المستمرة ضرورة تنمية الموارد المائية والحفاظ عليها لتلبية حاجاتهم من مياه الشرب، ولتغطية كافة الاستخدامات المنزلية، والزراعية، والصناعية، وتوليد الطاقة، والسياحية، والتساؤل الأساسي الذي يطرح نفسه هل مواردنا المائية شحيحة، أم أننا بحاجة لاستثمارها بالشكل المطلوب لردم هوة العجز المائي؟.
 
حصاد المياه
 
الباحث في الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية، مركز بحوث حماة، الدكتور محي الدين كلخه ركز على أهمية تقانة حصاد المياه كحلّ مائي ناجع لمشكلات العجز المائي المترافق مع ازدياد النمو السكاني المستمر، وجملة من التغيرات المناخية المترافقة في التأثيرات المباشرة على الموارد المائية في سورية، إذ تهدف هذه التقانة لجمع وتخزين مياه المطر عند السطح، أو تحت السطح ضمن طبقة صخرية، قبل انقطاع جريان المياه باستخدام طرائق مختلفة، مشيراً إلى أن تقانات وضع خرائط مواقع حصاد المياه هي من الوسائل العلمية المتقدمة من أجل التخفيف والحدّ من فقدان المصادر المائية، في ظل ظروف الجفاف وندرة تجدّد الموارد المائية، كما تساهم في تطوير رسم سياسات إدارة الموارد المائية عن طريق التعريف بالمواقع القابلة لحصاد مياه الأمطار، وتأمين المصادر المائية للسكان وتطوير الثروة الحيوانية، ودعم بعض الزراعات البعلية لتلافي فشلها في سنوات الجفاف.
 
توفر التجهيزات!
 
ووفقاً للباحث، يحتاج إنجاز عمليات الحصاد المائي توفر تجهيزات حقلية وهندسية، واختيار الوقت الدقيق ضمن موسم الهطل المطري لضمان نجاح العمل، وبيّن كلخه أنه يمكن هنا استخدام تقانات نظم المعلومات الجغرافية (GIS) في التخطيط لتطوير وإدارة الموارد الطبيعية، وفي تقييمات استخدامات المياه المتعددة المرتبطة بالتحديات البيئية مثل انجراف التربة، وتدهور الأرض بالانجراف المائي، وتلوث الماء السطحي والأرضي، كما تستخدم هذه التقانات بإدارة الأحواض المائية، وإدارة نظام المخزون المائي الجوفي، وجدولة الري، وإدارة مخاطر تلوث الماء الأرضي، وفي تحديد مواقع حصاد المياه، ويستخدم أيضاً تطبيق مبدأ الإدارة المتكاملة للموارد المائية للتخفيف من أثر المناخ على الموارد المائية.
 
ويرى الباحث أن خرائط تحديد مواقع حصاد مياه المطر تعدّ من أهم الأدوات المتبعة في تنمية وتطوير خطط استراتيجيات إدارة الموارد المائية بكفاءة عالية، وتساعد التقانات الحديثة المتطورة كتقنيات الاستشعار عن بعد (RS)، ونظم المعلومات الجغرافية (GIS)، ونظام تحديد المواقع العالمي (GPS) في تحسين عمليات الرصد المائي، كما تعتبر هذه التقانات وسائل مهمة في المساعدة في تقدير المخزون المائي لوضع الاستراتيجيات والخطط الكفيلة بالحفاظ على المصادر المائية وتطويرها واستخدامها بشكل أمثل، وتحديد المواقع المثلى لإقامة خزانات مائية وسدود سطحية عن طريق عمليات الحصاد المائي.
 
انزياح مناطق الاستقرار
 
وتطرق كلخه لمنطقة حوض العاصي لرصد الانزياح في حدود مناطق الاستقرار الزراعي (معيار لتقسيم الأراضي بحسب نسبة الهطولات) باعتباره من أحد أهم الأحواض الزراعية في سورية، كما أن سيادة المناخ المعتدل ومعدلات منتظمة من الهطل المطري تجعل من المحاصيل الإستراتيجية كالقمح، والقطن، والشوندر زراعات رئيسية في الحوض، وتتجلى أهمية توزع مناطق الاستقرار الزراعي بأنها تعطي الرؤية الواضحة لدراسة إمكانية التوسع الزراعي في الزراعات البعلية، سواء أكان ذلك في مجال المحاصيل الحقلية والأشجار المثمرة أو الحراج، ويعطي الصورة الصحيحة لما يجب أن تكون عليه الدورة الزراعية في المناطق التي تجود بها مثل هذه الزراعات.
 
