“روح” و”فجر” يشعلان صفحات التواصل الاجتماعي والقانون يؤكد: “اللقيط” عربي سوري بمواطنة كاملة!!

“روح” و”فجر” يشعلان صفحات التواصل الاجتماعي والقانون يؤكد: “اللقيط” عربي سوري بمواطنة كاملة!!

أخبار سورية

السبت، ٢٢ يناير ٢٠٢٢

تفاعلت مواقع التواصل الاجتماعي مؤخراً بشكل ملفت للغاية مع قضية الطفلين “اللقيطين” اللذين أطلق عليهما اسم “روح” و”فجر”، وذلك من خلال النشر والتعليق والمشاركة، كل حسب رأيه وقناعته بالقضية، وتناسى “الفيسبوكيون” أن هناك عشرات الأطفال اللقطاء الذين أصبحوا في سن كبيرة وربما هم من رواد تلك الوسائل التي يتناول فيها غير العارفين قضيتهم، و”يفتون” بآرائهم بخصوصهم، فضلا عن عرض صور الأطفال بـ “نية طيبة” لدى الغالبية – على أحسن تقدير – غير أنهم يزيدون من معاناتهم الاجتماعية، وفقا لأخصائيين اجتماعيين.
آلية وقاية 
وبعيدا عن محاولات استثمار القضية لغايات أخرى، أكدت مديرة “مجمع لحن الحياة” لإيواء الأطفال اللقطاء، هنادي خيمي، أن الأطفال “اللقطاء، ومن في حكمهم، يحصلون على الجنسية السورية والأوراق الثبوتية الكاملة، وفقا للقانون السوري، مشيرة إلى أن المادة 19 الخاصة بمجهولي النسب، تؤكد على اعتبار “اللقيط عربيا سوريا” ما لم يثبت خلاف ذلك، وأشارت مديرة الدار إلى أن إجراءات التسجيل القانونية للأطفال تبدأ بمجرد استلام الدار للطفل بالطرق القانونية المرعية، والتي تشمل فحص الطفل طبيا، والتأكد من وضعه الصحي، ومنحه العلاج اللازم في المستشفيات في حال الحاجة، ولفتت إلى أن القانون السوري يحتوي على آلية وقاية من انعدام الجنسية، وهي تشمل اللقطاء الذين يعرفهم القانون بأنهم “مجهولو الوالدين”، كما يحمي القانون الطفل “معلوم الأم”، والذي يعرف بـ “مجهول النسب”.. كلام “خيمي” أكده أيضاً القانونيون لجهة آلية الوقاية من انعدام الجنسية، إذ يعتبر سورياً كل من ولد في سورية من والدين مجهولين أو مجهولي الجنسية أو لا جنسية لهما، أو من ولد في سورية ولم يحق له عند ولادته أن يكتسب بصلة البنوة جنسية أجنبية (المادتان ٣ج، و٣د، من المرسوم التشريعي رقم ٢٧٦).
ضبط النفس
من جهتها، طالبت الأخصائية الاجتماعية، هبة موسى، رواد مواقع وسائل التواصل الاجتماعي بضبط النفس، وعدم الانجرار وراء الصفحات اللاهثة وراء “التريند”، خصوصا في القضايا الاجتماعية “الجارحة”، والتي تؤثر بشدة على أصحابها، خلافا للجالسين خلف الشاشات، موضحة أن القضية قديمة ومركبة تحمل أسبابا اجتماعية في الأساس تتعلق بواقع الإنجاب والبيئة المحيطة، فضلا عن الأسباب الاقتصادية والقانونية والشرعية، وغيرها. ولفتت موسى إلى أن الجانب الشرعي رئيسي في النسب، ولا يمكن إغفاله، خصوصا أن المشكلة الحقيقية تكمن في تقبل المجتمع لهؤلاء الأطفال – الذين وصفتهم بالضحايا – وليست مشكلة حقوق يحصلون عليها وفق القانون الذي يكفل لهم الجنسية والرعاية والسرية والإسم الرباعي، ولذلك فإن تطابق التشريعات مع الضوابط الشرعية ضروري لاستقرار الحالة الاجتماعية لهؤلاء الأطفال، وتقبلهم من المجتمع، من دون عوائق تحد من وصول القوانين – مهما كانت أهدافها الحقيقية – إلى حماية الطفل، وتأمين بيئة نفسية واجتماعية سليمة لنموه. ووفقا لمعنيين، من الممكن ظهور تعديلات في قضايا تخص الرعاية والاحتضان، والتي ستكون وفقا لضوابط شرعية، وتراعي الواقع الحالي.