وبحسب كلخه أظهرت نتائج التحليل المكاني وجود تباين كبير في معدلات الهطل بين مناطق الحوض، يتراوح بين 72-1663 مم، وبيّنت التحاليل الإحصائية الجغرافية عدم خضوع قيم معدلات الهطل لمنحنى التوزع الطبيعي بسبب التباين الحاد بين معدلات الهطل، بينما أوضحت خريطة المقارنة بين مناطق الاستقرار والهطل أن هناك نمواً وتقلصاً في مساحات مناطق الاستقرار الزراعي الراهنة، وأننا نعاني الآن من ظاهرة خطيرة تتجلى في انزياح مناطق الاستقرار الزراعي من الشرق نحو الغرب، ما يعني تمدّد مساحة البادية وانتشار حالة الجفاف الناتجة عن التغير المناخي، وهذه الظاهرة لها أبعاد اقتصادية وبيئية واجتماعية تستلزم تنفيذ مجموعة من الإجراءات لوقف عملية التدهور البيئي.
 
حلول مجدية
 
واقترح كلخه مجموعة من الحلول للحدّ من آثار الجفاف والتغير المناخي تتمثل في إعادة النظر بتقسيم مناطق الاستقرار الزراعي التي تعود لأربعينيات القرن الماضي، وإعادة تحديد خط تحديد البادية والأراضي الزراعية المطرية المسموح بزراعتها، والتي لا يتجاوز فيها الهطل 200 ملم، والتركيز فيها على زراعة النباتات العلفية مثل الشعير، مع أهمية تطبيق فترات راحة للأرض تحول خلالها إلى مراعٍ لاستعادة وتجديد حيويتها، وتالياً الحفاظ على المصادر المائية القابلة للتجدّد والمعرضة للآثار السلبية وتبني النشاطات الأقل استهلاكاً للمياه والأكثر كفاءة، واستخدام تقانات حصاد المياه للاستفادة من الموارد المائية في مناطق الاستقرار المختلفة، والتوسع باستعمال المياه غير التقليدية وتقنيات تغذية المياه الجوفية، وإيجاد نظام إنذار مبكر عن الجفاف يعتمد تقانات الاستشعار عن بعد، كونها أداة فعّالة لرصد ظاهرة الجفاف وتحديد المواقع المعرضة له بشكل مباشر بمراقبة الحالة العامة للنبات والأراضي في المناطق التي تتعرض للجفاف.
 
ضياع المياه!
 
لمواردنا المائية أهمية إستراتيجية كبيرة بسبب وقوعها ضمن المناطق الجافة وشبه الجافة، وللأسف نعدّ حالياً من الدول الفقيرة مائياً وانتشرت لدينا ظواهر الجفاف والتصحر، وبهذا الخصوص يقول العضو المقرّر في لجنة دراسة واقع سهل الغاب، الدكتور المهندس بسام السيد: هناك بالفعل بوادر واضحة بوجود فجوة مائية بين الموارد المائية المتاحة (الأمطار، المياه السطحية، المياه الجوفية، الينابيع) والطلب عليها، ولكن رغم ذلك يرى السيد أننا نمتلك إمكانيات كبيرة لتأمين موارد مائية إضافية باستخدام تقنية حصاد المياه، حيث يبلغ الهطول المطري السنوي 46 مليار متر مكعب في سورية يضيع جزء كبير منها بالتبخر يُقدّر بنحو 40 -50%، والجزء الآخر منها يتسرب إلى باطن الأرض ويُقدّر بنحو 35%، أي هناك ضياع لثلثي كمية الأمطار الهاطلة، وتجمع كل المصادر على أن كمية المياه المتاحة للاستثمار من مياه الأمطار في سورية ضئيلة جداً لا تتجاوز 9% من الجريان السطحي!.
 
الغاب كمثال
 
وتحدث السيد عن الوضع المائي في قطاع عمله في سهل الغاب الذي يقع في منطقة الاستقرار الأولى (معيار يشير لمدى خصوبة الأرض، والهطولات المطرية)، حيث كان قسم من سهل الغاب مستنقعاً تمّ تجفيفه عام 1958، وهو منطقة منخفضة تتجه إليها جميع الموارد المائية من أمطار، وينابيع، وأنهار من السلاسل الجبلية، ويترافق ذلك مع تمتع سهل الغاب بتربة رسوبية لحقيه تعدّ من أفضل أنواع الترب الصالحة لجميع أنواع الزراعات، والمناسبة لتربية الثروة الحيوانية، والسمكية، والدواجن.
 