حالات صامتة!
ورفضت موسى أن تكون “شماعة الحرب” حجة أو سبباً لترك الأطفال، على الرغم من تأثيرها الجزئي، وخاصة على الوضع المعيشي للأسرة، لافتة إلى أن حالة الأطفال اللقطاء موجودة منذ عشرات السنين، غير أنها كانت “صامتة” لم تظهر على الإعلام، أو وسائل التواصل التي تتصدر المشهد الإعلامي في يومنا هذا، وأشارت إلى أن هناك حالات اجتماعية كثيرة خارج الأضواء، وبعيدة عن تصور الأشخاص البعيدين عن البيئة الاجتماعية التي قد تكون وراء الظاهرة، لافتة إلى أن الموضوع قد يخص الاتجار، أو حالة الأم النفسية، خصوصا في حال كانت في سن صغيرة، كما أن بعض هؤلاء الأطفال قد يؤخذون عنوة من أمهاتهم بفعل الواقع الاجتماعي في بعض البيئات، أو يتم تركهم برضا الأم والزواج لفترات محددة!
أعباء نفسية
وأشارت الأخصائية موسى إلى أن الأطفال في مراكز الإيواء يحملون أعباء نفسية، ويشعرون بالإحباط في بعض الأحيان، مؤكدة أن مراكز الإيواء تحاول رسم صورة الأسرة للأطفال في الدار، ويحصلون على الرعاية والحنان، غير أن اختلاطهم بالبيئة الخارجية، خصوصا في المدرسة، يجعلهم يشعرون بأبعاد نفسية مؤلمة، لابد من الوقوف عندها، ومعالجتها من خلال تعزيز الثقة، والدعم النفسي لهم.
وبينت أن الإفصاح للأطفال عن واقعهم يبدأ في سن 6 أو 7 سنوات، وفقا لكل حالة ومدى استقرارها النفسي، وشخصية كل طفل، وهو إجراء سليم تماما، فلا بد للأطفال من التعايش مع واقعهم، ومعرفة حقيقة ظروفهم، والتي هي ظروف لا علاقة لهم بها.
من هو اللقيط؟
ويعرف القانون السوري “اللقيط” بأنه كلُّ وليد أو طفل لم يُتم السابعة من عمره، ويعثر عليه ولم يثبت نسبه، أو لم يعرف والداه، أو ضل الطريق ولا يملك القدرة على الإرشاد عن ذويه لصغر سنه، أو لضعف عقله، أو لأنه أصم أبكم.
ووفقا للمعنيين الذين استطلعت “البعث” آراءهم، فإن النص القانوني كفيل بإيضاح أن هؤلاء الأطفال طبيعيين، ولا ينظر إليهم خلافا لذلك، ولا يمكن وصمهم بأي صفة، ما يشكل غطاء وتوضيحاً لأي شبهة لدى البعض، واحتراما لواقع هؤلاء الأطفال، وما قد يكونوا قد تعرضوا له وأدى لابتعادهم عن ذويهم.
الغطاء الإنساني
وكما هي العادة، خضعت القضية للاستثمار السلبي من قبل البعض، تحت الغطاء الإنساني، وما زاد من ذلك هو جهل أو عدم معرفة عدد كبير من رواد وسائل التواصل الاجتماعي بالقوانين السورية، فبدؤوا بنشر أخبار غير صحيحة حول قصور القوانين، وبقاء الأطفال الذين تشابه حالاتهم حالة الطفلين من دون حقوق، وهذا الأمر عارٍ عن الصحة تماما، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن تقارير سابقة للأمم المتحدة من خلال منظمتها المعنية بالطفولة ذكرت أن سورية من أقل الدول في أعداد مجهولي النسب التي تتعاظم في بعض الدول العربية الغنية، علما بأن القانون السوري يعد من الأفضل والأكثر انفتاحا في هذا المجال وفقاً للقانونيين، حيث تحرم غالبية الدول العربية الأطفال معلومي الأم من الجنسية، ولا تطبق عليهم تشريعات مجهولي النسب، لافتين إلى أن هناك أمورا متشعبة تحكم هذا التوجه، أهمها الحرص على نسب الطفل والتأكد من بيانه، وعدم ترك المجال مفتوحا لاستغلال القانون في غير شروطه ومحله. ويطالب القانونيون الجمهور بالوعي بأن أمور النسب وغيرها ذات مرجعية شرعية، وأن ما يميز قانون اللقطاء أو مجهولي النسب هو مرجعيته الدينية وتوافقه التام مع قانون الأحوال الشخصية ورفضه التام لأي مخالفة واضحة أو مستترة لأحكام قانون الأحوال الشخصية وهو ما تتبعه جميع الدول العربية.
لا تمييز!
ويحمي القانون السوري اللقطاء من التمييز، من خلال التأكيد على عدم وجود أي دلالة تشير إلى حالة الطفل بوصفه “لقيطا”، ولا يسمح بكشف الحالة إلا أمام القضاء، ويحصل اللقيط على كامل حقوق المواطنة.
ويعتبر القانون السوري اللقيط مسلما ما لم يثبت خلاف ذلك، ويؤمن رعايته في دور خاصة بالرعاية تؤمن له متطلبات الحياة والتعليم وغيرها، كما يسمح القانون بكفالة اللقطاء من قبل الأسر الراغبة وفق شروط خاصة بعمر الكفلاء وحالتهم المادية التي تضمن قدرتهم على رعاية الطفل وغيرها.
ويشير القانونيون إلى أن القانون الأساسي يؤكد على أن الأسر الحاضنة للأطفال المجهولين يجب أن تثبت عدم قدرة الأسرة على إنجاب الأطفال، ما يعتبر بنظرهم حالة سلبية يجب معالجتها في التشريع القانوني الجديد، لتوسيع دائرة الاحتضان، وتمكين الأطفال من العيش في بيئة سليمة ضمن عائلة يتواجد فيها أطفال آخرون،علما بأن الأحكام الشرعية في هذا المجال تحدد بدقة واقع الطفل المحتضن.
في الشرع
ويؤكد مختصون شرعيون أن المسلم يحسن إلى الأيتام، وكذلك اللقطاء من الأطفال لأن له في ذلك أجر عظيم، لكن بشرط ألاّ يُنسب إليه ولا لزوجته، ولا يرثهما، ولا يكون ولداً لهما، ولا يُنسبه إليه ولا لزوجته، إلاّ إذا أرضعته فيكون ولداً لها ولزوجها من الرضاعة، أمّا إذا لم ترضعه فيكون مربى منهما، أو من إحسانهما، ويسمح القانون السوري بإدراج نسبة الأسرة الحاضنة على البطاقة الشخصية للطفل المحتضن.
كما يؤكد الشرعيون على أن الطفل المحتضن لا يكون أخاً للأولاد الطبيعيين للأسرة الحاضنة وعلى الأسرة الحاضنة بيان ذلك للطفل، وذلك بهدف الحفاظ على الأنساب، مبينين أن الطفل ما لم يرضع من الأم المربية فيجب على المرأة أن تحتجب منه حتى وإن ربته.
بالمختصر، قضية مجهولي النسب لا تحتمل المزايدات والتسييس، وهي على الرغم من واقعيتها الإنسانية تتشعب اجتماعيا ودينيا وأخلاقيا وتنظيميا، ما يجعل معالجتها غير ممكنة من خلال الاندفاع والمغالاة على وسائل التواصل الاجتماعي، مع كامل الاحترام للتعاطف الكبير من الجمهور السوري.. الذي يؤكد أن بلادنا تزخر بالخير والمحبة والكرم.
رامي سلوم