وتابع السيد: أشارت دراسة معدلات الجريان السطحي للمياه إلى أن العواصف المطرية التي تتجاوز 150ملم على السفح الغربي للغاب تؤدي لوصول حجم الجريان المتدفق من بوابة القرقور إلى 150م3/ثانية، وبلغ حجم التصريف المائي لبوابة القرقور في بعض الأعوام نحو 1,2 مليار م3، أما خلال الأعوام الجافة فإن حجم التصريف المائي لبوابة القرقور يكون نحو 100 مليون م3، مشيراً إلى أن معدلات الهطولات المطرية في الغاب تبلغ سنوياً بين 350-1200ملم، كما تبلغ كمية الأمطار الهاطلة بحدود مليار م3 تنخفض لتصبح 300 م3 مكعب في السنوات الجافة، ولكن ما يستثمر منها بحدود 35% سنوياً من قبل كافة القطاعات، أما ينابيع منطقة الغاب فتعطي نحو 100 مليون م3 من المياه سنوياً يستثمر منها بحدود 20 مليون م3 للري، و12 مليون م3 للشرب والاستخدام المنزلي، كما تبلغ واردات الآبار بحدود 176-191 مليون م3، حيث تذهب كمية 115-125 مليون م3 منها لتأمين الاحتياجات المائية وري المحاصيل النباتية، و50-55 مليون م3 منها لزراعة وإنتاج الأسماك، و11مليون م3 للشرب والاستعمالات المنزلية والحرفية، مشيراً إلى أن معظم الموارد المائية بما فيها الآبار قد تعرضت للتخريب، وتوقفت، وأصبحت خارج العملية الإنتاجية.
 
وبيّن عضو اللجنة أنه توجد مجموعة من السدود سعتها التخزينية الافتراضية بحدود 254 مليون م3، لكن حالياً لا يوجد تخزين في سدي (أفاميا A- وقسطون) بعد أن كانت 54 مليون م3، وذلك بعد انهيار سد زيزون ذي السعة التخزينية 71 مليون م3، وخروج السدود الأخرى من الاستثمار، ورغم أن المعدل السنوي لهذه المصادر المائية يكفي للاستثمار، لكن سوء استثمار وإدارة الموارد المائية أدى لتراجع إمكانية الاستثمار الفعلي لها.
 
ووفقاً لإحصائيات ما قبل الحرب -والكلام للسيد- يُقدّر احتياج منطقة الغاب سنوياً بحدود 480 مليون م3 في العام لري 80 ألف هكتار بمعدل وسطي 6000 م3 للهكتار، كما يستهلك معمل السكر وبساتين جسر الشغور 20 مليون م3من المياه، وبذلك يكون الاحتياج السنوي الكلي 500 مليون م3، يتمّ تأمين 191 مليون م3 من المياه الجوفية كحدّ أقصى من تلك الاحتياجات سنوياً، ويفترض أن تؤمن السدود 320 مليون م3 في العام من المصادر المائية السطحية، 104 ملايين م3 منها عبر سدي الرستن ومحردة، و54 مليون م3 عبر سدي قسطون، وأفاميا A، و25 مليون م3 منها من الينابيع ورواجع المزارع السمكية، ويكون بذلك مجموع المتاح من المياه 373 مليون م3، ويكون العجز بعد طرحه من الاحتياج الكلي المقدر بـ 500 مليون م3 هو 127 مليون م3. ووفق رأي عضو اللجنة لو عملت سدود الغاب لتأمين 88 مليون م3 من سدود أفاميا (A – B – C)، ومن سد قسطون 27 مليون م3، ومن زيزون 71 مليون م3، عند ذلك سيصبح ناتج عملها 186 مليون م3، وبذلك يتحقق الاحتياج المائي السنوي بالكامل ودون عجز.
 
الوضع الحالي
نتيجة الظروف الحالية خرجت السدود ومعظم الآبار من الاستثمار، مما أدى لانخفاض نسبة استثمار الموارد المائية مقارنة مع المتاح، حيث إن معدل الجريان السطحي المحقق في قنوات الصرف (A – B) 400 مليون م3، ومعدل المتجدّد السنوي من المياه الجوفية 200 مليون م3، سدي أفاميا A، وقسطون، 54 مليون م3، ومعدل صرف ينابيع الغاب الغربية 100مليون م3، وبذلك تبلغ كمية الموارد المتوفرة القابلة للاستثمار من الجريان والسطحي 750 مليون م3 ويمكن زيادتها، في حين نجد أن نسبة الموارد المستثمرة حالياً فقط من الينابيع 20 مليون م3، وانخفضت نسبة الاستثمار الفعلي حالياً بشكل كارثي فأصبحت 2،66% بدلاً من 35%، وأمام كل ما ذكر يجب علينا دراسة كافة الحلول وتطبيق الممكن منها بأسرع وقت، خاصة وأننا نعاني مشكلات في قطاعاتنا الاقتصادية، والتي ستتفاقم من خلال العجز المائي الذي يمكن السيطرة عليه كأولوية تنموية.
بشار محي الدين المحمد